آراء وتحليلات
البحرين: حراكُ الأمل ونفقُ الدولة
لطيفة الحسيني
عُمر حراك شباط/فبراير في البحرين أصبح 13 عامًا. السنوات مَضَت والمِحنة على حالها. لا مخارج بل مزيدٌ من الإقصاء والاستفراد. ماذا جَنَت الدولة من كلّ هذه المواجهة؟ ما الثمار التي حصدتها جرّاء كلّ هذا البغي والتسلّط؟ وماذا عن الذين قرّروا أن يعترضوا بوجهها؟
يُراكم الملك جِبالًا من الخيبات التي سبّبها حُكمه المُمتدّ منذ 25 عامًا. وعودُه الدستورية والإصلاحية والسياسية التي تسلّح بها عندما خلف والده في العرش أمسَت مَحطّ تنمّر لدى الشعب أو في الحدّ الأدنى مادة يؤسف عليها. تعهّد كثيرًا وانقلب سريعًا. المملكة بأمّها وأبيها باتت شركة خاصة يتولّى ورعيّته إدارتها.
14 شباط/ فبراير 2011، هو التاريخ الذي فجّر الشكّ الذي كان يطبع علاقة النظام بشعبه. أكثر من فرصة أعطاها البحرينيون للسلطة كي تُقرّب المسافات من أجل تحقيق مطالب ديمقراطية تُفضي إلى شراكة لا تطرح الثقة بأجهزة الحكم من مجلس النواب إلى رئاسة الوزراء وعمل الحكومة حتّى القضاء.
يُدرك النظام جيّدًا أن الخروج إلى الشارع واستقالة نواب جمعية "الوفاق" التي حصدت في انتخابات 2006 45% من المقاعد النيابية لم يكن خيارًا ارتجاليًا. المسألة تعود إلى سلوكٍ لم يُظهر سوى استخفاف برأي فئةٍ وازنةٍ من الشعب. سلسلة المشاكل التي تورّطت فيها السلطة ولم تعثر على مخرجٍ لها بدءًا من الملفّات الاقتصادية والمعيشية (البطالة/ الرواتب/ العمل النقابي/ النشاط الاجتماعي)، مرورًا بملفّ الحريّات السياسية، وصولًا إلى التحكّم بكلّ مفاصل الدولة، وسّعت الفجوة مع الشعب ومن يرفع مطالبه.
مراجعة كلّ أحداث 2011 وتبِعاتها تدفع إلى طرح سؤال جوهري: ماذا لو لم يتحرّك الشعب؟ ماذا لو لم يتصاعد نضال جمعيات المعارضة؟ هل فعلًا النأي بالنفس عن إجراءات النظام وسياساته الداخلية وتشريعاته التي تضمن بقاءه وتجذّره في الحكم، كان الخيار الأنسب؟
ثمّة من يقول إن سجْن معظم قيادات المعارضة، وعلى رأسها الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، ونفْيَ الناشطين السياسيين إلى خارج المملكة، وإشهار سلاح التجنيس وإسقاط جنسيات الأصيلين وفي مقدّمتهم المرجع الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم، وفرض العزل السياسي قانونًا وحلّ عدد كبير من الجمعيات الوطنية وتقييد الحريّات أو ربّما خنقها تمامًا، وملء السجون بمعتقلي الرأي، والتلاعب بمقدّرات البحرين وخيراتها وثرواتها، وحصار الشعب بالضرائب والغلاء، عقابٌ كان سيخضع له البحرينيون آجلًا وليس عاجلًا، أيْ تدريجيًا، حسب أجندة الملك وما يصدره من قرارات متتالية.
من المُفيد هنا القول أيضًا إن ضريبة الحراك السلمي في البحرين الذي قوبل بلغةٍ أمنية مُتشدّدة واستثنائية، لم تكن مُفاجِئة أو صادمة، غير أن وتيرة هذا النشاط المتواصل إلى اليوم استطاعت أن تفضح شعارات التعايش السلمي الذي يرفعه النظام دائمًا بدءًا بخطابات الملك وحتّى في وسائل إعلامه الرسمية، كما أنها تدحض كلّ مزاعم التسامح التي يُنشئ الملك من أجلها المراكز الدولية.
صحيحٌ أن كُلفة قول لا في البحرين كانت عالية وعالية جدًا، لكنّها لم تكن بلا جدوى. الاعتراض على الظلم والاستبداد والجوْر المُستفحل ينفع في ميدان حقوق الإنسان محليًّا وعالميًّا. هل من أحد في البحرين يثقُ تمامًا بتسامح النظام المزعوم؟ صورة الحُكم في عيون المواطنين سيّئة، وهذه حقيقة يُدركها آل خليفة ويعملون على تجاهلها. يكفي الاطلاع على تغريدات وتعليقات أهل الديرة في كلّ مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقادات الإدارات الرسمية والسياسات الداخلية والخارجية وكلّ ما يطرأ من أحداث لا تتوقّف.
في المشهد البحريني يبرز التطبيع كسياسةٍ مفروضة بالقوّة. هناك اعتقادٌ سائدٌ لدى أبناء المملكة بأن خيار الخزي الذي هرولت إليه السلطة لم يكن ليحصل لو كان الشيخ علي سلمان حرًّا خارج السجن. قرارٌ بهذا الحجم لن يكون سهلًا على الدولة والملك في ظلّ وجود صوتٍ قويّ وفاعل ومؤثّر على الساحة الداخلية كأمين "الوفاق" الذي حارب وناضل لدفع أيّ خيار إقليمي يجلب العار للمملكة.
قد يكون التوصيف الأدقّ لحصاد الملك على مدار 13 عامًا هو عزل الشعب الحقيقي عن دائرته وعن عيونه، وإنشاء كوكبٍ منفصلٍ عن الواقع البحريني، مُسخّرًا كلّ أدواته من أجل تحقيق هذه الغاية. يُعقّد الأمور بدلًا من البحث عن مخارج يسيرة، فمتى سيُبادر إلى فتح صفحة جديدة ويطوي حقبة أمنية سبّبت الأذى لعموم أبناء البلد؟
جمعية الوفاق البحرينيةالثورة البحرينية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024