آراء وتحليلات
أكذوبة الخلاف الأميركي - الإسرائيلي
هناك مغالطة منطقية تحاول العديد من الأبواق تصديرها كواقع وحقيقة، وهي الخلافات الأميركية - الصهيونية. وهذه المغالطة مقصودة لعدة أسباب وتخدم أكثر من هدف وأكثر من طرف.
هنا لا بد من توضيح أمرين، الأول هو لماذا هي مغالطة وليست حقيقة؟ والثاني هو لماذا تُصدّر ولصالح من؟
أولًا: لماذا هذه الخلافات تعدّ مغالطة؟
تستند الدعايات التي تصدّر الخلاف بين الإدارة الأميركية والحكومة الصهيونية إلى بعض الحجج والحقائق التي قد تصحّ في حالات عامة، مثل كلفة بعض التحالفات وإمكان وجود خلافات وتناقضات في مرحلة ما من التحالف، ولكنها لا تصح في الحال الأميركية - الإسرائيلية، لأنها تتجاهل حقيقة راسخة، بأنّ العلاقة بين أميركا والكيان ليست مجرد تحالف سياسي أو عسكري، وإنما هي تحالف بنيوي ومشروع واحد ولا تستطيع أميركا التخلي عن الكيان الوظيفي الذي يكفل لها الهيمنة.
إذ هناك ما هو أدهى وأمرّ من ذلك، فقد تحدثت التقارير الاستراتيجية الأميركية عن الطبيعة الخاصة للعلاقات الصهيو - أميركية. ورصد واحد لأكبر مراكز الفكر الأميركية، وهو"مركز ستيمسون"، أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" لم تدخلا قط في معاهدة تحالف تتضمن التزامات الدفاع المتبادل على غرار المادّة 5 في حلف الناتو، لكن العلاقات الوثيقة بين البلدين توطدت لتصبح أكثر من مجرد علاقة معاملات. وكما قال الرئيس جون ف. كينيدي لوزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مئير، في العام 1962، إن: "الولايات المتحدة تتمتع بعلاقة خاصة مع "إسرائيل" في الشرق الأوسط، ولا يمكن مقارنتها في الواقع إلا بتلك التي تربطها ببريطانيا في ما يتعلق بمجموعة واسعة من الشؤون العالمية". كما أكد زعماء الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشكل مستمر على فكرة "الرابطة غير القابلة للكسر" مستشهدين بـ "القيم المشتركة والمصالح المشتركة والصداقة الحقيقية".
ووفقًا لتقرير مركز ستيمسون، فعلى الرغم من عدم وجود التزام رسمي بمعاهدة على غرار الناتو، فقد قدمت الولايات المتحدة ضمانات أمنية مكتوبة لـ"إسرائيل". وفي العام 1975، وقع البلدان مذكرة تفاهم تعهدت فيها واشنطن "بالتزام أميركي طويل الأمد ببقاء "إسرائيل" وأمنها"، ليشمل كلّ جهد أميركي "للاستجابة الكاملة، في حدود مواردها وتفويضات الكونجرس". التفويض والاستيلاء، على أساس مستمر وطويل الأجل، على المعدات العسكرية الإسرائيلية ومتطلباتها الدفاعية الأخرى، واحتياجاتها من الطاقة، واحتياجاتها الاقتصادية. وبعد أربع سنوات، وبالتزامن مع اتفاقيات كامب ديفيد، التزمت الولايات المتحدة بتزويد "إسرائيل" "بالدعم الذي تراه مناسبا" في حال حدوث انتهاكات للسلام. وأنشأت مذكرة تفاهم إضافية، وُقّع عليها في العام 1981، الآلية المؤسسية لتعاون أوثق بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من خلال مجموعة التخطيط العسكري السياسي المشترك، ومجموعة تخطيط المساعدة الأمنية المشتركة ومجموعة التنمية الاقتصادية المشتركة. وبالنظر إلى هذه الاتفاقيات مجتمعة، فقد وسعت فعليًا الضمانات الأمنية لـ"إسرائيل"، وشددت على التزام أميركي طويل الأمد تجاه "إسرائيل".
ثانيًا: لماذا تروج هذه المغالطات؟
ممّا لا شك فيه أن أميركا لا تستطيع تحمّل كلفة الاعتراف بقيادتها للعدوان على غزّة وقيادتها للجرائم والإبادة الجماعية وكلّ هذه الانتهاكات للقانون الدولي، سواء على المستوى الداخلي الأميركي، والذي يضمّ قطاعات شعبية تناصر القضايا العربية وقطاعات لا تتحمل التناقض بين الدعاوى الديمقراطية وبين التوحد مع مشروع الإبادة الجماعية والانتهاك المعلن للقانون الدولي، أو على المستوى الدولي الخارجي، والذي تحرص فيه أميركا على الحفاظ على هيكل للنظام العالمي والقانون الدولي، كونها مستفيدة من هذا النظام وما تزال قطبًا أكبر به حتّى مع تراجع قوتها لصالح نظام متعدد الأقطاب قيد التشكل.
وبالتالي، ليس أمام أميركا إلا المناورة واستخدام مساحيق التجميل السياسية حمايةً لنفسها، وحماية للأنظمة الرسمية العربية المتحالفة معها والتي تحتاج لحجج ومبررات لاستمرار تحالفها وتبعيتها، وبالتالي؛ الأنظمة الرسمية العربية تشارك في ترويج هذه المغالطات التي تروج لخلافات أميركية مع نتنياهو، وتباعد في الرؤى واتساع في الفجوات وربما عقوبات أميركية على الصهاينة. وكلّ هذه الخدع والأباطيل تدمغها حقيقة واحدة، وهي أن أمرًا حاسمًا يصدر من أميركا للحكومة الصهيونية بوقف العدوان على غزة مقابل وقف المساعدات سيكون أمرًا نافذًا بلا مناقشات!
النموذج الإسرائيلي في أوكرانيا:
هناك مستجد أخطر يجعل من الحماية الأميركية للكيان الصهيوني أمرًا وجوديًا، وهو المستجد بالصراع الدولي في أوراسيا، والحرب الروسية - الأوكرانية. ففي يوليو الماضي، ناقشت الولايات المتحدة وحلفاؤها مزايا تطبيق ما يسمّى "النموذج الإسرائيلي" على أوكرانيا.
تقوم الفكرة على تزويد أوكرانيا بمزيج من مبيعات الأسلحة والالتزامات الأمنية والتدريب العسكري الذي من شأنه أن يمكّن البلاد - بطريقة مماثلة لـ"إسرائيل" - من الردع والدفاع ضدّ أي عدوان روسي في المستقبل من دون المخاطرة الكاملة بحرب موسعة ومباشرة بين الناتو وروسيا بسبب انضمام أوكرانيا لعضوية الناتو.
وتقوم الفكرة على عامود رئيسي وهو مصداقية الحماية الأميركية للكيان الصهيوني، وعلى وجه التحديد، توفر واشنطن لـ"إسرائيل" دعمًا سياسيًا قويًا، بما في ذلك تسمية "إسرائيل" بـ "الحليف الرئيسي من خارج الناتو". ولا يمنح هذا التصنيف فوائد عسكرية واقتصادية مهمّة فحسب، بل وعلى حد تعبير وزارة الخارجية هو يعد "رمزًا قويًا للعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". والأمر الأكثر أهمية هو أن الطبيعة العلنية ذاتها تجعل من الصعب على زعماء الولايات المتحدة أن يتراجعوا عن الدعم من دون دفع ثمن باهظ في ما يتصل بسمعة أميركا كونها شريكًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه. وقد يؤدي أيضًا إلى تداعيات سياسية داخلية.
وبالتالي، هناك تحدي أميركي يتعلق بحتمية نجاح المشروع الصهيوني ونجاح نمط التحالف كي لا تفلت الأمور في أوكرانيا وتتعاظم الخسائر الأميركية إقليميًا وعلى مستوى الصراع الدولي في اوراسيا.
بالنظر إلى المستويين الدولي والإقليمي، المعركة الأميركية والإسرائيلية هي معركة واحدة، وإن المقاومة تواجه مشروعًا صهيو - أميركيًا، وأن النصر سيكون مزدوجًا، حيث سيشكّل نصرًا على العدوّ الإسرائيلي على مسار التحرير، وكذلك بطرد الهيمنة الأميركية وربما إلحاق هزيمة تجعل من أميركا إمبراطورية غابرة على غرار الإمبراطورية البريطانية التي انتهت عمليًّا بعد حرب السويس.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024