آراء وتحليلات
الهند.. مودي وحزبه يتبنّيان تجربة المستوطنين الصهاينة
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
وكأن العالم لم يكفه وجود كيان دموي إسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، سجله حافل بالشرور والويلات والكوارث والمذابح والمجازر، حتّى بدأ يشهد قبل عقد، ولادة نظام عنصري قومي متطرف في جنوب آسيا وتحديدًا الهند التي بدلت هويتها السياسية والمجتمعية منذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الحكم.
فمودي يسير على نهج صديقه، رئيس حكومة "إسرائيل" الفاشية بنيامين نتنياهو المتعطش دائمًا لقتل الأطفال والمدنيين، ويتخّذ من أفعاله وسلوكه نهجًا يبدو غريبًا على هذه الدولة، حيث يدفع حزبه من أجل رؤية هندوسية أكثر وضوحًا لهوية الهند، على النقيض من قادة ما بعد الاستقلال (كغاندي) الذين نظروا إلى البلاد باعتبارها ديمقراطية علمانية متعددة الثقافات.
ما الذي يحدث بالهند وما هو دور مودي في تغذية الاضطرابات الطائفية؟
مع تسلم مودي السلطة في العام 2014، والهند تنزلق أكثر فأكثر، نحو داومة الطائفية التي يغذيها مودي وحزبه. فلا يكاد يمر يوم إلا وتندلع حوادث واضطرابات واحتجاجات على خلفية دينية، وآخرها ما حصل قبل أيام قليلة، حيث أثارت موجة من الهجمات التي شنتها حشود قومية هندوسية منتصرة ضدّ الأقليات، خصوصًا المسلمين منهم، مخاوف في جميع أنحاء الهند من تصاعد التوترات الدينية بعد مودي بتدشين معبد في مدينة أيوديا ــــ على انقاض مسجد بابري المهدم ـــ كان يُنظر إليه في بعض الأوساط على أنه رمز الانتقام الهندوسي ضدّ المسلمين.
وتبعًا لذلك تسلق القوميّون الهندوس فوق أحد المساجد وفي شمال الهند لغرس العلم الهندوسي بالزعفران. وفعلوا الشيء نفسه في وسط الهند، حيث رفعوا راية اللورد رام (وهو "اله" محبب عند الهندوس) فوق كنيسة مسيحية. وفي الجنوب أحرقوا محلًا لبيع الفاكهة، يملكه رجل مسلم. وخارج العاصمة المالية لمومباي، ضغطوا على الشرطة المحلية لهدم الشركات الإسلاميّة.
أكثر من ذلك، فمن شمال ولاية أوتار براديش، إلى جنوب تيلانجانا، اتبعت كلّ الهجمات في ست ولايات هندية على الأقل نمطًا شبه متطابق: فقد اندلعت بعد أن لوح رجال على دراجات نارية وسيارات جيب بأعلام الزعفران القوميّة الهندوسية، وأطلقوا موسيقى تعبدية عالية من مكبرات الصوت وردّدوا الشعار "جاي شري رام"، أو النصر للورد رام، أثناء مرورهم بالسيارة عبر الأحياء الإسلاميّة.
واللافت، أنه في كلّ حالة، كانت أعمال العنف إما سبقت مباشرة أو أعقبت الاحتفال الديني الذي ترأسه مودي نفسه الاثنين الفائت، بعدما ألقى خطابًا ناريًا تحريضيًا خلال افتتاحه من معبد رام (المتنازع على ارضه كونها تعود للمسلمين وتبلغ مساحتها 70 فدانا)، هنأ فيه المواطنين على نجاحهم في "فك عقدة تاريخية، وبناء مستقبل أكثر إشراقا". وأضاف مودي "يجب ألا ننحني بعد الآن. يجب ألا نجلس بعد الآن. إن روح اللورد رام موجودة في الصفحة الأولى من دستورنا. ومن المؤسف أنه كان علينا أن نقاتل لإثبات وجود سيدنا".
ليس هذا فحسب، فاستنادًا إلى الصور التي تم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، شوهدت حشود تحمل علم الزعفران وهي ترشق بالحجارة متاجر اللحوم والملابس لا سيما تلك التي تحمل أسماء تجارية إسلامية. كما دفعت المسيرات الاستفزازية التي شهدتها الأحياء الإسلاميّة، منتقدي مودي إلى التحذير من تنامي النزعة الانتصارية الهندوسية في عهده.
أما أسوأ الاشتباكات، فقد وقعت في حيّ نايا ناجار، بإحدى ضواحي مومباي شمالي مومباي. إذ بدأ الصراع في المساء قبل حفل تكريس المعبد، عندما تم إيقاف موكب دراجة نارية هندوسية بحواجز أقامها السكان المسلمون.
من هنا، قام عرفان انجينير، مدير مركز دراسة المجتمع والعلمانية ومقره مومباي، وهو منظمة غير ربحية تأسست بعد أعمال العنف عام 1993 لدراسة المناطق المتضررة من أعمال الشغب ونشر التعايش السلمي، بمقارنة المواكب القوميّة الهندوسية في الأحياء الإسلاميّة، بالمسيرات التي تنظمها جيوش الاحتلال في زمن الحرب "لفرض السيطرة".
المثير في الامر ان هجمات الغوغاء في الأيام الفائت، اثارت أوجه تشابه غير مستقرة مع ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 1992، عندما قام حشد من الهندوس الذين كانوا يهتفون من أجل معبد رام في أيوديا بهدم مسجد بابري، مما أدى إلى أعمال شغب دينية في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 شخص، معظمهم من المسلمين. حيث تضررت مومباي بشكل خاص من هذه العنف، وبعد أشهر، نفذ المسلمون هجمات انتقامية أسفرت عن مقتل المئات في أوائل عام 1993.
ما هو دور نواب حزب بهاراتيا جاناتا في تدمير ممتلكات المسلمين؟
في الحقيقة، لعب نواب حزب بهاراتيا جاناتا دورًا مؤثرًا وتحريضيًا ساهم في تفاقم وتصاعد العنف الطائفي، وفي مقدمتهم نيتيش راني، النائب عن حزب بهاراتيا جاناتا القوميّ الهندوسي الحاكم، الذي طالب بإزالة الحواجز وهدّد بـ "قتل" أولئك الذين منعوا المواكب الهندوسية.
علاوة على ذاته، ألقى راني باللوم في الاشتباكات على اللاجئين المسلمين من ميانمار، وبنغلادش، واستدعى الجرافات الحكومية لإنزال العقاب بهم. وقال للصحفيين في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء الماضي: "نايا ناجار ليست باكستان الجديدة.. نحن نعلم جيدًا ما يجب القيام به هناك وعدد الجرافات المطلوبة".
وبالفعل، دخلت الجرافات ودمرت المباني التي يملكها 55 من أصحاب المتاجر في نايا ناجار وحي آخر تسكنه أغلبية مسلمة. وحتّى يوم الخميس، ساد هدوء غير مؤكد، حيث تم اعتقال 13 شخصًا، معظمهم من المسلمين، وفقًا لمسؤولين محليين.
وكان سبق ذلك، قيام حشد من أكثر من 200 شاب مسلحين بقضبان حديدية وعصي خشبية، بمهاجمة مركبات وعربات للمسلمين وهم يهتفون "التحية يا اللورد رام".
وبالمثل، امتدت الاضطرابات، إلى العديد من الجامعات، حيث اندلعت مناقشات ساخنة حول افتتاح المعبد، تلاها وقوع أعمال عنف وشغب نتيجة تحريض مودي وحزبه.
ماذا عن موقف الشرطة؟
بالرغم من ورود تقارير في وسائل الإعلام المحلية عن اشتباكات في بلدات صغيرة وحرم جامعي، إلا أن الشرطة نادرًا ما قامت باعتقالات أو رفع قضايا ضدّ الهندوس، وبدلًا من ذلك، عاقبت المسلمين. وكان الاستثناء الوحيد في ولاية أوتار براديش التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، حيث ألقت الشرطة القبض على ثلاثة رجال لاستبدالهم العلم الإسلاميّ الأخضر فوق مسجد براية زعفرانية، ليطلق سراحهم بعد ساعات معدودة.
في المحصلة، إن إطلاق مودي العنان للمتطرفين الهندوس هو نذير شؤم يحوم حول الهند. وازاء هذا الواقع المشحون بالطائفية والكراهية والعنصرية، يبدو أننا أمام النسخة الهندية، من تجربة المستوطنين الصهاينة (التدميرية الفتاكة) مقابل الفلسطينيين العزّل، والتي يطبقها المتطرفون الهندوس بحذافيرها ضدّ مناطق المسملين وممتلكاتهم في مختلف ولايات الهند.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024