آراء وتحليلات
"داعش" أم الخاسرون في أوكرانيا؟ من يقف وراء تفجيرات موسكو؟
حتّى الآن؛ تجاوز عدد ضحايا إطلاق النار في مجمع التسوّق "كروكوس سيتي هول" في ضاحية موسكو 62 قتيلًا، وفقًا لما ذكرته وكالتا "رويترز" و"تاس"، وتجاوز عدد الجرحى 100 جريح، وذلك بعد أن هاجمت مجموعة مسلّحة -لا معلومات رسمية روسية عنها حتّى الآن- حفلًا موسيقيًا في المجمع التجاري المذكور.
صحيح أن تنظيم "داعش" الإرهابي أعلن، في وقتٍ لاحق للعملية، تبنّيه الهجوم على المجمع التجاري، ولكن، هناك جملة من المعطيات اليوم، تجعل الكثير من المتابعين يذهبون إلى الاعتقاد بوجود أطراف آخرين، أبعد من تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤولين عن العملية، فكيف يمكن الاضاءة على هذا الموضوع ومن هي الجهات غير "داعش" التي قد تكون مسؤولة عن التفجيرات؟ وما هي أهدافها منها؟
هي ليست العملية الإرهابية الأولى التي تتعرض لها روسيا، فتاريخ موسكو بمواجهة الإرهاب طويل ومتشعب، وطالما كانت الأراضي الروسية مسرحًا وهدفًا لسلسلة واسعة من التفجيرات المختلفة الأهداف، إن كانت الإرهابية لأهداف محض إرهابية، أو الإرهابية لأهداف سياسية، داخلية أو خارجية. ولكن، يبقى مستبعدًا وبشكل كبير، أن يقدم "داعش" اليوم على تنفيذ عمل إرهابي بهذا المستوى في موسكو، في توقيت خال من أي ارتباط لأي اشتباك أو مواجهة حاليًا بين التنظيم وبين الوحدات الروسية، في روسيا أو في خارجها، خاصة أن من استهدف السلسلة الأخيرة من قادة التنظيم، بين سورية والعراق، هم الأميركيون، بحسب زعمهم.
من جهة أخرى، وبالعودة لبعض المشاهد التي انتشرت عن عملية إطلاق النار واستهداف الضحايا في المجمع المذكور، هناك عدة تفسيرات يمكن استنتاجها من أسلوب "الإرهابيين" مطلقي النار، لناحية الهدوء واختيار الأهداف بتأن من دون تسرع والتحرك بثقة وبتحكم، الأمر الذي يستنتج منه بأنهم أقرب بأن يكونوا عناصر وحدات أمنية وعسكرية خاصة، وبعيدين إلى حد ما من أن يكونوا عناصر متشددة، حيث طالما كانت تطبع طريقة تنفيذ الإرهابيين المتشددين عملياتهم الإرهابية، أسلوب العمل بارتباك متسرّع مدفوع بغريزة إرهابية غير متوازنة، تحركها توجهات تكفيرية بعيدة عن أسلوب التدخل العسكري والأمني المتوازن والمنظم.
في السياق أيضًا، لا بدّ من خلق رابط ما بين عملية التفجير هذه وبين المعطيات التي نشرتها ووثقتها سابقًا وسائل إعلام غربية، عن تحذيرات صدرت عن سفارتي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة في روسيا، مطلع الشهر الحالي، من احتمال وقوع هجوم إرهابي في موسكو، وفقًا لصحيفة "تلغراف" البريطانية. وقد حثّ حينها التنبيه الأمني، المواطنين الأميركيين على "تجنّب التجمعات الكبيرة خلال الساعات الـ48 المقبلة"، إذ قالت السفارة الأميركية إنّها "ترصد تقارير تُفيد بأنّ متطرّفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية".
من جهة أخرى، يأتي توقيت هذه التفجيرات الإرهابية العنيفة في موسكو، في وقت تعاني منه دول الغرب الأطلسي تدهورًا في مستوى التماسك العسكري الأوكراني بمواجهة الوحدات الروسية شرق وجنوب شرق أوكرانيا، وحيث بدأ الغرب الأطلسي أو الناتو، يفقد تباعًا كلّ فرص كييف لقدرتها على استعادة المبادرة وزمام الأمور ميدانيا، وبدأت تتلاشى إمكانات استعادة زخم المساعدات العسكرية الاطلسية للوحدات الأوكرانية، لأسباب مالية أو لأسباب سياسية مرتبطة بتنامي معارضة تمويل هذه المساعدات من دون جدوى، كان لا بدَ لأحدٍ ما، معني بدرجة كبيرة بإيقاف مسار الانتصار الروسي في هذه المواجهة الصاخبة في أوكرانيا، وكان لا بد من البحث عن صدمة أمنية معينة ضدّ موسكو، وتحديدًا ضدّ الرئيس بوتين الفائز بقوة في انتخابات الرئاسة، رغمًا عن كلّ محاولات الغرب الأطلسي لإفشال فوزه...
من هنا، وأمام كلّ هذه المعطيات المذكورة أعلاه، وحيث من غير المستبعد أيضًا أن يكون تنظيم "داعش" مسؤولًا عن تنفيذ عملية إطلاق النار في مجمع التسوّق التجاري في موسكو، إنما هو منفذ ميداني لأوامر جهة أكبر، طالما استعملته في استراتيجية الفوضى والحرب الهجينة، تبقى إمكان وجود مسؤولية مباشرة لهذه التفجيرات للغرب الأطلسي، وتحديدًا لراعيته الأم، إمكانًا كبيرًا جدًّا إذا لم يكن إمكانًا كاملًا مطلقًا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024