آراء وتحليلات
محافظ تكساس والتمرّد على بايدن
دخل الخلاف بين حاكم ولاية تكساس جريج أبوت (اليمين المتطرّف) مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن السياسات الحدودية المتعلّقة بالهجرة غير الشرعية والمعابر الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك، مرحلة التمرّد، إضافة إلى أنه تحول إلى مادة انتخابية جدلية دسمة -قبيل الاستحقاق الرئاسي 2024 في تشرين الثاني المقبل- يستخدمها المحافظون من الحزب الجمهوري لتصويب سهامهم على بايدن، واتهامه بالتخاذل وتشريع الحدود أمام المهاجرين.
ولهذا أثارت العديد من الإجراءات والمبادرات الشخصية التي نفذها أبوت من تلقاء نفسه من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية للحد من تدفق المهاجرين، معارك قضائية، كون سياسة الحدود تاريخيًا ووفقًا للدستور الأميركي تعود لاختصاص الحكومة الفيدرالية بشكل كبير.
أما أبرز هذه العمليات فتتمثل بالآتي:
عملية "لون ستار"
في الواقع تعد هذه العملية إحدى أهم مبادرات أبوت لأمن الحدود، والتي كلفت ميزانيتها عدة مليارات من الدولارات. وفي حين حظي حاكم ولاية تكساس بالإشادة من المحافظين لاتباعه نهجًا عدوانيًا تجاه المهاجرين بذريعة فرض الأمن تعرض بالمقابل لانتقادات لاذعة من المدافعين عن حقوق الإنسان. أُطلقت المبادرة في مارس/أذار 2021، عندما أعلن أبوت عن كارثة طارئة بسبب الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات. وقد منحه ذلك سلطة نشر الآلاف من جنود الحرس الوطني وقوات الدولة على الحدود.
لكن لم يكتفِ أبوت بذلك، بل استغل البرنامج بتوسيعه إلى ما هو أبعد من إنشاء وجود لانفاذ القانون في ولاية تكساس في ريو غراندي. من هنا، جرى تمكين ضباط انفاذ القانون على مستوى الولاية من سجن المهاجرين بتهم التعدي على ممتلكات الغير، كما استخدام الأموال لبناء جزء من الجدار الحدودي. والمثير أن المجلس التشريعي في تكساس دعم العملية عبر زيادة العقوبات على التهريب والسماح للشرطة المحلية بتولي إنفاذ قوانين الهجرة.
على إثر ذلك، طلبت جماعات الحقوق المدنية من وزارة العدل التحقيق في عملية "لون ستار" بعد احتجاز آلاف المهاجرين في وحدات سجن خاصة، فضلًا عن وضع بعضهم خلف القضبان، لعدة أشهر من دون توجيه تهم إليهم بارتكاب جريمة. أما أبوت فقد زعم أن العملية كانت ناجحة، مشيرًا إلى اعتقال المهاجرين ومصادرة المخدرات غير المشروعة.
عملية S.B. 4 (اعتقال المهاجرين وترحيلهم)
في العام الماضي، أقرت ولاية تكساس مشروع قانون مجلس الشيوخ الرقم 4، والذي اتّخذ خطوة غير عادية، تتمثل بجعل عبور المهاجرين الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك إلى تكساس من دون وثائق قانونية جريمة دولة، مع السماح لولاية تكساس بترحيل الأفراد غير المسجلين.
بالمقابل، رأى الجمهوريون أن القانون ضروري؛ لأن إدارة بايدن لم تتمكّن من وقف التدفق التاريخي للمهاجرين إلى هذا البلد، غير أن أحد القضاة أوقف القانون أواخر فبراير/شباط، قائلًا إنه ربما ينتهك المتطلبات الدستورية التي تنص على أن الحكومة الفيدرالية، وليس الولايات، هي التي تنظم الهجرة والحدود. ومع ذلك منعت محكمة الاستئناف الأميركية المحافظة للدائرة الخامسة قرار القاضي، وقالت إن القانون يمكن أن يدخل حيز التنفيذ مع استمرار التقاضي ما لم تتدخّل المحكمة العليا التي أعادت بدورها فرض الإيقاف المؤقت، مؤقتًا. مع الإشارة إلى أنه يمكن أن تحكم قريبًا بشأن ما إذا كان القانون سيظل معلقًا حتّى يتم البت في الاستئناف.
عملية Eagle Pass
تحولت مدينة إيغل باس الحدودية الريفية إلى رمز للتمرد الأمني العدائي بقيادة أبوت ضدّ الحكومة الفيدرالية. فمنذ العام 2021، شهدت المدينة ارتفاعًا كبيرًا في الهجرة عبر القسم الضحل نسبيًا من نهر ريو غراندي. وردًا على ذلك، اتّخذ المحافظ تدابير لمنع المهاجرين، حيث قامت القوات الأمنية بفك الأسلاك الشائكة ونشر العوامات. أكثر من ذلك في يناير/كانون الثاني الماضي، استولى الحرس الوطني في تكساس على حديقة تابعة للبلدية. غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ إذ مُنع عملاء الحدود من الوصول إلى ضفة النهر، كما أرسلت سلطات ولايات جمهورية أخرى قوات للمساعدة في الدوريات. والأهم أن هناك خططًا أيضًا قيد التنفيذ لإنشاء قاعدة عمليات بمساحة 80 فدانًا.
ومع أن بعض السكان أعربوا عن شعورهم بالإحباط بسبب استيلاء الولاية على السلطة، لكنّ المسؤولين المنتخبين المحليين صوتوا مرارًا وتكرارًا للسماح بعسكرة تكساس التدريجية لحدودها.
انطلاقًا من هذه السلطة، كان أبوت قد عمد في العام الماضي الى لف ضفاف نهر ريو غراندي بالقرب من إيغل باس، بالاسلاك الشائكة في محاولة لمنع الدخول غير القانوني من المكسيك. وقد تسببت هذه الحواجز، بحسب الحكومة الفيدرالية، بتشويه المهاجرين وإحداث جراح عميقة في أجسادهم، والأهم أنها شكّلت خطرًا على عملاء حرس الحدود الأميركية، حيث لم يعد هؤلاء قادرين أيضًا على الوصول إلى المهاجرين الذين دخلوا الأراضي الأميركية بالفعل. وبموجب قانون الهجرة الأميركي، يحق لأي شخص يصل إلى الأراضي الأميركية طلب اللجوء مباشرة.
ليس هذا فحسب، لقد رفعت تكساس دعوى قضائية ضدّ إدارة بايدن لمنع عملاء الحدود من إزالة أو قطع الحواجز السلكية، وانحاز قاضي المقاطعة إلى تكساس، بعد أن وجد أن الحواجز تحد من المعابر غير القانونية، ما يفرض تكاليف على الولاية. لكن المحكمة الابتدائيّة رفضت طلب الولاية بمنع عملاء حرس الحدود من الوصول إلى الحدود الدولية أو إزعاج الحاجز في أثناء استمرار الدعوى.
وبناء على ذلك، استأنفت تكساس هذا الحكم أمام الدائرة الخامسة التي أصدرت أمرًا مؤقتًا يحظر على عملاء حرس الحدود قطع الحواجز أو إتلافها أو نقلها. لكن المحكمة العليا وقفت إلى جانب إدارة بايدن، قائلة إن ضباط الحدود قد يزيلون الحواجز بحسب الحاجة حتّى يتم حل شرعيتها في المحكمة.
في المحصلة، إن تصميم حاكم تكساس على تحدي الحكومة الفيدرالية دفعه إلى اتّخاذ قرار بنقل آلاف المهاجرين شمالًا إلى المدن التي يقودها الديمقراطيون، مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو. لذلك؛ وفي أبريل/نيسان 2022، نقلت تكساس أكثر من 100 ألف مهاجر بالحافلات إلى ست مدن على الأقل، وفقًا لمكتب الحاكم.
في البداية، رحبت المنظمات التي تساعد المهاجرين بالرحلات المجانية. لكن العدد الكبير فرض ضغوطًا حتّى على مدن مثل نيويورك التي تفتخر تقليديًا بأنها تستقبل المهاجرين من جميع أنحاء العالم، وتبعًا لذلك احتجت هذه المدن على هذه القرار، رافضة بقاء المهاجرين في مجتمعاتها. ويبقى السؤال هل تمهّد أفعال حكّام تكساس للانفصال عن الحكومة الفيدرالية وبالتالي إعلانه الانفصال؟ هذا ما سنعرفه في قادم الأيام.