آراء وتحليلات
لماذا شارك هاشميو الأردن في الدفاع عن "إسرائيل" في مواجهة إيران؟
هاجمت، في ليلة السبت - الأحد في 13 و14 نيسان/ أبريل، الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمسيّرات والصواريخ الباليستية الكيان الصهيوني عقابًا له على شنّه عدوانًا في وقت سابق بغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق.
مشاركة الأردن في الدفاع عن "إسرائيل"
نجحت القوات الإيرانية بتعطيل شبكة الإنترنت في الكيان الصهيوني والتشويش على منظومته الإلكترونية بدرجة كبيرة. وهي أكبر من قدرة الكيان على تفعيل دفاعه الجوي وأجهزة رصده بمواجهة مئات المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي تمكّنت من بلوغ أهدافها محققة إصابات وأضرارًا جسيمة في هذه الأهداف، وعلى رأسها قاعدة "نيفاتيم" الجوية التي سبق وانطلقت منها الطائرات الحربية الإسرائيلية للإغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق.
المُلاحظ أن الطيران الحربي الأميركي والبريطاني والفرنسي شارك في محاولات ردع المسيّرات والصواريخ الإيرانية من بلوغ أهدافها انطلاقًا من قواعده في الأردن. إلا أن المفارقة هنا كانت في أن حتّى سلاح الجو الأردني أسهم بمحاولات الاعتراض هذه، ما جعل الصحافي الشهير دافيد هيرست يعلق بالقول إنه للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، يشارك بلد عربي علنًا في القتال إلى جانب "إسرائيل" للدفاع عنها في مواجهة هجوم تتعرض له.
وعلى الرغم من أن الأردن نفى مشاركة قواته في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، خصوصًا بعدما وجّهت القيادة الإيرانية تهديدًا صريحًا لعمان بأنها ستقوم بمعاقبة الأردن في حال شارك باعتراض المسيّرات والصواريخ الإيرانية، إلا أن الرقابة العسكرية الأردنية التي ركزت على المنشورات باللغة العربية لمنع ذكر أي مشاركة في الأعمال العسكرية، فاتها أن تمنع تسرّب خبر نشرته الصحافة الغربية باللغة الإنكليزية عن مشاركة "الأميرة" سلمى، ابنة "الملك" عبد لله الثاني، في إسقاط ست مسيّرات إيرانية فوق سماء الأردن.
تاريخ من التعاون مع "إسرائيل"
هذه لم تكن المرة الأولى التي يقوم بها حكام الأردن بالتدخل في الحرب لمصلحة "إسرائيل". ففي العام 1973، وقبل أيام من شنّ مصر وسورية هجومهما ضدّ "إسرائيل" لتحرير سيناء والجولان اللذين تحتلهما "إسرائيل" منذ العام 1967، انطلق "الملك" حسين بطائرته الهليكوبتر إلى الأرض المحتلة واتجه إلى منزل رئيسة الوزراء الإسرائيلية- آنذاك- غولدا مائير ليخطرها بنفسه بأن السوريين والمصريين يتحضّرون للهجوم ضدّ "إسرائيل"، وهو ما لم تأخذه مائير بجدية، فوقعت الحرب وتمكّنت مصر من تحرير سيناء وسورية من تحرير أجزاء من الجولان. وقد أعلن "الملك" حسين هذا الأمر لـ"الجمهور" الإسرائيلي، في مقابلة أجراها معه التلفزيون الإسرائيلي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، والذي كان على مشارف توقيع اتفاق سلام بين الأردن و"إسرائيل".
وقبل ذلك في العام 1948، وخلال حرب فلسطين، قام "الملك" عبد الله جد الملك الحسين بن طلال بإقامة علاقات سرية مع القيادات الإسرائيلية، ونسّق معها الأعمال العسكرية خلال الحرب ما أسهم إلى حد بعيد في سقوط اللد والمناطق الغربية من القدس ومناطق أخرى في يد عصابات الهاغاناه اليهودية الإرهابية، وهو ما كشفت عنه الوثائق الأميركية والإسرائيلية، وذكره في كتبه الصحافي المصري الراحل الشهير محمد حسنين هيكل.
إنّ ما تقدم لا يعكس فقط مسارًا اختارت أسرة حاكمة أن تختاره وتتوارثه على مدى أربعة أو حتّى خمسة أجيال، بل يعكس الدور الوظيفي للأردن منذ إقامة امارة شرق الأردن في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، والذي يقتضي حماية الخاصرة الرخوة للكيان الصهيوني في الشرق من العمق العربي.
الدور الوظيفي لهاشميي الأردن
في أيلول/ سبتمبر 1918، دخلت قوات الثورة العربية إلى دمشق وبعدها بنحو شهر كانت القوات العثمانية قد انسحبت من مدينة حلب، وأعلن عن نهاية الحرب العالمية الأولى بانهيار الدولة العثمانية. فسارع الوطنيون السوريون إلى الإعلان عن إقامة حكومة في دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى. وفي أوائل العام 1919، عقد المؤتمر السوري العام الذي نادى بإقامة مملكة سورية في سورية الكبرى الممتدة من سفوح طوروس وزاغروس شمالًا إلى سيناء جنوبًا ومن البحر المتوسط غربًا إلى الموصل شرقًا.
لكنّ طموحات الوطنيين السوريين كانت تصطدم بالمشاريع الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا اللتين كانتا قد وقعتا خلال الحرب العالمية الأولى اتفاقية سرية تقضي بتقاسم المشرق العربي بينهما. كذلك كانت بريطانيا قد أطلقت، في خريف العام 1917، وعدها الشهير للورد اليهودي روتشيلد بإقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين. لذلك؛ طموحات الوطنيين السوريين والعرب اصطدمت بحائط الأطماع الاستعمارية، وسرعان ما نشبت الثورة في العراق في صيف العام 1920 وثورة أخرى في سورية، عقب احتلال القوات الفرنسية لدمشق في صيف العام 1920.
وعلى الرغم من أن السوريين من جهة والعراقيين من جهة أخرى فشلوا في الوصول إلى تحقيق أهدافهم بالتحرر من الاستعمار، إلا أن هذه الثورات كانت تنذر بقيام وطن سوري كبير ووطن عراقي قوي. وكان على البريطانيين والفرنسيين منع هذين القطرين من أن يشكّلا، في يوم من الأيام، مصدر خطر على الكيان الصهيوني.
إزاء هذا الواقع؛ البريطانيون بالدرجة الأولى كان عليهم التعامل مع طارئ استجد في خريف العام 1920، حين قدم "الأمير" عبد الله على رأس قوة من الحجاز إلى عمان، وبنيته التوجّه إلى دمشق لاستعادة الملك الذي كان أخوه فيصل قد خسره لمصلحة الفرنسيين. لكنّ البريطانيين تدخلوا لمنع عبد الله من إكمال مسيرته باتّجاه دمشق. وبناء على مشاورات مع الحركة الصهيونية؛ قرروا إقامة إمارة في شرق الأردن تكون وظيفتها الأساسية أن تكون منطقة عازلة مع العراق والجزيرة العربية. وقد أقام "الأمير" عبد الله الذي أعلن نفسه ملكًا، فيما بعد، علاقات قوية مع الصهاينة توارثها من بعده أبناؤه وأحفاده وورثوا من خلالها وظيفتهم التي تكمن بحماية الكيان الصهيوني من أي خطر قادم من الشرق.
الأمناء على حماية "إسرائيل"
لذلك، ما قامت به "الأميرة" سلمى، ومعها والدها "الملك" عبد الله الثاني لم يكن خيانة من وجهة نظرها للأمتين العربية والإسلامية، بل كان التزامًا بالدور الذي توارثته أسرتها منذ زمن جدها لأبيها عبد الله الأول، مؤسس إمارة شرق الأردن ومن ثمّ المملكة الأردنية الهاشمية. وهو الدور القاضي بحماية الكيان الصهيوني من أي خطر آتٍ من الشرق.
كما أنه الدور الوظيفي للكيان الأردني؛ لذلك لم يكن حريًا على العالم بمسار التاريخ الحديث للعرب أن يستغرب ما قام به هاشميو الأردن من إقامة جسر بري لمدّ "إسرائيل" بالمؤن والعتاد العسكري، بعدما أغلق اليمنيون باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، فدعم الكيان الصهيوني وحمايته هو أمر حيوي وأساسي جدًّا بالنسبة إلى الأسرة الهاشمية لجهة بقائها حاكمة في الأردن؛ بل هو مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى هذه الأسرة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024