آراء وتحليلات
هجوم "كروكوس" الدموي: دليل آخر على المأزق الأميركي
بعد إعلان #موسكو القبض على معظم منفذي الهجوم الإرهابي على "كروكوس سيتي هول"، والذي أدى إلى سقوط ما يقارب 150 ضحية بين قتيل ومصاب، يمكننا استنتاج مجموعة من الملاحظات المتعلّقة بالحدث، وقراءتها في السياق الزماني والمكاني للصراع العالمي ونتائجه.
إن المنفذين لم يلجأوا إلى تفجير أنفسهم، سواء داخل مجمع #كروكوس عند تنفيذهم الهجوم أم عند ملاحقتهم والقبض عليهم، وهذا بحد ذاته يوحي بأن المنفذين ليس لديهم عقيدة انتحارية. هذا الأمر يوحي على الأغلب بأنهم لا ينتمون إلى تنظيم "داعش" أو إلى إحدى التنظيمات الراديكالية التي تدور في فلك تنظيم "القاعدة" وأخواته.
من المهم الإشارة أيضًا إلى ملاحظة دقيقة، وهي أن من يقف خلفهم لم يلجأ إلى تصفيتهم بعيد العملية الإرهابية، وأنه تعمّد أن يتضمن المخطّط توجههم إلى الحدود الأوكرانية، وهو ما أكدته السلطات الروسية التي لاحقتهم باتّجاه تلك الحدود وألقت القبض عليهم. يعلم المخطّطون لهذا العمل الإرهابي ومن يقف خلف المنفذين أن عبورهم للحدود الأوكرانية هي مهمّة صعبة خاصة في ظلّ وقوع حدث بهذا الحجم والإجراءات التي ستلجأ إليها الأجهزة الأمنية الروسية. وممّا لا شك فيه بأنذ من يقف خلفهم قد وضع في حساباته أن هروبهم باتّجاه أوكرانيا سيحقق له هدفًا ما، سواء نجحوا في العبور أم لا، وبمعنى أن توجههم نحو الحدود مع أوكرانيا هو المطلوب الذي أراده المخطّط لهذا الهجوم.
هذا يقودنا للاعتقاد بأن الجهة التي تقف خلفهم أرادت لهم أن يقبض عليهم أو أن تتم تصفيتهم في تلك المنطقة باتّجاه الحدود الأوكرانية أو أن تنكشف عملية عبورهم للحدود الروسية الأوكرانية في حال نجحوا في ذلك. وبالتالي، فهذه الجهة تريد الإيحاء بأنّ كييف مرتبطة بهذا الهجوم بشكل أو بآخر، تمامًا كما جرى بعيد تفجير نورد ستريم، حيث تعمد الإعلام الغربي التلويح بمسؤولية كييف عن العملية... أي أن المخطّط أراد ان يترك دليلًا على مسؤولية كييف عن العمل الإرهابي، سواء كانت تلك المسؤولية حقيقية أم لا.
والغاية هي أن الحدث الإرهابي الشنيع أريد له أن يكون بمثابة 11 ايلول/سبتمبر جديد، لكن هذه المرة في الداخل الروسي مع تظهير إعلامي واستخباراتي لمسؤولية أوكرانية عنه كجهة خارجية؛ أي أن من خطط ذلك يريد أن يتّجه عقل صانع القرار الروسي نحو اتّخاذ قرارات حاسمة وقوية نحو كييف كي تقلب المشهد كلّيًّا إلى الدرجة التي تصبح فيها كييف تحت خيار واحد، خيار القبول بالحل السياسي وفقًا للنظرة الروسية ونتيجة لواقع جديد تفرضه ردّ الفعل الروسية عبر الآلة العسكرية على كييف. وبطبيعة الحال؛ فالمنطق المستحيل هو أن تكون موسكو من أرادت ذلك، فليس من أدبياتها السياسية والأخلاقية أن تلجأ لهذا النوع من التضليل وهي المتقدمة على الأرض على الأقل.
إذًا، البحث يجب أن يتركز على من صارت أوكرانيا عبئًا عليه، ومنطلقًا لإعلان هزيمته الوشيكة، وبات يبحث عن مخرج للنزول عن الشجرة، وعن مبررات للتراجع المذل، ويخشى إعلان ذلك على الملأ ويبحث عن طريقة للخروج من ورطته. تلك حال لا تنطبق إلا على الأميركي وحليفه البريطاني، بعد أن فشلا في تأمين دعم روسي لهما للنزول عن الشجرة في الشرق الأوسط بفعل طوفان الأقصى ونتاىجه الكارثية على واشنطن ولندن.
وأما الحديث عن "داعش" وعن بياناتها التي تبنت العمل الإرهابي فليس سوى نوع من التمويه والتضليل، وغايته الرئيسة هي خلق مساحة للإلتقاء مع موسكو في منتصف الطريق، وتشكيل مساحة للتفاوض والتسوية أساسها العدوّ المشترك (داعش) على حد زعم الغرب. وكذلك التشبيك بين الملفات وخاصة بين أوكرانيا والشرق الأوسط بغرض المقايضة على أساس أن "داعش" تنشط في سورية والعراق؛ حيث تتقاطع وتتنافس مناطق النفوذ الروسية والأميركية، ولطالما استخدمت واشنطن هذا التنظيم الإرهابي لتحقيق أجندات سياسية وجيوسياسية، ولطالما حاولت التشبيك والمقايضة بين الملفين الشرق أوسطي والأوكراني من دون جدوى.
تدرك واشنطن بأن الزحف الروسي على الصعيد العالمي في #أوكرانيا والشرق الأوسط، وفي #إفريقيا وآسيا، ووصولًا إلى #أميركا الجنوبية، يسير بتسارع كبير، ومدعوم من حلفاء روسيا وخاصة الصين ومحور المقاومة، وأن واشنطن وحلفاءها باتوا أعجز من القدرة على إيقافه. ومن دلائل هذا العجز التي ظهرت مؤخرًا على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الإشارة إلى نتائج طوفان الأقصى في شرق المتوسط وفي البحر الأحمر والمحيط الهندي وفي سورية والعراق، وإسقاط روسيا والصين لمشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن الدولي، والذي كانت تحتاجه واشنطن لمعالجة نتاىج الطوفان وفقًا لمصالحها، ودليل آخر على العجز الأميركي تمثل بإلغاء حكومة النيجر لاتفاقية التعاون الدفاعي مع واشنطن.
إن مسؤولية واشنطن ومن خلفها لندن عن العمل الإرهابي في موسكو واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا حاجة للإلتفات إلى التصريحات والإدانات الكاذبة الصادرة عن البيت الأبيض لهذه الجريمة الشنيعة. المأزق الأميركي بات كبيرًا جدًا ويزداد يومًا تلو الآخر، وإن تجاهل خصوم الولايات المتحدة للرغبة الأميركية بالتسوية أصاب واشنطن بالجنون والهيستريا.
أكثر ما يخيف واشنطن اليوم إدراكها بأنّ الوقت ليس في صالحها، وأن خصومها يمارسون معها لعبة الوقت، ولذلك فهي تحاول دفعهم إلى الاستماع إليها والقبول بتمرير بعض مصالحها، وتستخدم لأجل ذلك كلّ الوسائل، بما فيها الإرهاب المنظم العابر للحدود.