آراء وتحليلات
الرد الإيراني على "إسرائيل".. هل حقق أهدافه قبل حصوله؟
لا شك أن العدوان الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد عدد من القادة والكوادر من مستشاري الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سورية، يدخل ضمن المسار الطبيعي للاشتباك الإيراني - الإسرائيلي المفتوح على مصراعيه منذ سنوات، بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
بمعزل عن مستوى هذا الاشتباك حتّى الآن، وبمعزل عن طرق وأوجه وامكنة المناورة التي يتّبعها كلّ طرف في مواجهة الطرف الآخر، دأبت "تل أبيب" على أن تأخذ من الساحة السورية مكانًا أساسيًّا للاعتداء في هذه المواجهة وفي هذا الاشتباك، حيث دائمًا تعتدي هناك على وحدات من محور المقاومة، منها وحدات تابعة للجيش العربي السوري، أو وحدات إيرانية من مستشاري الحرس الثوري، أو وحدات من فصائل أخرى تابعة للمحور المذكور، وتحديدًا وحدات تابعة لحزب الله.
دائمًا كان هناك عدة أهداف من وراء الاعتداءات الصهيونية في سورية، والتي تدخل تحت عنوان أسمته "تل أبيب" "معركة بين الحروب"، وتتوزع هذه الأهداف كالتالي:
- إضعاف الجيش العربي السوري بمواجهة المجموعات الإرهابية التي رعتها "اسرائيل" مع حليفتها واشنطن في حربهما لتفتيت وتقسيم سورية.
- محاولة تقييد وإضعاف مستوى الحضور والتأثير الإيراني في الصراع الواسع الذي يخوضه محور المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، لفلسطين أو لأراض عربية أخرى.
- منع حزب الله من الحصول على أسلحة وقدرات نوعية لمواجهتها، ومحاولتها العمل الدائم لعرقلة امتلاكه قدرات وأسلحة ردع نوعية.
في الواقع، وحيث عملت "اسرائيل" خلال كامل مسار هذه الاعتداءات حتّى الآن، على تنفيذها بحذر، دون أن تترك قيود المواجهة المضبوطة تتفلت وتتدحرج نحو الانفجار الواسع، يبدو انه سيكون لعدوانها الأخير على قنصلية طهران في دمشق، واستشهاد سبعة من قادة وكوادر الحرس الثوري الإيراني، بعدٌ مختلفٌ بالكامل عن كلّ اعتداءاتها السابقة، بما يحمله هذا العدوان من حساسية استثنائية، في الشكل وفي المضمون وفي الأهداف، والأهم، في التداعيات التي سوف يفرضها أو سوف ينتج عنها، وخاصة بعد الرد الإيراني المرتقب على هذا الاعتداء، والذي أصبح "حتميًّا"، استنادا لتصريحات القادة الإيرانيين، والتي أكدها بالامس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة بمناسبة يوم القدس العالمي.
صحيح أن هناك معطيات - ولو كانت غير مؤكدة - تفيد بأن "اسرائيل" حرصت على التثبت من عدم وجود ديبلوماسيين إيرانيين في القنصلية المستهدفة في دمشق، لكي تبقي طابع الاشتباك عسكريًّا فقط وضد عسكريين إيرانيين، ولكن استهداف القنصلية الإيرانية والتي هي أرض إيرانية، يضع الاعتداء بالكامل في مصاف الاعتداء المباشر على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي يفترض ردًّا حتميًّا ومناسبًا.
من جهة أخرى، أن تقدم "اسرائيل" على تنفيذ هذا الاعتداء على قنصلية طهران في دمشق، بما يحمله من خطورة ومن حساسية، فهو أمر طارىء استدعته قدرة التأثير الإيرانية وخاصة لضباط الحرس الثوري المنتشرين في سورية، على إدارة المواجهة الحالية بين "اسرائيل" وبين محور المقاومة، في غزّة بشكل أساسي، وعلى جبهات المساندة الأخرى، اليمنية أو العراقية أو السورية أو اللبنانية، ومستوى فشل "اسرائيل" في هذه المواجهة بعد مرور ستة أشهر من اندلاعها، وعجزها عن تحقيق الحد الأدنى من أهدافها في هذه الحرب، استدعى إقدامها على تنفيذ هذا الاعتداء (الانتحار).
من هنا، وفي الوقت الذي تتوزع خيارات الرد الإيراني المرتقب، بين استهداف مباشر للكيان بالصواريخ أو بالطيران المسير، أو بالاثنين معًا، أو بين استهداف واحدة أو أكثر من سفارات أو قنصليات الكيان المنتشرة في الخارج، تعيش "اسرائيل" اصعب لحظات الخوف القاتل بانتظار هذا الرد الإيراني المرتقب.
ومع اتّخاذها مروحة واسعة من الاجراءات الدفاعية، بدءًا باستدعاء كلّ وحدات الاحتياط في سلاح الجو لديها، والتداعيات السلبية لهذا الأمر اليوم، بالتواكب مع مستوى الجهوزية والاستنفار القاسي الذي تعيشه وحداتها منذ السابع من أكتوبر الماضي، ومع لجوئها إلى نشر موجات واسعة من اجراءات التشويش على أنظمة تحديد المواقع والاتّجاهات GPS، والتي عرقلت كلّ أنظمة الملاحة الفردية أو الرسمية لديها، والتي بنتيجتها فَقَد مجتمعها توازنه في قطاعي الأعمال والسياحة بشكل كامل، وصولًا إلى إقفال العدد الأكبر من سفاراتها وقنصلياتها خارج الكيان، الأمر الذي سيسبب لها ولمستوطنيها انفصالًا شبه كامل عن التواصل مع الخارج، ديبلوماسيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.
مع كلّ ما سبق، يمكن القول إن رد إيران الحتمي على الاعتداء الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، قد حقق - حتّى الآن - مستوى عاليًا جدًّا من التأثير الاستراتيجي السلبي على كيان الاحتلال، والاهم أن خطورته تكمن فيما لو تأخر قليلًا هذا الرد الإيراني لفترة معينة، ستكون "اسرائيل" معها عاجزة عن مواجهة تداعياته وهواجس نتائجه، والتي إذا ما اضيفت إلى ما تعيشه من هواجس وتداعيات نتيجة حربها على غزّة، سيكون الأمر مكلفًا بشكل لا يمكنها تحمله.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024