نقاط على الحروف
شواطئ غزّة تستقبل الوافدين وإرادة الحياة تنتصر على الموت
نحو مائتي يوم من القصف والحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزّة، أفرزت شحًّا كبيرًا بالغذاء والمياه والوقود والكهرباء، وهجرةً قسريةً لأكثر من مليون فلسطيني نحو الجنوب، وتكدسهم في الخيام يظللهم الخوف الدائم من التهديدات الإسرائيلية بالاجتياح البربري لمدينة رفح جنوبي القطاع.
كلّ ذلك لم يقف عائقًا أمام إرادة الحياة لدى الغزاويين، بل ركبوا زوارق الأمل في البحث عن سعادات متناهية الصغر تعينهم على نوائب الدهر.
الغزيون يعيدون ترتيب عجائب الدنيا على شاطئ مدينتهم
على شاطئ مدينة رفح وتخفيفًا من حرارة الصيف التي تكويها حرارة إيمانهم بالأرض فتغدو بردًا وسلامًا على أفئدتهم الصابرة نفر الغزيون كبارًا وصغارًا إلى السباحة والتنزه على رمال شاطئ دير البلح ليعيدوا بذلك ترتيب عجائب الدنيا السبع، ويصنعوا فنًا في السعادة تتناقله القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، حيث انتشر مقطع مصور للصحافي الفلسطيني عبد الله العطار يظهر فيه أهالي رفح يستمتعون بأجواء صيفية على شاطئ مدينتهم.
غضب إسرائيلي من سعادة أهل غزّة!
ليس وحده شاطئ رفح يصوّر عزيمة أهالي قطاع غزّة المتمسكين بالأرض والمنسجمين مع كلّ تضاريسها وطقوسها، بل سبقتها مشاهد اقتناص لحظات الفرح في أشدّ الظروف قساوةً حين أبهر أطفال غزّة مرأى العالم في استقبال عيد الفطر قبل نحو أسبوعين، وكذلك الرجال الغزاويون الذين افترشوا الشوارع لصلاة العيد تحت زخات المطر، وتلتها أصوات التهليلات والتبريكات التي رافقت المقاطع المصورة التي رصدت سقوط الصواريخ الإيرانية فوق المواقع الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.
إلا أن مشهد الشاطئ المفعم بالحياة أكثر ما أثار سخط وخيبة أمل المسؤولين والمراقبين الإسرائيليين الذين ابتلعوا صمتهم وعبروا عن غضبهم منه على منصة ، حيث كتب إيتمار بن غفير وزير ما يسمّى "الأمن القوميّ" الإسرائيلي في حسابه على منصة : "في غزّة صور الآلاف يستحمون على الشاطئ وفي الشمال حزب الله يصعد من هجومه. يجب حل مجلس الحرب"
فيما تحسر معوز شوارتز، قائد كتيبة في جيش العدو بقوله: "كم يحزنني معرفة أننا كنا قبل بضعة أشهر في هذه المنطقة الساحلية مع كتيبتنا، كلّ سكان غزّة إرهابيون بمن في ذلك أولئك الذين يستحمون على الشاطئ هناك في الصورة".
ولم يستطع الصحفي الإسرائيلي ألموغ بوكر إخفاء ألمه الناتج عن مشهد سعادة أهل غزّة على الشاطئ والذي فاق قوة أعظم سلاح في إيصال رسالة الغزاويين إلى الداخل الإسرائيلي، فغرد قائلًا: "هذه الصورة تجعل جسدي يؤلمني، بينما أعلن شاطئنا في زيكيم منطقة عسكرية مغلقة يقضي سكان غزّة وقتهم على الشاطئ ويستمتعون بالبحر كما لو لم تكن هناك حرب!".
توحي ردة فعل الإسرائيليين بأن المسألة ليست مجرد حقدٍ دفينٍ يجعل الغازي يستشيط غيظًا إذا ما شاهد سعادةً أو إرادةً من أصحاب الأرض تجعل كلّ محاولاته قتل روح الحياة فيهم تبوء بالفشل، وبالتالي احتمال استسلامهم أمام سياط جلاديه وهمٌ يذهب في مهب الرّياح، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى عملية مقارنة مخزية للإسرائيليين بين المجتمع الفلسطيني و"المجتمع" الإسرائيلي، حيث باتت اليوم الشغل الشاغل للمراقبين والمحللين والأكاديميين الإسرائيليين.
اختصرها بوكر بتوضيح الفرق الشاسع بين شاطئ يغصّ بساكنيه رغم القصف والعنف والتهديد، وشاطئ خالٍ من الحياة لا يُسمع فيه سوى صوت الأمواج.
لماذا "المجتمع" الإسرائيلي يحكمه الخوف؟
بينما شاطئ مدينة رفح مزدحم بأصحاب الأرض، المكان الوحيد المزدحم في المستوطنات الإسرائيلية هو الملاجئ ومطار "بن غوريون" بعد عبور أكثر من 55 ألف مسافر خلال الأيام الماضية.
هذا الأمر دفع الأكاديمي الإسرائيلي دانيال بار تال إلى محاولة حل لغز تغلب مخاوف "المجتمع" الإسرائيلي على الأمل، من خلال إرجاع تلك المخاوف إلى الماضي القائم على المصادر التوراتية وروايات الاضطهاد، معتبرًا أنّ "الأمل يتطلب نشاطًا معرفيًا وأفكارًا جديدة وهو ما يعيقه التدخل التلقائي وغير الواعي للخوف".
بينما تطفو نظرية "لعنة العقد الثامن" كعقدة أكثر منطقيةً في شرح أسباب انهيار "المجتمع" الإسرائيلي أمام تماسك المجتمع الفلسطيني وتمسكه بالأرض.
والهواجس من هذه اللعنة سرعان ما تتبوأ التصريحات عقب كلّ مناسبة، حيث تحدث عنها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو معبرًا عن مخاوفه من اقتراب الزوال خلال الاحتفال بالذكرى الـ 80 لاحتلال الأراضي الفلسطينية العام الماضي.
وهذا الهاجس يتحرك في أذهان المستوطنين الإسرائيليين مع كلّ صافرة إنذار تنطلق في المستوطنات لتظهر هشاشة علاقتهم بالأرض والديار وقوة تمسكهم الوحيدة بأسقف الملاجئ وجوازات السفر.
بينما في الضفّة المقابلة تشكّل النصوص القرآنية الغذاء الروحي والمعنوي الذي يقوي عزيمة أهل غزّة على مقاومة الحصار والدمار من خلال الآيات التي تنبئ باقتراب وعد الآخرة المتمثل بتمكين المستضعفين من الأرض والانتصار للمظلومين على الظالم في قول الله عز وجل: "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا".
وبينما تحسم نبوءات الزوال أي حرب في وعي الإسرائيليين سواء كسب الفلسطينيون جولة المعركة أو خسروها، أيضًا تحسم الحرب في وعي الفلسطينيين الآية القرآنية التي تقول: "ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024