طوفان الأقصى
سقوط الردع الصهيو - أميركي
من بين السيناريوهات الأربعة التي أفرزتها المداولات الصهيونية الأميركية للرد على إيران؛ اختار العدوّ الصهيوني خيارًا هجينًا يمثل أضعف الخيارات، ويؤكد قوة الردع الإيرانية والدخول إلى مرحلة جديدة في ميزان الردع في الإقليم.
حُصرت السيناريوهات الأربعة في ابتلاع الرد الإيراني وعدم فعل شيء، أو ضربة كبيرة ومفتوحة، أو هجوم سرّي في استمرار لحرب الظل، أو في استمرار سياسة الاغتيالات.
ما اختارته "إسرائيل" هو خيار خامس هجين بين الهجوم السرّي وبين ضربة ضعيفة رمزية لتسويق أنها قامت بالرد. وهو ما لم يُقنع أحدًا بما فيها إيران التي توعدت صادقة بالرد على أي هجوم إسرائيلي، ولم ترَ إيران في هذه "المسخرة" -على حد وصف وزير "أمن" الكيان ايتمار بن غفير- ما يستحق عناء الرد؛ بل ولا حتّى التعقيب.
وإن حاولنا تحليل هذا السلوك الصهيوني الذي لا يتخّذ لقب الرد، بأي معنى من معاني السياسة أو العسكرية، فإننا نجد دلالات بارزة ينبغي تأملها جيدًا:
1 - سقوط الردع الإسرائيلي وليس مجرد تآكله؛ لأن إيران تحدّت جميع الفزاعات والتهديدات الصهيونية والأميركية وردّت من الأراضي الإيرانية ردًا معلنًا ورسميًّا، وهو ما يعني بمعزل عن تقويم الخسائر أن الردع الصهيوني سقط بمجرد انطلاق الطائرات والصواريخ من إيران؛ هذا يعني تعاظم الردع الإيراني لدرجة أن العدوّ لم يجرؤ على الإعلان رسميًّا حتّى عن إجراءاته الرمزية، والتي لا تشكّل عملًا عسكريًا إذا ما قيس حتّى بحركات المقاومة البدائية في طور تشكيلها.
2 - المناخ الإعلامي الذي روّج للعمل الصهيوني بوصفه ردًا، يدل دلالة مباشرة على ضعف الكيان وأنه أصبح يعتمد على الدعايات والأكاذيب لحفظ ماء الوجه، بالإضافة إلى فرز المنابر الإعلامية وبيان المتعاونين مع العدوّ في دعاياته، وهو ما اتضح جليًا في المنابر الأميركية والخليجية.
3 - مصداقية الأوامر الأميركية لنتنياهو هذه المرة بعيدًا عن النفاق الأميركي الذي يتظاهر بالتمايز عن العدوّ الصهيوني في غزّة ومحاولات الخداع بتمرد نتنياهو على أميركا وعدم إطاعتها، بينما في حال إيران امتثل للأوامر الأميركية؛ لأنها كانت جادة، وهو ما يدل على خشية أميركية حقيقية من الرد الإيراني الصادق على أميركا أولًا، على أساس أن العدوّ لن يجرؤ ولن يستطيع مواجهة إيران في حرب مباشرة بمعزل عن أميركا، وهو ما تخشاه أميركا بصدق.
إزاء هذا الواقع؛ نلاحظ دلالة مهمة على قوة الردع الإيرانية لأميركا قبل أن تكون للعدو الإسرائيلي. وهنا؛ ومع هذا الرد الإعلامي الصهيوني غير الرسمي في مقابل رد عسكري موسع وعلني إيراني، نحن أمام وضع كاشف للتوازنات الاستراتيجية الجديدة في الإقليم.
وممّا لا شك فيه أن تعاون الأنظمة العربية مع العدوّ، في مواجهة الهجمة الإيرانية، كانت مشهدًا كاشفًا لحجم الاهتراء والخيانة، وكان الرد الإيراني كاشفًا لكل الدعاوى التي مورست على الشعوب للترويج بأن إيران ومحور المقاومة هم من يعرقل عودة الحقوق، وأن خيار السلام هو الخيار الاستراتيجي، ليظهر أن هذه الأنظمة ليست فقط مهادنة أو خائفة أو "معتدلة"- وفقًا للتوصيف الأميركي- بل هي أنظمة متحالفة استراتيجيًا مع العدوّ الصهيوني وأن صمتها وضعفها هو مجرد حيلة لتصفية القضية الفلسطينية والخلاص من تبعاتها والانخراط في "الشرق الأوسط الجديد" ونيل المكاسب المزعومة التي وعدهم بها المعسكر الصهيو- أميركي.
نحن أمام مشهد كاشف ومعركة كبرى واضحة الفرز والاصطفاف، فقد شكّل المشهد الإيراني وسابقته التاريخية باستهداف العدوّ، علنًا ورسميًا، وبوقوف الأنظمة مدافعة عن العدو رسميًا، ملامح المعركة الوجودية الراهنة.