نقاط على الحروف
يوم الطفل الفلسطيني.. والأكفان الصغيرة
منذ العام ١٩٩٥ وفي كل عام، يحتفى في الخامس من نيسان بيوم الطفل الفلسطيني، ويُعتبر مناسبة للفعاليات الثقافية والإعلامية للحديث ليس عن حقوق الطفل في فلسطين، بل عن انتهاك الطفولة في فلسطين والمستمر منذ قيام كيان الاحتلال.
يختصر طفل غزاويّ حكاية الطفولة في فلسطين بقوله:"نحنا مشاريع شهدا" بعد سؤاله عمّا يريد أن يصبح حين يكبر. هذا السؤال الذي نطرحه على أطفالنا والذي منه نحاول معرفة أحلامهم وطموحاتهم وميولهم، حين يُطرح على الأطفال في فلسطين، وفي غزّة على وجه الخصوص، يصبح مناسبة لتحكي الطفولة فيه حكايتها: لا محلّ للأحلام والطموحات والميول.. فالعدو استباح كلّ شيء.
بدأت حرب الإبادة على غزّة، والإبادة تعني، ممّا تعنيه، استباحة كل حقوق الإنسان بداية بتلك التي يُتغنّى بها في شرعات الحقوق العالمية وصولًا إلى تلك الأكثر بساطة وبديهية الحقّ بالحياة، الحقّ بالغذاء والحقّ بالتداوي. وإن كان الكيان الصهيوني قد قام أصلًا على استباحة هذه الحقوق، فمع طوفان الأقصى تمظهرت هذه الاستباحة بالشكل الأعنف تاريخيًا: وحشيّة موثّقة، بالصوت والصورة، تتواصل منذ ستة أشهر وتؤدي بحسب وزارة الصحة بغزة الى 33091 شهيداً و 75750 إصابة، معظمهم من الأطفال والنساء..
مشاهد الأطفال على وجه الخصوص في غزّة في خلال هذه الأشهر الستة أدمت قلوب الناس حول العالم، الناس الذين يحملون في ضلوعهم قلوبًا تعي معنى الإنسان ومعنى الطفولة، ولم تؤرق أولئك الذين على منابر المجتمع الدولي ينظمون الخطابات والشعارات الحقوقية ولا سيّما عن الطفل والطفولة؛ في يوم الطفل الفلسطيني، تدوس دبابات الاحتلال على أجساد الأباء، يبقر الجنود الصهاينة بطون الأمهات الحوامل، تغير طائرات العدوان على البيوت والمدارس ومراكز الايواء والمستشفيات على مرأى الطفولة.. تغتال الطفولة عمدًا، تقطّعها أشلاء.. ثمّ يحدّث القتلة وشركاؤهم عن حقوق الأطفال، ويمجّدون الشرعات الحقوقية كلّها.
لا يمكن لأي لغة في العالم أن تصيغ بالكلمات ولو القليل القليل من فظاعة ما يواجهه الأطفال في غزّة خصوصًا وفي فلسطين كلّها. فالصور التي بُثّت لا يتصوّرها العقل ولا يجد لها مرادفات لغوية تفيها فظاعتها وهولها: خُدّج يبكون حتى الموت، أجساد طريّة ممزقة، جراح مرعبة تحكيها عيون الناجين من الأطفال، وقد أعجزهم وجع الإصابة ووجع العمليات الجراحية بدون تخدير، عن النطق.. ناهيك عن وجع الخوف، والفقد، والصدمات المتلاحقة.
في يوم الطفل الفلسطيني، تُستحضر ذاكرة انتهاك الطفولة كلّها، تتكثّف الصور الفظيعة في الأشهر الستة الأخيرة: يحضر الأطفال إلى الذهن كلّ يحمل جراحه: منهم من أُحرِق حيًّا كالرضيع علي الدوابشة ومحمد علي خضير.. منهم آلاف قضوا تحت أنقاض المباني التي يستهدفها الصهاينة على مدار الساعة.. ومنهم من لم يزل على قيد الحياة ولكن محمّلًا بالجراح وبالصدمات وبالمواجع التي لا يكفيها العمر كي تُشفى.. يحضر مشهد الأكفان الصغيرة وما وُثق من لحظات الوداع قبل أن توارى في الثرى.. ورغم هول كلّ ما يحضر اليوم إلى القلب حين يسمع بعبارة "يوم الطفل الفلسطيني"، تبرز صورة تقول أن الطفل في فلسطين يعرف عدوّه، ويستعجل السنين كي تشدّ عوده ويكبر بسرعة ليقاتل.. "مشاريع شهدا" التي قالها طفل في غزّة، هي حقيقة قيلت ببراءة طفل، وبعزيمة من وُلد محاصرًا، ورأى ما رأى من فظائع ارتكابات الاحتلال.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024