آراء وتحليلات
الشبان يكسرون قبضة الجيش: "لم يعد مرحّبًا بحكمك"
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
وجهّ رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، من داخل سجنه، صفعة مدوّية للمؤسسة العسكرية (الحاكم الفعلي للبلاد)، بعدما فاز المرشحون المرتبطون بحزبه "حركة العدالة" والمعروف باسمه المختصر باللغة الأردية PTI، بما لا يقل عن 93 مقعدًا في الجمعية الوطنية الباكستانية متقدمين على حزب يمين الوسط بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المرشح المفضل عند جنرالات باكستان لقيادة الحكومة المقبلة.
كيف تعامل الجيش الباكستاني مع الانتخابات الأخيرة؟
تشير الشواهد التاريخية إلى أن السلطات العسكرية المتغطرسة في باكستان لن تقبل أي نتيجة تتعارض مع أجندتها السياسية. فالأحداث الأخيرة التي واكبت الانتخابات البرلمانية التي كانت قد جرت في 8 شباط الجاري، كشفت أن الجيش كان يمهد الطريق عبر القضاء لمرشحيه المفضلين.
ومع ذلك، مع انتهاء فرز الأصوات خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، احتل المشرّعون ـــ المحتملون من جهة ممنوعة من الناحية الفنية من المشاركة في صناديق الاقتراع ــ المقدمة.
الجدير بالذكر أن خان، والذي أُطاح به من السلطة كبار الضباط في العام 2022، يقبع حاليًّا خلف القضبان على خلفية أربع إدانات قضائية منفصلة يراها أنصاره ذات دوافع سياسية. إذ جرى إبعاده شخصيًا عن المنافسة الانتخابية تحت ضغط المعارك القانونية التي خيضت ضدّه، وأجبر بالتالي حلفاء حركة العدالة الإنصاف القادرين على خوض الانتخابات على الترشح بصفة مستقلّين فقط.
كيف تمكّن حزب خان من تحقيق مراكز متقدمة في الانتخابات؟
عمليًا، كان شريف وآخرون في المؤسسة السياسية المدنية في باكستان يعلقون آمالهم على إجراء انتخابات جديدة لتعزيز شرعيتّهم. غير أن الناخبين الباكستانيين أدركوا سريعًا الأساليب القمعية المنتشرة ضدّ حزب حركة الإنصاف، لذلك قاموا بالالتفاف حول الفصيل الحزبي المحاصر- أي حزب خان "حركة العدالة والإنصاف"- الذي أجاد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي لإيصال رسالة زعيمه إلى الناخبين، بغضّ النظر عن القيود القانونية المفروضة عليهم.
اللافت أن السلطات الباكستانية المدعومة من الجيش لجأت إلى الغشّ، وهو ما تحدث عنه مسؤولون في حركة PTI الذين أكدوا وجود أدلة واضحة على تزوير الأصوات في أكثر من عشرة مقاعد، وقالوا إنه كان ينبغي عليهم الفوز بها، ولذلك أطلقوا سلسلة من الإجراءات القضائية للطعن في تلك النتائج.
أما المفاجأة الكبرى أن التفويض الحالي الذي حصلوا عليه كان مذهلًا. فالتصويت عّدّ بمثابة عرض مذهل للتحدي. وبحسب عمر واريش المستشار الخاص في مؤسسة المجتمع المفتوح والمراقب المخضرم لشؤون باكستان: "كان من المفترض أن تكون نتائج هذه الانتخابات الأكثر تحديدًا مسبقًا في تاريخ باكستان. وبدلًا من ذلك، أصبحت ثورة سلمية ضدّ المؤسسة العسكرية القوية".
ما هي الرسالة التي نجح الناخبون بتوجيهها للجيش الباكتساني؟ وهل سيشارك حزب خان في الحكم؟
مع أن الدولة العميقة التي يقودها الجيش الباكتساني بذلت قصارى جهدها لعرقلة فرص حزب "حركة الإنصاف"، لكنّ الناخبين الباكستانيين تحدوا كلّ الصعاب، ونجحوا بتخطي مجموعة من الحواجز الانتخابية الهائلة لتوصيل رسالة واضحة: أنهم لم يعودوا يرحبون بتدخّل الجيش في السياسة، وأنهم انتقلوا من أحزاب السلالات التي حكمت باكستان لعقود من الزمن. فهذه الرسالة برأي المراقبين في حد ذاتها هي لحظة أمل للديمقراطية الباكستانية.
من جهة ثانية، ليس من المؤكد على الإطلاق أن السياسيين المرتبطين بحزب حركة PTI سيشكّلون الحكومة المقبلة. فمن الناحية الفنية، فاز حزب شريف بأكبر عدد من المقاعد؛ لأنه لم يُسمح لحلفاء خان بالترشح تحت راية حزبهم. وما يزال من الممكن أن ينشق بعض هؤلاء المشرعين المنتخبين وينضموا إلى ائتلاف أوسع بقيادة شريف الذي تفاخر يوم الاقتراع بأنه لن يحتاج حتّى إلى محادثات ائتلافية للفوز بولايته الرابعة في منصبه.
ومع ذلك، من الممكن أن تضم الحكومة المستقبلية بعض المرشحين الذين خاضوا الانتخابات ببطاقة حزب خان ــ كانت المحكمة أمرت جميع مرشحي حركة العدالة بالترشح بصفة مستقلّين في المرحلة التي سبقت الانتخابات ــ وهذا يمكن أن يحوّل محادثات الائتلاف المقبلة إلى عملية محفوفة بالمخاطر بشكل خاص، ويعمق الاستقطاب بين مؤيدي خان ومعارضيه في هذه الدولة المسلحة نوويًا، والتي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة.
ما هي التحديات التي أفرزتها الانتخابات؟
إن أي توجه يؤدي إلى وضع حزب "حركة الإنصاف" الباكستاني خارج السلطة سوف يُنظر إليها حتمًا على أنها مشبوهة. وتعليقًا على ذلك قال شهيد خاقان عباسي رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق لصحيفة الغارديان: "إن شرعية هذه الانتخابات أصبحت موضع شك جدي، لذلك لن يكون لها أي مصداقية في نظر الشعب". وأضاف الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الحصول على الشرعية هي ضم عمران خان. وأي حل من دون خان لن يكون قابلًا للتطبيق. لكن السؤال هو: هل ستقبل المؤسسة العسكرية بذلك؟
إذ إنّ جنرالات الجيش، حتمًا قد سمعوا التحذيرات في تصريحات المسؤولين السابقين والحاليين، وفي أماكن أخرى. لكن الأصوات الوطنية الأقرب إلى باكستان هي التي ارتفعت.
في المحصّلة، يمكن القول إن الناخبين الباكستانيين قد استعادوا ديمقراطيتّهم.