طوفان الأقصى
بعد 150 يومًا: ملامح النصر تلوح في الأفق
حيّان نيّوف
سأكون مضطرًا في هذا المقال أن أبدأ من حيث الخلاصة التي اعتدنا على وضعها في خاتمة مقالاتنا، فالقارئ والمتابع لمجريات الأحداث وتفاصيل المعركة منذ السابع من أكتوبر 2023 ولمدة خمسة أشهر لم يعد بحاجة لسردٍ تفصيلي للمقدمات والظروف.
وفي الخلاصة فإنه يمكننا القول بأننا بتنا أمام نتيجتين مهمتين:
الأولى؛ تتمثل برغبة أميركية ملحّة وواضحة للتوصل لوقف إطلاق النار في غزّة وبأسرع ما يمكن.
الثانية؛ تتمثل بالاستقالات الجماعية الواسعة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تتأتى أهمية هاتين النتيجتين على اعتبار أنهما تمثلان انقلابًا جذريًا في كلّ من واشنطن و"تل أبيب" بعد خمسة أشهر من المكابرة ومحاولات الهروب من الهزيمة والدفع باتّجاه التصعيد الميداني والإقليمي بحثًا عن إنجازات يعوّل عليها كرد اعتبار بعد الزلزال الذي أحدثه طوفان الأقصى.
وكان لافتًا ما سرّبه موقع "إكسيوس" بالأمس عن طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من الرئيس المصري وأمير قطر بأن يحضروا له وقفًا لإطلاق النار قبل شهر رمضان، وعن استعداد بايدن وفقًا لموقع "إكسيوس" للضغط على "إسرائيل" للقبول به في مقابل موافقة حماس على صفقة الرهائن، ثمّ تلا ذلك إعلان نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس عن دعوتها لوقف فوري لإطلاق النار.
وفي العوامل التي دفعت واشنطن خصوصًا باتّجاه هذا الانقلاب في موقفها فإنه يمكن الحديث عن عوامل "داخلية وأخرى خارجية" ضاغطة ومترابطة:
• حادثة الطيار الأميركي آرون بوشنل الذي أقدم على إحراق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، هذه الحادثة نسفت كلّ محاولات واشنطن المضللة لتبرئة نفسها أمام الداخل الأميركي وأمام العالم أجمع من جرائم الإبادة في غزّة بحق الفلسطينيين بعد أن أحرقها بوشنل بإحراقه لنفسه وبكلماته التي قالها قبيل ذلك "لن أكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية.. فلسطين حرة".
• نتائج الانتخابات التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري، ففي الوقت الذي أظهرت فيه نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي تزايد نسبة الممتنعين عن تسمية بايدن نتيجة موقفه من حرب غزّة وخاصة بين الأميركيبن من أصول عربية، كان منافسه في الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب يكتسح وبنسب عالية صفوف الجمهوريين نحو الترشح.
• استطلاعات الرأي التي أظهرت تقدم ترامب على بايدن في الولايات المتأرجحة والحاسمة، وهي خمسة ولايات صوتت لصالح بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة.
• حالة التململ الدولي من استمرار العدوان على غزّة وتحميل واشنطن مسؤولية ذلك بسبب عرقلتها لقرارات مجلس الأمن الدولي الداعية لوقف إطلاق النار.
• الفشل الأميركي الإسرائيلي في تحقيق إنجاز ميداني حقيقي في المعركة وخاصة ما يتعلق منه بالفشل في النيل من قادة المقاومة الفلسطينية.
• فشل الاستثمار بورقة التهديد باقتحام رفح بعد أن أظهر محور المقاومة استعدادًا لمواجهة مفتوحة عبر جبهات الإسناد مهما كانت النتائج والعواقب في حال الإقدام على هذه الخطوة.
• رسائل القوّة والتهديد التي مرّرتها جبهات الإسناد بدءًا من إغراق السفينة البريطانية في البحر الأحمر من قبل أنصار الله، ومرورًا بالتهديدات العلنية والميدانية من قبل حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان لـ"إسرائيل" بأنها تستعجل زوالها في حال قررت شن حرب على لبنان وهو ما دلت عليه المقاومة اللبنانية بسحقها لمجموعتين صهيونيتين حاولتا التسلل بالأمس عبر الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ووصولًا إلى المقاومة العراقية التي تبنت استهداف مواقع حساسة في مدينة حيفا.
• نجاح طهران في إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية والتي جاءت نتائجها بمثابة انتصار لنهج وخط آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي وللرئيس الحالي السيد إبراهيم رئيسي.
• اقتراب موسكو من إنجاز الاستحقاق الانتخابي الرئاسي مع توقعات بحصول الرئيس الحالي فلاديمير بوتين على نسبة تأييد مرتفعة جدًّا من قبل الشعب الروسي.
• تطوّرات ملف محكمة العدل الدولية وخاصة بعد قيام نيكارغوا برفع دعوى ضدّ ألمانيا بتهمة مساهمتها بالإبادة الجماعية في غزّة عبر إرسالها السلاح لـ"إسرائيل"، والخشية من توسع ذلك ليشمل دولًا أخرى مؤيدة للكيان.
• ضيق الوقت أمام واشنطن في ظلّ الضغط الشعبي والسياسي والميداني لإخراج قواتها من العراق وسورية.
هذه العوامل دفعت بواشنطن للتحرك بسرعة باتّجاه الدفع نحو إنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار قبل أن تتعرض لانهيار سياساتها في الداخل وعلى مستوى الشرق الاوسط والعالم، وسارعت واشنطن لدعوة الوزير في حكومة الحرب الصهيونية بني غانتس لواشنطن بالرغم من اعتراض نتنياهو، وترافق ذلك مع عودة الاحتجاجات إلى الشارع الإسرائيلي ضدّ نتنياهو، وكذلك ترافق ذلك مع استقالات جماعية في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسها "دانيال هاغاري" المتحدث باسم جيش الاحتلال، وكان لافتًا ما أعلنته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن المستقيلين اعترفوا بهزيمتهم وفشلهم أمام الفصائل الفلسطينية نتيجة عدم تحقيق أهداف الحرب وارتكاب جرائم أغلبها ضدّ المدنيين الفلسطينيين دون التمكّن من القضاء على الفصائل الفلسطينية وقادتها.
ويبدو أن تلك الخطوات المتزامنة جاءت بإيعاز أميركي بهدف الضغط على نتنياهو وحكومته للانصياع لرغبة واشنطن الجامحة والمستعجلة نحو وقف إطلاق النار وانهاء هذه الحرب الهزلية الخاسرة التي كلما طالت فإنها ستزيد من ورطة واشنطن ومن خسارتها لنفوذها وسمعتها ومكانتها.
وكان لافتًا بالتزامن مع ذلك أيضًا ما أعلنه مصدر مصري مسؤول عن لقاء رباعي في القاهرة جمع ممثلين عن واشنطن والقاهرة والدوحة مع ممثلين عن حركة حماس بالأمس، ومن المقرر أن تستمر هذه اللقاءات بهدف التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما يؤكد التوجّه الأميركي الاضطراري الجديد.
أخيرًا، على واشنطن أن تعترف بأن الورقة التي لطالما تمسكت بها هي وحليفتها "إسرائيل" ومن خلفهم دول التطبيع والمتمثلة بالإبادة والقتل والحصار والتجويع والتي تم فرضها العدوان الوحشي على غزّة لم تجلب لها سوى الهزيمة، في مقابل ما حققه محور المقاومة من نتائج جيوسياسية وقواعد اشتباك جديدة وإعادة إحياء وبعث للقضية الفلسطينية وتهديد وجودي حقيقي للكيان الصهيوني وللنفوذ الأميركي عبر ملحمة طوفان الأقصى، بل يمكن القول إن ذلك يشكّل ملخصًا دقيقًا لنتائج المعركة بعد خمسة أشهر.
إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى
22/12/2024