موقع طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

فلسطين بين العرب والناتو ‎
21/02/2024

فلسطين بين العرب والناتو ‎

يونس عودة

تحتدم فصول حرب الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بوهم شطب القضية الفلسطينية، وهي الحرب التي يواصل الغرب الأنغلو - ساكسوني بقيادة الولايات المتحدة رعايتها وتمويلها شريكًا فعليًا للكيان الإرهابي المسمى "إسرائيل" من جهة، وإلزام الدول العربية بالخضوع للمشيئة الأميركية لتأمين المصالح الأميركية من جهة أخرى، بغضّ النظر عن المصالح العربية والأمن الوطني والقوميّ الذي يتشدق بشعاراته بعض العرب، ليس قناعة وإنما احتواء للغضب الشعبي المتنامي.

إن تطوّر الأحداث في المنطقة وفي ضوء النتائج الاستراتيجية التي أفرزها "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، والمعززة بلوحة كبيرة من جبهات الدعم والإسناد من لبنان إلى سورية والعراق وصولًا إلى اليمن، يفرض على الدول العربية إعادة قراءة الأحداث ومراجعة جدية للعلاقات القائمة مع دول حلف شمال الأطلسي بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، ويقع لبنان صاحب التجربة المرّة مع تلك الدول على رأس الدول العربية في هذا المجال، لأنه يملك أوراق قوّة لا نظير لها في الدول التي تتعاطى معها واشنطن بصفتها مجرد ملحقات، أو غبّ الطلب.

وعليه؛ يمكن طرح العديد من الأسئلة على الدول العربية، ليس من باب الجلد لفاقدي الشعور الحقيقي اتّجاه ما يجري من جرائم غير مسبوقة، وإنما في سياق وضع الأمور في نصابها. وفي ضوء تصريح الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي شخٌص ما تقوم به "إسرائيل" بأنه إبادة جماعية عندما قال إن: "ما يحدث في قطاع غزّة ليس حربًا، إنها إبادة جماعية إنها ليست حرب جنود ضدّ جنود، إنها حرب بين جيش على درجة عالية من الاستعداد ونساء وأطفال، ذلك لم يحدث في أي مرحلة أخرى في التاريخ... في الواقع، سبق أن حدث بالفعل حين قرر هتلر أن يقتل اليهود".

أليس مستهجنا أن ما من زعيم عربي امتلك الجرأة لقول كلمة حق كما امتلكها دي سيلفا وقبله زعيم جنوب أفريقيا فرموزا؟ وهذا إذا أحسنا النوايا باتّجاه من يتحدثون عن التمسك بالعروبة، أي العروبة المستحدثة بمقاييس غربية وأمامهم يذبح الشعب الفلسطيني. هل يجرؤ أي زعيم من الذين يستقبلون قادة دول الناتو على اختلافها أن يشهدوا على الأقل بكلمة حق بأنّ الشعب الفلسطيني يقاتل من أجل حقه في وطنه وتقرير مصيره كما هو مقرّ في كلّ الشرائع والقوانين، وبالتالي "إسرائيل" معتدية لمجرد أنها موجودة؟ أليست هذه حقيقة تاريخية حديثة؟ وبالتالي؛ الجولات التي لا تهدأ لأولئك المسؤولين في الناتو، بدءًا من قادة الولايات المتحدة السياسيين والعسكريين والأمنيين والبرلمانيين إلى الفرنسيين والألمان والكنديين.. إلخ، لن تكون لها أي فائدة ما دامت لا تأتي ولو بكلمة تذكر حق الشعب الفلسطيني بالحياة الكريمة ولا حتّى وقف المجازر، أي وقف النار واقتصار أولئك "الأعمام" على التركيز فقط على الأسرى الإسرائيليين مع وعود همايونية مجربة على مدى 75 عاما، ثمّ يأتيكم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ ليقول: "إيران تواصل زعزعة استقرار المنطقة وتتحمّل مسؤولية دعم الإرهابيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر. يظهر سلوك إيران لنا كيف يبدو العالم عندما لا يستند إلى قواعد - عالم غير متوقع وخطير. حيث سيكون أماننا أكثر تكلفة بالنسبة إلينا"، بحسب زعمه.

لقد جرّب العرب فرادى وجماعات التحالف مع دول الناتو وإقامة الأحلاف التابعة له منذ "حلف بغداد" المشؤوم، في منتصف خمسينيات القرن الماضي، والذي ضم بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان وإيران الشاهنشاهية آنذاك. وقد ظهر ذلك الحلف في الوقت نفسه الذي ظهر فيه حلف الناتو ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا حيث حاولت تلك التحالفات إحاطة الاتحاد السوفياتي السابق بسلسلة من المنظمات العسكرية الموالية للغرب. ولقد ظهرت فكرة التحالفات الثلاثة بعد أن عاد وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس إلى واشنطن من رحلاته في الشرق الأوسط واقترح تشكيلًا دفاعيًا لدول تمتد عبر أوراسيا بذريعة احتواء الشيوعية لإبعاد التفكير عن الأهداف الاستعمارية وترسيخ وجود الكيان المنشأ حديثًا على أرض فلسطين العربية.

لقد ورّط الغرب العديد من الدول العربية بمشاريعه الخبيثة. ومنحها وعودًا بأنّ المن والسلوى سيهبط عليها، كما الرخاء الاقتصادي غير المسبوق. وقد عقدت مصر اتفاقيات "كامب ديفيد" 1979 وعقد الأردن اتفاقية "وادي عربة" 1994 وكلا الدولتين ازدادتا فقرًا وقلاقل نتيجة التردي الاقتصادي المعطوف على الانغماس أكثر فأكثر في الركون إلى الوعود الغربية عامة والأميركية خاصة؛ حيث إن مصر التي كانت تصدّر غازًا، باتت تستورده من الاحتلال الذي يبتزها في كلّ حين، وفي السياق قال موقع ice الإخباري الإسرائيلي إنه قد تقرر استثمار نحو 24 مليون دولار في تطوير أنابيب ضخ الغاز ما سيسمح بزيادة إنتاج الغاز الطبيعي. وأنه بصرف النظر عن نشاطها الدبلوماسي المكثف بين "إسرائيل" وحماس، تعد مصر أحد العملاء الرئيسيين لـ"إسرائيل" في مجال الغاز الطبيعي.

أما الأردن الذي تبرع بأن يكون منصة دعم غذائي للكيان، عبر الخط المنطلق من الإمارات إلى السعودية بموازاة التصريحات البكائية كدموع التماسيح، ألزم نفسه بشراء 70 بالمئة من حاجته من المياه من "إسرائيل"، ومن أين؟ من "نهر الأردن"..!

إن مصر والأردن كانتا تحت الاحتلال البريطاني عمليًّا عند زرع الغرب الذي كانت تمثله بريطانيا الاستعمارية للكيان الصهيوني في المنطقة، فلماذا ذاكرتهما أقل خصوبة من الذاكرة اليمنية؟

اليمن الذي "كسح" و"كرسح" الاستعمار البريطاني، ها هو اليوم يواجه الولايات المتحدة وبريطانيا معًا بإباء وكرامة مع نصرته الوازنة للشعب الفلسطيني عبر منع السفن الداعمة للاحتلال من المرور في البحر الأحمر، لأنه متيقن من خطورة المشروع الذي يحيق بالمنطقة، ولذلك انخرطت أميركا وبريطانيا بأساطيلهما في البحر الأحمر وبالعدوان على اليمن بذريعة حماية التجارة العالمية التي أكدت القوات المسلحة اليمنية أنها لا تستهدفها أصلًا. ويضاف إلى الولايات المتحدة وبريطانيا المعتديتين دومًا، منذ نشوئهما، إقرار وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إطلاق عدوان جديد على المنطقة باسم العملية البحرية العسكرية "أسبيدس" في البحر الأحمر، وفقًا للمزاعم نفسها، أي "حماية حركة التجارة وحرية الملاحة". وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، والذي ستتولى بلاده قيادة قواتها إن: "إيطاليا في الصفوف الأولى لحماية مصالح السفن التجارية وحرية الملاحة في البحر الأحمر"، مشيرًا إلى أن هذه العملية تعد "خطوة مهمّة نحو الدفاع الأوروبي المشترك".

كل هذا الحشد الغربي من أجل كيان محتل تخصّب في رحم تلك الدول التي تبيح لنفسها الاعتداء، وربما ستزداد شراسة كلما ضعف نفوذها المـتآكل في المنطقة ولا سيما الولايات المتحدة التي لم يسبق أن شعرت بالوهن كما تشعر به اليوم في "الشرق الاوسط"، وهذا الأمر يستوجب من الدول التي تراخت أمام الوعود الأميركية الذابلة أن تعود إلى رشدها والدفاع عن مصالح شعوبها، ولديها نافذة واسعة اليوم فتحتها أمامهم فلسطين الذبيحة.

لقد أثبت التعاون والالتحاق بالسياسات الأميركية على مدى عقود أن واشنطن وحلفها الأطلسي يتعاطون مع دول المنطقة مجرد بيادق على رقعة شطرنج.

إن ما حمله الموفدون الدوليون إلى لبنان، وكلهم من دول أعضاء في حلف الناتو، ألمع دليل على نوايا ومساعي أولئك الحريصة فقط على ما يريده الاحتلال من دون أي نقطة تُقارِب أي مصلحة لبنانية، لا بل إن الحقوق اللبنانية يمكن أن يجري البحث فيها لاحقًا، بعد تنفيذ الإملاءات الإسرائيلية وتحويل لبنان بقواه إلى حارس حدود يسهر على راحة المستوطنين وحتّى من دون انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية.

إن التجربة اللبنانية المستمرة بفصولها المؤلمة مع الغرب الناتوي تنطبق أيضًا حتّى مع الدول التي جربت ما يسمّى اتفاقات السلام مع الكيان المفروض على المنطقة وصولًا إلى دمجه في جسدها مع محاولات إسقاط أوراق القوّة، ولعلّ الفيتو الغربي عمومًا والأميركي خصوصًا على تسليح الجيش اللبناني أحد الدلائل الخطيرة على ذلك، مع منع استخدام السلاح الأميركي وهو سلاح فردي خفيف حتّى في الدفاع عن النفس بمواجهة أي قوة إسرائيلية ولو كانت في حال اعتداء بائن.

إن اللهاث الأميركي لمنع إلحاق ضربات بالمحتل بموازاة التهديد للبنان والوعود العرقوبية - الهمايونية هي الدليل الأسطع على ضعف الموقف الأميركي في المنطقة، لا بل في العالم، ما يوفر فرصة سانحة للصراخ في وجه الناتو بقيادة الولايات المتحدة بأن "كفى" وذلك في ضوء الأضرار الكبيرة التي لحقت بكلّ الدول العربية التي ركنت لتلك الوعود، ولم تنل منها إلا الهوان والذل.

لن يسلّم الأطلسيون ببساطة إذا بقيت الممالأة والانبطاح وتكديس السلاح بالمليارات كرمى للغرب، شعار العرب الأول. ولعلّ تجربة ما يسمّى "الناتو" العربي لم تقم الولايات المتحدة بدفنه بالرغم من العقبات السياسية التنافسية، وهي تركن إلى اختراقات حققتها في بنى جيوش في المنطقة من خلال ما قدّمه الناتو من إسهامات في الإصلاحات العسكرية في الشرق الأوسط على مستوى الدبلوماسية الدفاعية، وتحديدًا من خلال التطبيع الاجتماعي للقوات المسلحة المحلية على المستوى الدولي. ولكنها تعتقد أن مساهمة الناتو في الفعالية التشغيلية للجيوش العربية ما تزال متواضعة، ومن الواضح أنها لا تسهم في التحديث الذي يشكّل حاجة ماسّة لهذه الجيوش، ولو أن الشعار هو تعزيز البنية الأمنية في الشرق الأوسط، واللافت أن قادة الجيوش إلى جانب الساسة يدركون المرامي الحقيقية لما يسمّى الإسهامات والتحديث.

من المهم في الختام الاشارة إلى خلاصة دراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القوميّ" في جامعة "تل أبيب"، وهي تعكس المفهوم الناتوي بشكل كبير، وتخلص إلى أن: "هجوم حماس في 7 أكتوبر "طوفان الأقصى" وجّه ضربة قاتلة إلى المفهوم الذي رأى أن التفوق العسكري يكفي لضمان أمن "إسرائيل". الردع انهار، الإنذار فشل، الدفاع اختفى لساعات طويلة والحسم لا يحصل. ومع أن الإخفاق الرهيب والثمن الباهظ هو نتيجة مجمل أخطاء بشرية، لكن حقيقة أنه في الهجومين المفاجئين الوحيدين في تاريخها (1973 و2023) دفعت "إسرائيل" ثمنًا بسبب تمسكها بمفهوم أمني لم يصمد أمام الاختبار، وهو مؤشر واضح على أن استمرار هذه السياسة من شأنه أن يجبي ثمنًا أكبر في المستقبل".

فلسطين المحتلةالكيان الصهيونيحركة المقاومة الإسلامية ـ حماسطوفان الأقصى

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
بالفيديو.. قنص كتائب القسام لجندي صهيوني في محور "نتساريم" بمدينة غزة
بالفيديو.. قنص كتائب القسام لجندي صهيوني في محور "نتساريم" بمدينة غزة
بعنوان "جيل وعد الآخرة".. صنعاء تشهد أكبر مسير شبابي وطلابي دعما لفلسطين
بعنوان "جيل وعد الآخرة".. صنعاء تشهد أكبر مسير شبابي وطلابي دعما لفلسطين
هل اقترب موعد الاتفاق على الهدنة في غزة؟
هل اقترب موعد الاتفاق على الهدنة في غزة؟
حمادة: إذا استمر العدو في حربه فإن هزيمته ستكون معلنة غير قابلة للشك
حمادة: إذا استمر العدو في حربه فإن هزيمته ستكون معلنة غير قابلة للشك
وزير الإعلام اليمني: عملياتنا في البحر المتوسط ستبدأ
وزير الإعلام اليمني: عملياتنا في البحر المتوسط ستبدأ
كاركاتور العهد
كاركاتور العهد
رعد: جاهزون لملاقاة العدوّ وجهًا لوجه ونصرُنا سيكون مفصليًا وتاريخيًا
رعد: جاهزون لملاقاة العدوّ وجهًا لوجه ونصرُنا سيكون مفصليًا وتاريخيًا
"حدث غير عادي".. القسام تقصف موقع كرم أبو سالم وتوقع قتلى وجرحى بين جنود العدو
"حدث غير عادي".. القسام تقصف موقع كرم أبو سالم وتوقع قتلى وجرحى بين جنود العدو
هنية: العالم بات رهينة لحكومة متطرفة ورئيسها يخترع مبررات لاستمرار العدوان
هنية: العالم بات رهينة لحكومة متطرفة ورئيسها يخترع مبررات لاستمرار العدوان
مجزرة صهيونية في ميس الجبل توقع 4 شهداء وجرحى من المدنيين
مجزرة صهيونية في ميس الجبل توقع 4 شهداء وجرحى من المدنيين
حماس: وفدنا سلّم الوسطاء رد الحركة وسيغادر للتشاور
حماس: وفدنا سلّم الوسطاء رد الحركة وسيغادر للتشاور
ممثل حماس في لبنان: الورقة المعروضة تحمل بنودًا إيجابية وتراجعًا للعدو
ممثل حماس في لبنان: الورقة المعروضة تحمل بنودًا إيجابية وتراجعًا للعدو
حماس في اليوم العالمي لحريَّة الصَّحافة: نثمّن دور الإعلام في "طوفان الأقصى"
حماس في اليوم العالمي لحريَّة الصَّحافة: نثمّن دور الإعلام في "طوفان الأقصى"
لقاءان تكريميان للعمّال الفلسطينيين في مخيمي برج البراجنة والجليل
لقاءان تكريميان للعمّال الفلسطينيين في مخيمي برج البراجنة والجليل
فيديو.. المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف ميناء حيفا بصاروخ "الأرقب" 
فيديو.. المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف ميناء حيفا بصاروخ "الأرقب" 
بالصور.. إحياء ذكرى أربعين الشهيد على طريق القدس علي ابراهيم ناصر الدين
بالصور.. إحياء ذكرى أربعين الشهيد على طريق القدس علي ابراهيم ناصر الدين
الموسوي: عملية طوفان الأقصى وما تلاها من إسناد محور المقاومة أعادت القضية الفلسطينية للواجهة
الموسوي: عملية طوفان الأقصى وما تلاها من إسناد محور المقاومة أعادت القضية الفلسطينية للواجهة
بالفيديو.. المقاومة الإسلامية تستهدف مبنَيَيْن يتموضع فيهما جنود العدو في "شتولا" 
بالفيديو.. المقاومة الإسلامية تستهدف مبنَيَيْن يتموضع فيهما جنود العدو في "شتولا"