طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

أزمة اللاجئين في مصر
10/05/2024

أزمة اللاجئين في مصر

حين تسقط دولة، وحين يتوافق سقوطها مع غياب عقلها وغل إرادتها، وحبس روحها الحقيقية، فإن البديل الوحيد هو مخدر الوهم، تصنعه السلطة وتبدع فيه وتمرره لشعبها، ومع الوقت تزيد جرعاته وتسنن تطرفه، وعند لحظة معينة يتحول هذا الوهم إلى عدو ما وهمي، وعقيدة ما وهمية، ويحتاج الأمر أيضًا إلى فخامة بالونة الوهم المنقذ الكبير.

المتابع للإعلام المصري، بعد عملية "طوفان الأقصى" المباركة، يمكنه أن يجد على شاشات إعلام المخابرات والجيش كلّ شيء، إلا مصلحة مصرية أو ضمير مصري، وسيجد كلّ شيء - وأي شيء - مقلوبًا، فالكيان يستهدف مصر وليس فلسطين، والعالم يتآمر ليل نهار على مصر، وهذه الحروب التي تشعل الخارطة من حولنا، من الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ملحمة المقاومة بطول وعرض العالم العربي، كلها كلها تريد أن تخصم من دور مصر.

مناقشة "كل" أكاذيب الإعلام العربي المطبع ستكون إرهاقًا أكثر مما تحتمله الأعصاب، ولا الوقت، هذا الإعلام يحاول منذ بداية الحرب التركيز على أهداف يلتقطها المتلقي مغيب العقل والقلب، وهي تقسيم القضية المركزية توطئة للقبول بالتفريط فيها، ثمّ رسم صورة هزيمة لمحور المقاومة في كلّ الجبهات، عبر التركيز على مشاهد الآلام والتضحيات العظمى التي بذلها ويبذلها أهلنا وأشقاؤنا في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن وإيران، وهم من يقومون في هذه اللحظة بواجب الجهاد المقدس نيابة عن أمة النيام، ثمّ في الأخير هو يحاول تمرير صورة عن إنجاز ما قد تحقق بالسلام/ الاستسلام للعدو الصهيوني والأميركي.

لكن مع الانهيار الاقتصادي المروع الذي تمر به مصر، والذي لم يعد يفيد معه تكرار حجة جشع التجار أو الأزمات العالمية، فإن إعلام الدجال لجأ إلى خلق عدو جديد، هو في هذه المرة شقيق عربي لاجئ، دفعته الحروب وتمزق الأوطان إلى الرحيل عن بلده؛ فأصبحت قضية اللاجئين السوريين والسودانيين والفلسطينيين في مصر هي الشغل الشاغل للدولة المهزومة الساقطة، وكأن البلد قبل طوفان الأقصى أو قبل الحرب في السودان كان جنة الله في الأرض.

ما جرى لم يكن حديثًا عابرًا لأبواق فتنة تعمل وتتحرك بـ"أورنيك" عسكري، بل كان تصريحات رسمية من رئيس الوزراء، ثاني أعلى مسؤول تنفيذي في مصر، مصطفى مدبولي، الذي قال نصًا: إن "تكلفة استضافة مصر لتسعة ملايين لاجئ بلغت أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا". بالطبع لم ينس أن يوجه الرجاء للعالم والغرب والدول المانحة لتقديم جزء من هذه التكلفة للاقتصاد المصري المنهك على شكل مساعدات أو منح.

بالطبع رئيس الوزراء لا يقول الحقيقة، كما غيره في مصر، والهيئة المنوط بها إعلان عدد اللاجئين في مصر هي "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وأرقامها الدقيقة تؤكد أن عدد اللاجئين أو طالبي اللجوء في مصر نحو 460 ألف شخص، وهؤلاء تقدم لهم المفوضية الإعانات، وتستفيد مصر من كونها مدفوعة بالدولار، وخلاف ذلك يكون المقيم حاصلًا على إقامة كصاحب عمل أو دارس، وفي الحالتين فإن وجوده لا يمثل إلا استفادة كاملة، من الوافدين للتعليم تحديدًا تتحصل الدولة على مليارات الدولارات سنويًا، والجميع يذكر أزمة قريبة بسبب رفض الجامعات المصرية تخفيض مصروفات الدراسة لطلبة قطاع غزّة بسبب الظروف القاهرة الحالية، أو قبولها بالجنيه المصري! وتعنتها في إصدار شهادات لمن أتموا دراستهم بالفعل.
في قصّة اللاجئين تبدو مصر الطرف الذي لا يفوت فرصة مكسب، ولو كان دم شقيق. في الحرب الحالية نشطت شركة "هلا" المملوكة لمن يعرف برئيس اتحاد القبائل إبراهيم العرجاني، وهو شخص مشبوه يدير أعمالًا مشبوهة وذات صلة بالجيش والمخابرات، وكانت الشركة طبقًا لتقارير إعلامية عديدة وشهادات من غزّة تتحصل على ما بين 5 - 8 آلاف دولار لإخراج إنسان واحد من غزّة عبر معبر رفح.

الأهم من الاستفادة المالية المباشرة للنظام والدائرة الملطخة بالعار حوله، فإن نظام السيسي يستثمر سياسيًا لأقصى درجة ممكنة في قصّة اللاجئين، خصوصًا في علاقاته مع أوروبا، التي تخشى من ارتداد الصراعات في الشرق الأوسط عليها عبر موجات هجرة لا تتوقف، وتعتبر أن هذا النظام الفاشي هو خط دفاعها الأول والأهم لإبعاد شبح السفن عن شواطئهم.

ترديد هذه الفرية وتكرارها على مسامع شعب غاب عنه التفكير المنطقي وأبجديات الحساب السليم للموقف خطر جدًا، يفتح الباب لحملات كراهية بغير حدود، وربما لأبعد من ذلك، فشحنات العواطف إذا ما اختبرت مع ضيق المعيشة وصعوبتها وانسداد الأفق للحلول الواقعية، فإنها ستتحول في لحظة إلى بركان غضب ضدّ الطرف الخطأ، ضدّ المجني عليه، وقبل أي شيء، ضدّ أنفسنا نحن.

ما يجري في مصر، ويجري مثله في بلاد أخرى بأدوات شبيهة، هدفه النهائي هو السلخ، سلخ العرب عن بعضهم البعض، بكلّ ما تحمله هذه العملية من ألم ودماء، لتترك كلّ فريسة وحدها بمواجهة العدو، وحتّى من يظن واهمًا أنه بمأمن فإن يومه مع الصهيوني قادم، مصر التي تتعلق بالسلام استبيحت واجتاح العدوّ ممر فيلادلفيا ليسيطر على معبر رفح، والجيش الذي يتلقى معونة عسكرية أميركية سنوية لم يتحرك بالطبع، فالدفاع عن الأرض لم يعد أولوية ولم يعد قيمة أو عقيدة، بل تحول إلى صفقة، وغدًا إن وقعت الواقعة سيجد المصري العادي نفسه مربوطًا جاهزًا كالذبيحة أمام مصيره بيد هؤلاء المماليك الجدد أنفسهم.

خرج سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، خلال حملة عدوانية على النازحين السوريين في لبنان، بخطاب إيماني وإنساني شريف، يليق بنا أن نعيد قراءته، لن أورده هنا بالطبع، فالمقارنة لا تجوز، شتان ما بين الثرى والثريا، لكنّه على أي حال مفيد لمعرفة مجموعة القيم والمبادئ والأفكار التي تقود محور المقاومة اليوم، ومن أي نبع صافٍ هي، مقابل ما نراه من شياطين في قصور الحكم العربية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف