خاص العهد
"ميناء عائم" عند شاطئ غزة.. ماذا يخفي بايدن تحت جناح المساعدات؟
علي ماضي
بعد دعمها المستمر لأكثر من 150 يومًا للكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة ومدّه بكل ما يلزم من أنواع الذخائر والأسلحة التي فتكت بأهالي القطاع ودفنتهم تحت أنقاض منازلهم، وبعد تشديدها للحصار البرّي على الغزّيين ومنع أبسط مقوّمات العيش عنهم، تحاول الإدارة الأميركية أن توحي للعالم أنها الحمل الوديع الحريص على سلامة من تبقى في القطاع على قيد الحياة، عبر إرسال مساعدات تسمّيها "إنسانيّة"، ترمي بها عبر مظلات فيستفيد منها ما تيسّر من الفلسطينيين بأسلوب فيه من الذلّ ما يكفي، ويذهب الباقي إلى بطون الأسماك في البحر.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، طالع العالم بمشروع جديد يتضمّن في خلفياته وأهدافه حصارًا وعدوانًا بأسلوب مختلف وبغطاء "إنساني"، حيث كلّف جيش بلاده بإنشاء ميناء عسكري على ساحل قطاع غزة، بزعم إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة عن طريق البحر، فيما هو قادر بإشارة واحدة أن يطلب فتح المعابر البرّية، والتي تدخل عبرها كميات أكبر من المساعدات المختلفة وبوقت أقصر.
كيان الاحتلال سارع لتأييد هذه الخطوة، فهي لا تعدو كونها تقاسماً للأدوار بين واشنطن و"تل أبيب"، لتحقيق هدف واحد وإن بأساليب مختلفة والتفافيّة.
هذه المحاولة المكشوفة جاءت لتهدئة الشارع الأميركي الذي بات يهدد ظفر بايدن بولاية رئاسية جديدة، إضافة لتجميل الصورة القبيحة التي لم تعد خافية على أحد، بأن الإدارة الحالية لواشنطن هي المسؤولة عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بتنفيذ إسرائيلي، ولم تعد مساحيق التجميل تنفع قاطن البيت الأبيض لإخفاء وجهه الشرير الحقيقي.
يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد د. أمين حطيط في حديث لموقع "العهد" الإخباري، أن فتح ميناء على شاطئ غزة للمساعدات الإنسانية من أجل تجنب المعابر البريّة، من الوجهة الإستراتيجية والسياسية والإنسانية كلام حقّ يُراد به باطل وفيه من المخاطر ما يُرعب كثيرًا.
يتمثل الخطر الأول على الصعيد الديموغرافي الفلسطيني، إذ إن هناك خطرًا على السكان في القطاع، ويمكن أن يُستخدم الميناء المقترح لإجلاء قسم كبير من السكان الفلسطينيين الذين رفضت مصر استقبالهم بصفة نازحين وأقفلت المعبر بوجههم، فيأتي بايدن ضمن تخطيطه مع "إسرائيل" لتنفيذ أحد أهداف الحرب وهو التغيير الديموغرافي لخريطة قطاع غزة، فيفتح هذا الميناء في الظاهر لإيصال المساعدات، أما في العمق فيمكن أن تنقل هذه البواخر اللاجئين.
وهنا يذكّر حطيط بأن أميركا لها تجربة بوضع الأساطيل البحرية لإجلاء السكان، عندما سعى المبعوث الخاص إلى لبنان دين براون عام 1976 لإجلاء المسيحيين من لبنان عبر البواخر، وكان وقتها موقف للرئيس سليمان فرنجية الجد برفض هذه الفكرة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي وقتها هنري كيسنجر لتسويقها، مردفًا "يبدو أن هذه الفكرة لا زالت تعيش في الذهن الأميركي".
أما النقطة الثانية، فهي بحسب العميد حطيط تتعلق بما سيترتب على تدويل شاطئ غزة، حيث من شأنه وضع اليد على المنطقة الاقتصادية الغزاوية التي يُقال إن فيها نفطاً وغازاً، ويُقال إن بحر غزة من أغنى أقسام الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بكميات الغاز المختزنة فيه، وبالتالي تدويل هذه المنطقة من غير قرار يتخذه مجلس الأمن الدولي يعتبر احتلالًا أميركيًا من أجل المكاسب ومن أجل السيطرة على ثروات بحرية.
النقطة الثالثة؛ تتعلق بالتعامل مع القطاع بذاته، وهي تتمثّل باتخاذ تدابير من شأنها أن تعترف بالحصار الإسرائيلي البرّي المطبق، وتجد منفذًا بحريًا للتخفيف من المسؤولية عن الإبادة الجماعية، وهذا أمر خطير، بحسب حطيط، وبالتالي هو تبرئة لـ "إسرائيل" من عدوانها وارتكابها جريمة الإبادة الجماعية وحصر الحركة إلى القطاع عبر الممر البحري.
بحسب الظاهر، يبدو أن هذا الميناء المفترض قد يبدأ ميناء إنسانيًا، ثم ينقلب اقتصاديًا، ثم سياسيًا، ثم ينقلب معبرًا للتحكم بالقطاع برمّته، وهذه هي المخاطر، لذا المطلوب رفض هذا الميناء حتى لو كان من شأنه أن يمسّ بالمسألة الإنسانية، لأن مخاطره أكثر من مكاسبه بكثير.
"الميناء العائم".. إطباق الحصار
بدوره، يلفت الخبير في الشؤون الصهيونية، الأستاذ علي حيدر، في حديث لموقع "العهد" الإخباري، إلى أن أصل طرح فكرة "الميناء العائم" لتقديم "المساعدات الإنسانية" إلى غزة هو مؤشر ورسالة في نفس الوقت على أن الحصار سيبقى مستمرًا، وإلاّ فإنْ كانت الولايات المتحدة مصمّمة فعلًا على إيصال المقوّمات الحياتية لسكان غزة، فبإمكانها أن توصلها عبر البرّ، ووضع هذا الرصيف بمثابة التحكم المباشر الأميركي بهذه المساعدات، أي تقديمها بالقطّارة، بهدف ألا يعيش سكان القطاع حياة طبيعية، وبنفس الوقت ألا يموتوا لأن هذا سيؤدي لكارثة إنسانية لا يحتملها العالم.
الخطوة لا تقتصر على الواقع في غزة، بل هي في نفس الوقت محاولة احتواء الغضب في الداخل الأميركي، فالأصوات المتصاعدة في وجه بايدن باتت تؤثر عليه سلبًا في حملته الانتخابية، كما أن الخطوة تمثّل أيضًا بديلًا عن الضغط الجدّي على "إسرائيل"، بمعنى أنه في ظل التعنّت الإسرائيلي فإن أمام الرئيس الأميركي أحد خيارين، إما أن يسلّم بهذا الموقف الإسرائيلي، أو أن يمارس ضغوطًا جدّية على الكيان، وفق حيدر.
وبعد أشهر من الحرب على القطاع، بات حجم الأزمة الإنسانية فارضًا لنفسه ولم يعد بالإمكان تجاهله، وبايدن لا يريد فتح المعبر في رفح وإعادة إقفاله مرة ثانية، لأنه بذلك سيظهر أنه عاد إلى حصار القطاع. وبالتالي سيبدو الأميركي بمظهر إنساني بعد الصورة التي بدا عليها بفعل دعمه المطلق لـ"إسرائيل" التي ارتكبت المجازر، كما أن لها اعتباراتها الداخلية الأميركية، فضلًا عن كونه مؤشرًا لمآلات الوضع في غزة، بأن هذا هو المقدار الذي سنسمح به للضغط على الواقع الشعبي الفلسطيني وعلى المقاومة.
ومن المؤكد، بحسب حيدر، أن مجمل الوضع في غزة الآن هو تأسيس للمستقبل، وبالتالي فإن كان هناك ثروات في القطاع فلن يُسمح للفلسطينيين باستثمارها، والعدو الذي لا يسمح للغزّيين بأقل من ذلك، ولا يسمح لهم بصيد السمك، فكيف سيسمح لهم بالاستفادة من وجود غاز عند شواطئهم؟.
بالمحصّلة، فإن الأميركي لا يختلف مع الإسرائيلي على أهداف العدوان على القطاع وهي إسقاط حركة حماس وإخضاع غزة، بل الاختلاف فقط على بعض الأدوات، وإن فتح المعابر البرّية سيكون بمثابة نصرٍ للمقاومة ولشعب غزة وسيكون عامل إراحة لهم، نظرًا لأن الحصار وخنق غزة هو أداة من أدوات الحرب مثل القصف والمجازر والتدمير، وهو يعتبر أن هذه الحرب ستستمر، ويختلف عن الإسرائيلي فقط بأنه يريد استمرار الحرب على غزة بأدوات أخرى.
إقرأ المزيد في: خاص العهد
02/12/2024
القرض الحسن: صمود وعمل مستمر رغم العدوان
30/11/2024