آراء وتحليلات
الخوف من روسيا يجتاح دول البلطيق.. واتجاه نحو تعزيز الدفاعات بالألغام
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي
بعد عامين من الصراع الروسي- الأوكراني، دفع الانهيار الذي تعانيه قوات كييف نتيجة تقدم الجيش الأحمر وسيطرته على المزيد من المناطق والمدن الاستراتيجي فضلًا عن القلق الذي تعانيه القيادة الأوكرانية بسبب خذلان واشنطن وعدم إمدادها بالمساعدات المادية والمالية المطلوبة، دول البلطيق وفنلندا إلى التحذير من أن التهديد لأراضيهما يلوح في الأفق، حيث تزعم بعض وكالات الاستخبارات الغربية إن الكرملين قد يقوم بمثل هذه المحاولة في غضون عقد من الزمن.
ولهذه الغاية تبحث هذه الدول المتاخمة لروسيا عن طرق لتعزيز دفاعاتها، مع الأخذ بالحسبان الألغام الأرضية وغيرها من تقنيات الحروب القديمة في محاولة لإضعاف الكرملين. كما تعمل على مراجعة الدروس من الخطوط الدفاعية القوية لعدوهم في أوكرانيا، مشيرين إلى أن نظام روسيا الدفاعي من حقول الألغام والأسلاك الشائكة والخنادق، جعل من المستحيل على قوات كييف أن تتقدّم في الصيف الماضي.
ما هي الدروس التي تعلمتها دول الناتو من روسيا؟
صحيح أن الدول الأوروبية وتلك المنضمة إلى الناتو خصوصًا، ما تزال تطالب بطائرات مقاتلة من طراز F - 35 وغيرها من الأسلحة، لكن الاهتمام المتجدد والاستثمار في التكتيكات القديمة التي تعود إلى قرن من الزمان، هو أحدث مثال على كيفية قيام حرب روسيا في أوكرانيا، بقلب الافتراضات القديمة حول طرائق الدفاع عن أراضي الناتو، مع التركيز من جديد على إيقاف الدبابات والمدفعية المتنقلة. وعلى الرغم من أن صناع السياسات الغربيين، يقولون إنهم ما يزالون واثقين من أن الناتو سوف يهب للدفاع عنهم، إلا أنهم يضيفون أن خطاب الأميركي الرئيس السابق دونالد ترامب ــ والذي شجع موسكو على مهاجمة أراضي الناتو ـــ جعلهم يولون أهمية كبيرة لامتلاك القدرات التي تمكّنهم من الصمود لأطول مدة ممكنة.
وتبعًا لذلك، شرعت جيوش دول الناتو في دخول نقاشات حول إمكان اعتماد الألغام الأرضية سلاحًا منخفض التكلفة، قادرًا على إبطاء الدبابات وكسبًا لوقت رجال الإنقاذ في الحلف، في مواجهة المخاطر التي تهدّد الأجيال القادمة من مواطنيها.
إشارة إلى أن الألغام الأرضية، تتميّز بأشكالها العديدة، لكن البديل الأرخص والأبسط، هو المضاد للأفراد. فبمجرد زرعه، يمكن أن يشكّل خطرًا حتى بعد عقود من انتهاء الصراع.
ما هي خطط دول البلطيق للدفاع عن أراضيها في مواجهة موسكو؟
أجرى أصحاب القرار في دول البلطيق الثلاث – ليتوانيا ولاتفيا واستونيا – محادثات في الأسابيع الأخيرة حول ما إذا كان ينبغي الانسحاب من الاتفاقية الدولية التي تحظر الألغام المضادة للأفراد. أما النتيجة التي توصلوا اليها، فكانت عدم إقدام هذه الدول في الوقت الحالي على هذه الخطوة.
وتعقيبًا على ذلك، قال وزير الدفاع اللاتفي أندريس سبرودس الذي كلفه جيش بلاده بدراسة ما إذا كان من المنطقي الانسحاب من معاهدة الألغام الأرضية المعروفة باسم اتفاقية أوتاوا: "الهدف هو أن نعزز جميعًا قدراتنا الدفاعية، وأن نفعل كلّ شيء حتّى نحمي حدودنا ومجتمعاتنا، يجب أن ندافع عن أراضينا من أول بوصة".
واتفق سبرودس ونظيراه الليتواني والاستوني مؤخرًا على بناء ما يسمونه خط دفاع البلطيق، وهو نظام منسق من المخابئ والتحصينات. فحتّى وقت قريب، كان جزء كبير من الحدود بين روسيا وتلك الدول عبارة عن حقول ممتدة وغابات صنوبر مفتوحة، ولم تكن هناك سوى القليل من العوائق التي تعيق العبور. لكن في العام 2020، بدأت هذه الدول ببناء الجدارن والأسوار في محاولة لردع المهاجرين المتوجهين إلأى جيرانهم الأوروبيين.
أما حاليًا، وبعد التطورات في أوكرانيا لصالح روسيا، من المقرر أن تصبح الحدود أكثر عسكرة، مع وجود خطط لتركيب أجهزة استشعار وعوائق مادية لمنع الدبابات والمركبات الأخرى – بالإضافة إلى الاستثمار في ترسانة من الألغام المضادة للدبابات والألغام التي تُفجّر من بعد، والتي يمكن نشرها إذا بدأت القوات الروسية في الاحتشاد على الحدود.
اللافت أن خطط التحصين لهذه الدول جرى استخلاصها من دروس الخطوط الدفاعية الروسية في شرق أوكرانيا، حيث قام الجيش بحفر مئات الأميال من الخنادق، كما عمد إلى نشر الأسلاك الشائكة والحواجز المضادة للدبابات، وزرع حقول ألغام واسعة النطاق على نحو غير عادي. وعليه، عندما حاولت القوات الأوكرانية إزالة الألغام، تمكّنت الطائرات الروسية من دون طيار من توجيه نيران المدفعية نحوها، ما منع القوات الأوكرانية من تحقيق الحد الأدنى من المكاسب الإقليمية على الرغم من طموحاتهم الكبيرة.
لذلك، قال جيمس كوان الجنرال السابق في الجيش البريطاني والرئيس التنفيذي لمنظمة "هالو تراست" لإزالة الألغام: "لقد استخدمت روسيا قوة الألغام بدلًا من القوى البشرية".
الجدير بالذكر أن مساحة كلّ من ليتوانيا ولاتفيا، تعادل مساحة ولاية فرجينيا الغربية تقريبًا، كما أن مساحة استونيا أصغر حجمًا، ما يعني أنه على عكس أوكرانيا الأكبر حجمًا، لن تكون هناك سوى مساحة صغيرة يمكن أن يتراجعوا إليها إذا عبرت الدبابات الروسية الحدود.
ولهذه الغاية، كتب المدير العام لجهاز المخابرات الخارجية الاستوني كاوبو روزين، في جزء من تقييم استخباراتي سنوي صدر هذا الشهر: "يمكننا التوقّع أنه، خلال العقد المقبل، سيواجه الناتو جيشًا جماعيًا على النمط السوفياتي، مع أنه أدنى من الحلفاء من الناحية التكنولوجية، إلا أنه يشكّل تهديدًا كبيرًا بسبب حجمه وقوته النارية واحتياطياته".
وبالمثل، قامت فنلندا، والتي أجرت محادثة داخلية منفصلة حول الألغام الأرضية، بتوسيع حدود الناتو مع روسيا بشكل كبير عندما انضمت إلى الحلف في العام الماضي. وبدافع من المخاوف الأمنية المزعومة على طول حدودها الروسية التي يبلغ طولها 832 ميلًا، وقّعت فنلندا على معاهدة الألغام الأرضية المضادة للأفراد بعد أكثر من عقد من الزمن بعد معظم الدول، ولم تنتهِ من تدمير مخزوناتها إلا في العام 2015. مع الإشارة الى أن البلاد ليس لديها خطط حالية للانسحاب من المؤتمر.
ما أهمية الألغام في حماية دول البلطيق؟
يرى بعض قادة منطقة البلطيق أنه على الرغم من الضمانات الدفاعية التي قدمها حلف شمال الأطلسي، تزيد تجربة أوكرانيا الأخيرة من ضرورة صد الغزو الروسي. وتسمح المعاهدة أعلاه، للدول باستخدام الألغام المضادة للدبابات، والتي تعدّ أكثر أمانًا للمدنيين لأنها تتطلب ضغطًا للأسفل للانفجار أكبر بكثير من الضغط الناتج عن المشي البشري فوقها. وتبيح المعاهدة أيضًا، استعمال ألغام أصغر حجمًا يجري التحكّم فيها من بعد، ويمكن أن تقتل جنودًا أفرادًا، طالما كان من الممكن تشغيلها بواسطة شخص يمكنه التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
من هنا، يؤكد سبرودس وزير دفاع لاتفيا أن هناك مجموعة من الألغام الأرضية التي يمكننا استخدامها. ولاتفيا مستعدة تمامًا لتطوير هذه القدرة. وأضاف: "لدينا في ترسانتنا ألغامًا أرضية، وسنعمل على تطوير قدراتنا من دون الحصول على تلك الألغام الأرضية المحظورة بموجب الاتفاقية".
بدوره، أعلن كوستي سالم، وهو السكرتير الدائم لوزارة الدفاع الاستونية أن: "خطتنا هي الاستخدام المكثف للألغام المضادة للدبابات والألغام البصرية وجميع أنواع الألغام الأخرى". وتابع: "لقد كانت هذه سياستنا منذ وقت مبكر جدًا. لقد زودنا أوكرانيا بعشرات الآلاف من الألغام المضادة للدبابات. نحن نعمل على تجديد هذه المخزونات".
في المحصّلة، كانت الحرب الأوكرانية مزيجًا من كلّ شيء: طموح القرن التاسع عشر، ووحشية حرب الخنادق في القرن العشرين، وتقنيات القرن الحادي والعشرين. وعليه، الخاسر الأكبر فيها كما يظهر حاليًا هو أوروبا التي بدأت تستشعر بالخطر مما هو قادم عليها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024