نقاط على الحروف
غزّة.. محاولات أميركية فاشلة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء
إيهاب شوقي
تمرّ الأوقات ثقيلة على الشعب الفلسطيني في غزّة، والذي لا يتفرّغ لدراسة المعادلات الاستراتيجية الحاكمة للصراع الدولي والإقليمي، بالرغم من وعيه الفطري بأن تمسكه بأرضه ودعمه لخيار المقاومة هو المعادلة الأهم والأبرز في النصر الاستراتيجي.
وفي ظلّ هذه الأوضاع العصيبة وروائح الموت التي تحيط بالهواء الفلسطيني، يمرّ المغتصبون الصهاينة بحالٍ من عدم اليقين في النصر، بل وحالٍ من عدم الشعور بالأمن ومن استمرارية الكيان بعد هذه الجرائم المروعة التي ولّدت ثارات كبرى عند الشعوب الحرّة، وعند حركات محور المقاومة التي أبدت صمودًا وتحديًا وإصرارًا على إفشال العدوّ وهزيمته.
وبين هذه الحالات الشعبية، تجري في الكواليس محاولات مستميتة لإعادة عقارب الساعة الاستراتيجية إلى الخلف، وتتفاوت هذه الساعة بين أميركا وبين الأنظمة الرسمية العربية:
أولًا: يريد النظام الرسمي إعادتها إلى ما قبل السابع من أكتوبر لممارسة دوره في الوساطة التي يقتات عليها وينتزع أهميته من ممارستها عبر الضغط السياسي على المقاومة ومحاولات إقناعها بالتهدئة والتنازل. وهو ما انتهى عصره بعد الوصول لعقدة استراتيجية كبرى مفادها أننا في لحظة حاسمة لا مجال بها إلا لوقف العدوان أولًا.
ثانيًا: تريد أميركا وربيبتها "إسرائيل" إعادة الساعة إلى زمن التفوق الصهيوني وفجوة القوّة وما قبل تآكل الردع، وزمن فرض الشروط من موقع القوّة، وتريدان الإذعان الفلسطيني الكامل والرضا بالفتات عوضًا عن التصفية الكاملة التي يجري التلويح والتهديد بها.
وممّا لا شك فيه أن زيارة غانتس الأخيرة لأميركا، والتي حاولت بعض الأبواق الترويج لها كونها مضادة لنتنياهو، كانت عكس ذلك تمامًا، حيث كانت ترويجًا وتبريرًا لجرائم حكومة الحرب الصهيونية، وإن لم تخلُ من ترويج غانتس لنفسه بديلًا مستقبليًا، وهو الطامح دومًا للحكم عبر الاستماتة في إبداء الطاعة العمياء لأميركا والحرص الدائم على عدم الاختلاف معها سرًا أو علنًا.
وممّا أبداه غانتس في زيارته، هو أن حماس ليس أمامها إلا الاستسلام حتّى ينعم الشعب في غزّة بشهر رمضان وبالحياة، وإلا فإن البديل هو معركة رفح وما سينتج عنها من تداعيات.
هنا نحن بصدد تمهيد لمعركة مرتقبة في رفح، تحاول أميركا و"إسرائيل" تحميل مسؤوليتها لحماس، وممّا لا شك فيه أن مشروع الميناء العائم الذي أعلن عنه بايدن يشكّل مقدمة لعدة أمور؛ يمكن قراءتها كما يلي:
1 - تموضع أميركي في غزّة يبدأ بذريعة العمل الإنساني، ثمّ لا يلبث أن يتحول لقاعدة، مثل الوجود الأميركي في سورية.
2 - تمهيد لإغلاق الحدود مع مصر عند أي عملية في رفح، وادعاء بأنّ هناك منفذًا بديلًا لغزّة لتقديم المساعدات.
3 - ممر للتهجير، حيث يخطط الأميركي والصهيوني لتهجير البعض إلى مصر واغلاق الحدود، وفتح ممر آخر بحري لتهجير من يريد عبره من النازحين أو الباقين في شمال غزّة والمناطق الأخرى.
كما يخطط الأميركي والصهيوني لتغيير وجه القضية عبر عدة إجراءات لها رمزيتها؛ مثل:
أولًا: إنهاء وجود الأونروا، وهي رمز للاجئين وحق العودة الفلسطيني لإسقاطه بما يمثله من عنوان من عناوين القضية.
ثانيًا: تصفية حماس، كونها رمزًا لتصفية المقاومة لتغيير عنوان القضية إلى قضية إنسانية لا قضية تحرر وطني يترتّب عليها حقوق والتزامات على قوة الاحتلال.
ثالثًا: إفراغ السلطة من مضمونها ورفض توليها لأدوار في مستقبل غزّة؛ لأنها ستمثل -حتّى لو كانت طيّعة- رمزًا لوحدة الضفّة وغزّة ونواة لدولة فلسطينية، وهو مضاد لفكرة تصفية القضية.
رابعًا: الوصول إلى حافة الهاوية للقضاء على مفهوم وحدة الساحات وتحييد جبهات محور المقاومة، للانفراد بكلّ جبهة على حدة بعد الفراغ من غزّة والقضية الفلسطينية.
وممّا لا شكّ فيه أن الأنظمة العربية اعترفت عمليًّا بالعجز، وإن لم تعترف بالتواطؤ، وبالتالي تخلّصت عمليًّا من أعباء القضية المركزية ويساعدها في ذلك الصمت الشعبي الذي أتاح لها أن تتملص من التزاماتها من دون خوف من الشعوب.
وممّا لا شكّ فيه أن العالم أيضًا تخلّص من الحياء وبات يعترف بعجزه وتواطئه وفشله في الاحتفاظ بهيكل للقانون الدولي وشبح للعدالة والأخلاق. وبالتالي؛ المقاومة تمرّ بلحظة صراع وجودي تتحدى به العدوّ ورعاته والمتخاذلين والمتواطئين، وتخوض معركة مصيرية لا تقبل التراجع ولا يوجد فيها تسويات تقوم على التنازلات.
المقاومة واستمراريتها هي الحل الوحيد للحفاظ على القضية، والوقت في صالح معسكرها طالما تم تثبيت المعادلات، وقوبل التصعيد بالتصعيد، وأُبديت الجهوزية للوصول لأي انزلاقات يذهب إليها العدو، وهو ما تلتزم به حركات المقاومة في لبنان واليمن والعراق وعلى الجبهات كافة من الجولان إلى البحر الأحمر.
إن محاولات إعادة الساعة الاستراتيجية للوراء عنوة، وبتجاهل المستجدات التي تشدها للأمام قد تتسبب في تحطيم عقاربها واستبدالها والبدء في توقيت جديد هو توقيت المقاومة وزمنها.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024