آراء وتحليلات
ستون عامًا هي الفارق بين حكمة كنيدي وغباء بايدن
عام 1962 وصل العالم إلى حافة حرب نووية عقب نشر الاتحاد السوفياتي السابق لصواريخ في كوبا. ومع أن نشر هذه الصواريخ جاء ردًا على نشر واشنطن لصواريخ في تركيا تهدّد أمن الاتحاد السوفياتي، إلا أنها عدّتها تهديدًا لأمنها القوميّ، ونتيجه لذلك نشرت إدارة الرئيس جون كينيدي وحدات بحرية حاصرت كوبا مهدّدة بشن حرب عليها، وأيضًا مهدّدة بحرب نووية مع الاتحاد السوفياتي. هذا الأمر دفع الزعيم السوفياتي آنذاك نيكيتا خروتشوف وبالرئيس الأميركي جون كينيدي إلى التواصل وحلّ المسألة دبلوماسيًا؛ وذلك من أجل تجنيب العالم حربًا نووية مدمرة. بعد 60 عامًا، نجد المشهد مقلوبًا؛ حيث تدعم الولايات المتحدة أوكرانيا عسكريًا في حرب بالوكاله تشن ضدّ روسيا، والتي تعدّ تهديدًا للأمن القوميّ الروسي، إذ إن الغرب كان ينوي تحويل أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية للضرب في العمق الروسي، وهو ما دفع بروسيا إلى إطلاق عمليتها العسكرية الخاصة ضدّ النظام الفاشي في كييف.
لكن خلافًا لتوقعات الغرب الذي كان يعتقد بأن هذه الحرب ستستنزف الجهود الروسية والاقتصاد الروسي، فإذا بالاقتصاد الروسي يتطور ويزداد منعة، خلال هذه الحرب، نتيجة الاستعدادات المبكرة التي قامت بها الدولة الروسية. ولذلك، فمن كان يزور العاصمة موسكو يجد بأن روسيا لم تتأثر بأجواء الحرب، والمدينة تعيش حياة طبيعية لا تشبه حياة عاصمة دولة في حرب مع الغرب بالوكالة في أوكرانيا. وهذا ما لمسه الصحافي الأميركي تاكر كارلسون قبيل مقابلته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وبعد ذلك في أثناء تجواله في المدينة.
لذلك، فإن ما جرى من حادث إرهابي تعرضت له موسكو، كان يهدف بالدرجة الأولى إلى استهداف هذه الحال من الرخاء التي تعيش فيها روسيا، والتي نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإيصال البلاد إليها على الرغم من الحرب، وذلك نتيجه جهود دامت نحو ربع قرن من إعاده الإعمار وتدعيم قوّة روسيا. وما زاد في الطين بلّة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغرب، أنّهما لم يستطيعا التشويش على العملة الانتخابية التي جرت في روسيا، والتي أدت إلى انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية جديدة بنسبه عالية من الأصوات وبنسبة مشاركة كبيرة جدًّا أيضًا، ما أطفى شرعية ليس فقط على حكم الرئيس بوتين ولكن أيضًا على كلّ التوجّهات السياسية الداخلية والخارجية التي قام بها، ومن ضمنها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
لذلك، الولايات المتحدة تُعدّ مسؤولة بطريقة غير مباشرة عن الهجوم الذي حدث في موسكو، خصوصًا أن وزارة الخارجية الأميركية كان سبق وأعلنت أنها تحذر الرعايا الأميركيين من الوصول إلى تجمعات في موسكو نتيجة أحداث إرهابية ستجري في العاصمة الروسية. وهذا أدى بالسلطات الروسية إلى أن توجه اللوم إلى الولايات المتحدة؛ لأنها لم تبلغ السلطات الروسية الأمنية بما تملكه من معلومات حول هذا الهجوم المرتقب. إضافة إلى ذلك، الولايات المتحدة حاولت تبرئة أوكرانيا من التورط في هذه الحادثة؛ علمًا أن الجناة حاولوا الهروب إلى أوكرانيا بالتنسيق مع أجهزه الأمن الأوكرانية، وهو ما يعدّ دليلًا على تورط السلطات الأوكرانية في هذا الهجوم الذي تتجلى أكثر فأكثر خيوطه وتصل إلى أن العملية نسقت مع أجهزة الأمن الأوكرانية، وذلك في محاولة لضرب العمق الروسي. في الوقت نفسه؛ الولايات المتحدة ما تزال تحاول تبرئة كييف من المسؤولية في هذه العملية. والأخطر من ذلك هو أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن بأنه لن يتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ما يتعلق بهذه العملية الإرهابية، خلافًا لما قام به مثلًا فلاديمير بوتين بعد اعتداءات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الأميركية في العام 2001، ما يعد دليلًا إضافيًا على الغطاء السياسي الأميركي الذي تمنحه واشنطن لهكذا عمليات تضرب في العمق الروسي.
من هنا، نرى أن الصورة معكوسة، فتخيلوا لو أن خروتشوف في العام 62 لم يقبل بالتواصل مع جون كنيدي في ما يتعلق بأزمه الصواريخ الكوبية. ما الذي كان سيكون الحال عليه في العالم؟ وهل كانا سيتجنبان حربًا نووية؟ في المقابل نرى بايدن يرفض التواصل مع الرئيس الروسي؛ علمًا أن هذا الرئيس كان قد حذر بعد انتخابه لولاية جديدة، قبل أسبوع أو نيف تقريبًا، من احتمالات انزلاق العالم إلى حرب نووية مدمّرة. فما أشبه اليوم بالأمس وما أغبى التصرف الأميركي الذي يدفع الأمور إلى التصعيد نحو الانفجار بما يهدّد الأمن العالمي، ويبقى الفارق هو ستون عامًا وحكمة كنيدي في مقابل غباء بايدن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024