طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

قراءة في المشهد الانتخابي الأميركي بعد نتائج الثلاثاء الكبير
08/03/2024

قراءة في المشهد الانتخابي الأميركي بعد نتائج الثلاثاء الكبير

د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي

كما هو متوقع، انتهى الثلاثاء الكبير (الانتخابات التمهيدية للموسم الرئاسي للعام 2024 في 16 ولاية أميركية) بوقوف كلّ من الرئيسين الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب وجهًا لوجه، بعد خلو الساحة من أي منافسين جدّيين لهما، لا سيما على جبهة الحزب الجمهوري، في أعقاب إعلان سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي الانسحاب من السباق الانتخابي، والتي خسرت بفارق كبير أمام ترامب في معظم الولايات الجمهورية.

ومن المتوقع أن تشهد الحملات الانتخابية لكِلا المرشحين تصعيدًا كبيرًا في الخطاب السياسي، حيث سيعمد كلّ منهما إلى استغلال نقاط ضعف الآخر واستثمارها لجذب أكبر نسبة من الناخبين غداة يوم الاقتراع في تشرين الثاني المقبل.

كيف سيبدو المشهد الانتخابي في الأشهر المقبلة؟

عند النظر في مسيرة الخصمين اللدودين بايدن وترامب، نجد أن سجلهما حافل بنقاط الضعف التي قد تؤثر في حظوظ كلّ منهما. فترامب حاول إلغاء انتخابات العام 2020، وهو يواجه 91 تهمة جنائية.

في المقابل؛ يُعد بايدن بالفعل أكبر رئيس في تاريخ البلاد، وهو ويواجه شكوكًا حول قدرته على الخدمة بسبب عمره، إذ إن هذه المخاوف تمثل تهديدًا متفاقمًا لمساعى إعادة انتخابه لحقبة رئاسية جديدة، إذ يقول الآن غالبية منتخبيه في العام 2020، إنه مسنّ للغاية لدرجة لا تمكّنه من قيادة البلاد بكفاءة. وتبعًا لذلك، يأمل العديد من الأميركيين ألا يكون هذا هو الخيار المستقبلي.

ويستمر البعض في تخيّل سباق من دون أحدهما أو الآخر أو كليهما. لكن سيناريوهات حول مؤتمر ديمقراطي مفتوح، أو استبعاد ترامب بطريقة ما أمر غير وراد، والأهم أنه لا توجد أية مؤشرات أو تطوّرات توحي بإمكان حصول هذا الأمر في المستقبل المنظور. وما يدعم هذا الأمر هو إعلان مكتب ميشيل أوباما أنها لن تكون مرشحة للرئاسة هذا العام، ما وضع حدًا لفكرة اليمين المتطرّف التي تردّدت لعدة أشهر.

من هنا، وباستثناء حدوث شيء غير متوقع، سيكون العام 2024، وهو تكرار لانتخابات العام 2020، وإن كان ذلك في بلد ومناخ سياسي مختلفين بشكل ملحوظ.
 
لذلك؛ ما مدى تأثير قضايا المرشحين الخلافية على استطلاعات الرأي؟

ستحمل انتخابات العام 2024 العديد من القضايا المشحونة، والتي يمكن يمكن تلخيصها بالآتي:

1 ــ الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

2 ــ لوائح الاتهام المتعددة التي يواجهها ترامب، مثل جرائم الاغتصاب والتهرب الضريبي وتهريب مستندات سرية، وغيرها من عشرات الجنايات.

3 ــ أسوأ تضخم منذ أربعة عقود، وأدنى معدل بطالة في الإطار الزمني نفسه تقريبًا.

 4 ــ قرار المحكمة العليا بإنهاء الحق الدستوري في الإجهاض الذي تحول إلى القضية السياسية الأكثر جدلا؟ًا.

تعليقًا على ذلك، قالت مسؤولة استطلاعات الرأي الديمقراطية آنا جرينبيرج: "لا توجد مقارنة تاريخية لهذه الانتخابات". وأضافت: "المقاييس السابقة ليست بالضرورة دليلًا موثوقًا به هذا العام. لم يسبق لأي مرشح للرئاسة أن واجه احتمال تقسيم الوقت بين المحاكمة في قاعة المحكمة ومسار الحملة الانتخابية". وتابعت: "حتّى الآن، ساعدت لوائح الاتهام ترامب أكثر من إيذائه، على الأقل بالنسبة إلى قاعدة الحزب الجمهوري. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن الإدانة قد تغيّر رأي بعض الناخبين. ولكن هل هذا صحيح؟".
إلى جانب ذلك، أصبحت المعايير السابقة التي ساعدت في التنبؤ بنتائج الانتخابات موضع تساؤل. فخلال الانتخابات النصفية، في العام 2022، كان أداء بايدن منخفضًا في استطلاعات الرأي، إلا أن أداء حزبه فاق التوقعات؛ فالترجيحات أشارت إلى أن التضخم سيسحسب الديمقراطيين إلى الأسفل، ولكن بدلًا من ذلك أدى النقاش حول قضية الإجهاض إلى سقوط الجمهوريين.

كما لم تمنع الانتقادات التي تعرض لها بايدن، لتركيزه على التهديدات التي تواجه الديمقراطية وتجاهله التضخم في وقت متأخر من الحملة الانتخابية، من تحفيز العديد من الناخبين الديمقراطيين للإدلاء بأصواتهم لتقليل قوة الحزب الجمهوري الذي رأى أنه متطرّف للغاية.

صحيح أن استطلاعات الرأي تُظهر أن بايدن يتأخر على المستوى الوطني وفي العديد من الولايات الست التي ستكون فيها المنافسة على أشدها: بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن في الجهة الشمالية للبلاد؛ وجورجيا وأريزونا ونيفادا في الجهة الجنوبية. لكن الشواهد تؤكد أنها معرضة في الغالب لهوامش من الخطأ بنسب ملوحظة، كما حدث عندما توقعت أكثرية الاستطلاعات اكتساح الجمهوريين للكونغرس، غير أن فوز الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أظهر عدم مصداقية هذه الاستطلاعات نوعًا ما.

ليس هذا فحسب، وبالرغم من أن حملات إعادة الانتخاب تميل عمومًا إلى تفضيل شاغل المنصب. لكن وايت أيريس، وهو خبير استطلاعات الرأي الجمهوري، يرى أن بايدن هو المستضعف الواضح. ويشير إلى عدم الرضا العام عن الاتّجاه العام للبلاد، ويلفت إلى أن ترامب يُنظر إليه على أنه أكثر ثقة في الاقتصاد والهجرة. وأضاف: "في هذه الأجواء من عدم اليقين، أنا متردّد في الإدلاء ببيان صريح [حول النتيجة في نوفمبر/تشرين الثاني] مع وجود مرشحين لا يتمتعان بشعبية تاريخية، يبدو الأمر أقل استقرارًا ممّا يظهر". ومع ذلك، قال إن أفضل فرصة للديمقراطيين للفوز اليوم "تتمثل بالعثور على مرشح مختلف".

بموازاة ذلك، ووفقًا للعديد من المؤشرات، فقد تلاشت الذاكرة العامة حول الفوضى التي شهدتها سنوات ترامب. ولهذا قالت سارة لونجويل الخبيرة الاستراتيجية في الحزب الجمهوري المؤيد لشعار رفض ترامب: "هناك شيء واحد واضح. في الوقت الحالي، يركز الناخبون بشدة على جو بايدن. إنهم يعرفون ما لا يحبونه في جو بايدن. لكنّهم نسوا ما لا يحبونه في دونالد ترامب. ليس لديهم الازدراء العميق نفسه تجاهه الذي رأيته قبل انتخابات العام 2020".
 
ماذا عن حظوظ ترامب وبايدن وعلاقة غزّة بالأمر؟

عمليًا، حتّى لو لم تنتج الانتخابات التمهيدية أية مفاجآت حقيقية، فإنها ساعدت مع ذلك في تحديد المشكلات المحتملة التي قد يواجهها ترامب، وخاصة بين الناخبين من خريجي الجامعات وناخبي الضواحي. أما بالنسبة إلى بايدن، فقد تراجع التحالف الديمقراطي الذي انتخبه في العام 2020. إذ يبدو أن الناخبين الأصغر سنًا والرجال الملونين من الطبقة العاملة أقل حماسًا تجاه الرئيس، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانوا سيشاركون بأعداد كبيرة بما فيه الكفاية؟.

أكثر من ذلك، أدت الحرب في غزّة إلى انقسام الديمقراطيين، حيث يرى الكثيرون من اليسار أن بايدن لا يفعل سوى القليل لكبح جماح حكومة الكيان الإسرائيلي في إبادة سكان القطاع، ويتقاعس عن حماية المدنيين الفلسطينيين في منطقة الحرب وتخفيف الأزمة الإنسانية هناك.

في المحصلة، ووفقًا للمراقبين سيصبح ناخبو هيلي، خصوصًا أولئك الذين جرى تحديدهم على أنهم من سكان الضواحي، هدفًا خاصًا لحملتي ترامب وبايدن. ويبدو أن هؤلاء الناخبين متضاربون في اختياراتهم، فهم غير راضين لا عن الزعيم الجمهوري ولا عن الرئيس الديمقراطي. وبالتالي؛ فمن وجهتي نظر ترامب وبايدن، إن صيغة كسب الدعم من الناخبين غير الراضين عن اختيارهم ستكون جعل المرشح الآخر غير مقبول بشكل أكبر، وعليه هناك ثمانية أشهر من الحملات الشاقة ينتظرها الأميركيون والعالم.

دونالد ترامبجو بايدن

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل