طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

تحالف "إيكواس" وتبدل التحالفات الدولية في إفريقيا وغربها
11/05/2024

تحالف "إيكواس" وتبدل التحالفات الدولية في إفريقيا وغربها

بعد خروج الولايات المتحدة من النيجر، تصاعدت حركة التنسيق الاقتصادي بينها وبين روسيا، ونشرت وسائل الإعلام عن تزايد نشاط الاستثمارات الروسية في النيجر. والأمر يقع ضمن ازدياد دخول الاستثمارات الروسية والصينية إلى إفريقيا خلال العشر سنوات الماضية. خلال هذه المرحلة تعاملت كلّ من فرنسا، الدولة ذات المصالح الاستعمارية الأكبر في القارة السوداء، ومعها الولايات المتحدة وبريطانيا على أن العلاقة مع غرب إفريقيا أمر مفروغ منه. فلم تتّخذ أي منها خطوات تضمن إعادة كسب ثقة الدول الإفريقية، وإنما حاولت السيطرة عليها وخنقها عبر التحالفات الاقتصادية أو العسكرية والتي تديرها فرنسا عبر "مندوبين ساميين" يراعون مصالحها. أهم هذه التحالفات ما يعرف بتحالف "إيكواس" اختصارًا، والذي أعلنت ثلاث دول منه هي بوركينا فاسو ومالي والنيجر في مطلع شباط/ فبراير من هذا العام، بعد أن طردت الفرنسيين والأميركيين منها على التوالي، الخروج منه.

"ايكواس"، هي اختصار لتسمية "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، التي تشكلت في العام 1975. وكانت تضم المجموعة 15 دولة، وهي الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو وموريتانيا حتّى العام 2001. وتطل هذه الدول على المحيط الأطلسي مقابل الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة، مما يجعلها ذات أهمية خاصة بالنسبة لأميركا والتي تريد فرض سيطرة مطلقة على المحيطين الأطلسي والهادئ اللذين تطل عليهما بشكل مباشر. كما أن هذه الدول تعتبر ذات أهمية خاصة لكونها تمتلك تجمع أكبر الثروات الإفريقية من البترول، والمعادن الثمينة وأهمها الماس، كما أن النيجر تمتلك أكبر مناجم لليورانيوم في القارة السمراء.

لم تكن النيجر أول الدول المنسحبة من "إيكواس"، فقد انسحبت منها موريتانيا، الدولة العربية الوحيدة، في العام 2001. وتبلغ مجموع مساحة الدول المنضوية تحت المجموعة قبل انسحاب الدول الثلاث الأخيرة 5 ملايين كيلو متر مربع، وهي تشكّل بمجموعها 17% من مساحة إفريقيا. ويبدو بحسب الخبراء، أن وضع المنظمة سيزداد سوءًا بعد انسحاب النيجر. وانتخاب الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي في آذار/ مارس من هذا العام، بعد دخول السجن في العام 2023، لأنه طالب بالاستقلال والابتعاد عن الهيمنة الفرنسية، يبشر بأن السنغال ستكون الدولة التالية بعد النيجر في طرد فرنسا، ولربما الخروج نهائيًا من "إيكواس".

وتشير التقارير إلى أن الاستثمارات الروسية تضاعفت في إفريقيا منذ العام 2015، لتصل إلى ما مقداره اليوم 20 مليار دولار سنويًا في قطاعات التعدين والطاقة والسكك الحديدية. وهذا الكلام جدًا مهم بالنسبة لدولة ما تزال تعد إمكانياتها محدودة قياسًا بالصين أو الولايات المتحدة. وعلى المقلب الآخر، ويمكننا أن نعطي مثالًا على نوع العلاقة التي تديرها واشنطن: فقد وعد بايدن 40 دولة إفريقية، قبل القمة الثنائية الأميركية - الإفريقية التي عقدت في نهاية العام 2022، بـ"مساعدات" تبلغ قيمتها 55 مليار دولار تقدم على ثلاث سنوات. أي أن كلّ دولة ستحصل حتّى العام حتّى 2025، إذا ما استمرت البركات الأميركية عليها، على 1,375,000,000 دولار سنويًا تقريبًا. وبحسب موقع "فرانس 24"، فإن أهم ما أرادت القمة مناقشته هو انتخابات العام 2023، وهذا هو نوع العلاقة الفوقية الذي تعيشه الدول الإفريقية منذ أن بدأ الاستعمار الغربي في منتصف القرن السابع عشر وحتّى اليوم.

كان من المفيد العودة لهذه القمة العظيمة، بسبب جدول المباحثات فيها ومندرجاتها، فهي ستبحث بالحرب الأوكرانية والأمن الغذائي وتغير المناخ وبالتأكيد الديمقراطية والحوكمة والانتخابات القادمة وانضمام الاتحاد الإفريقي لقمة العشرين في وقت تشهد فيه إفريقيا توجهًا للانضمام لمجموعة "بريكس". كما أعلنت الولايات المتحدة عدم إلزام الدول الإفريقية بمساندة أوكرانيا. بعد هذه القمة بستة أشهر تقريبًا كانت هناك قمة روسية - إفريقية في تموز/يوليو 2023، وتلقت فيها الدول الإفريقية مساعدات من القمح المجاني الروسي، وكان من أهم نتائج القمة مساعدات روسية للرعاية الصحية بقيمة 1,2 مليار روبل، ومساعدات من أجل تطوير قطاع الطاقة.

ومما يظهر هنا أن المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا على أشدها في استقطاب القارة الإفريقية، وقد تتوج ذلك في بداية هذا العام بإخراج الجيش الأميركي من النيجر بشكل نهائي. والذي ينذر بخروجات أخرى وخاصة مع ما ابتدأته الدول الإفريقية التي طردت كلّ من الفرنسيين أو الأميركيين منها بالانسحاب بالتوالي من "إيكواس". ومع توالي الانسحابات من التحالف، وتغير التحالفات في القارة الإفريقية، فإنه من العدل طرح التساؤلات حول مصير هذا التحالف؟ وعن مصير الغرب في افريقيا خاصة وأنه منذ العام 1654، سنة دخول بريطانيا كأول استعمار غربي في إفريقيا، وحتّى اليوم وإفريقيا لم تعرف الراحة من الأزمات والحروب الداخلية والاستعباد والفقر.

بات من المعروف أنه خلال السنوات التي سبقت انتشار فيروس كورونا في العالم، أي قبل العام 2019، ابتدأ المد البريطاني في إفريقيا، وبدأ يلحظ وجوده وخاصة في نيجيريا وفي دول أخرى مقابل الوجود الفرنسي. ولكن بعد انتشار الفايروس ودخول دول العالم في ضائقة اقتصادية قررت بريطانيا وقف مبدأ المساعدات الإنسانية عبر المؤسسات الدولية التي كانت تمولها من مختلف الدول الأوروبية والبريطانية مثل "اوكس فام" وغيرها. وقررت بريطانيا الدخول باستثمارات في إفريقيا، وهذا ما تحدثت عنه زينب عثمان في كتابها "التنوع الاقتصادي في نيجيريا". ولكن حتّى تاريخ نشر الكتاب لم تكن بريطانيا قد قدمت شيئًا في هذا المجال، وإنما ما حدث أن العائلات التي كانت تعتمد على هذه المساعدات غرقت في المزيد من الفقر والعوز، ومن هنا يمكننا أن نفهم العامل الاجتماعي القاسي، والذي ساق نحو التغيير السياسي، والتخطيط الاستراتيجي من أجل الإنخراط في الاستثمارات الصينية والروسية، وخاصة في مشروع نطاق وطريق الصيني.

ابتدأت الاستثمارات الروسية في مجال بناء الطاقة، إذ أنه على سبيل المثال، تعتمد النيجر بشكل تام على الطاقة الكهربائية القادمة من نيجيريا، والتي تم قطعها بعد الانقلاب، مما يستدعي وجود معامل مستقلة لا تخضع لشروط دولة تديرها المصالح الفرنسية عبر "إيكواس"، مع العلم أن اليورانيوم النيجيري ينير باريس وترمى مخلفاته النووية في صحراء النيجر متسببة بأخطر أنواع السرطانات والمراض التنفسية في البلاد، في ما تحصل باريس على الطاقة النظيفة. وما يعيق تطوّر الاستثمارات الروسية هو العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي تعقد عقود التأمين لنقل البضائع والمعدات بشكل خاص، إضافة إلى الحرب التي فرضت عليها في أوكرانيا. وعند قراءة الوضع في إفريقيا الغربية الغنية بالمصادر الطبيعية يمكننا أن نقرأ عمق التنافس الغربي في مقابل الروسي في القارة السمراء.

ومن هنا يمكننا أن نعيد قراءة ما يتعلق بالخلافات العميقة مع كلّ من روسيا والصين، وحتّى اليوم لا تشكّل روسيا خطرًا كبيرًا بحسب "مركز الدراسات الاستراتيجية لإفريقيا"، والتي لا تزيد التبادلات التجارية معها عن 14 مليار دولار، في ما أعلنت روسيا عن تبادل تجاري بحجم 18 مليار دولار، وروسيا تغذّي إفريقيا بـ 63% من حاجات إفريقيا الغذائية وخاصة الحبوب، في ما تبلغ قيمة التبادل التجاري الإفريقي: 295 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي، و254 مليار دولار مع الصين، و65 مليار دولار مع الولايات المتحدة. ولكننا هنا نتحدث عن روسيا مقابل الاتحاد الأوروبي مجتمعًا، وعن الصين في مقابل أميركا والاتحاد الأوروبي، هذا الفائض لصالح الصين أو حتّى لروسيا، جعل الدولتين تمثلان الخطر الكبير على المصالح الغربية وخاصة الأميركية، ولا عجب أن أميركا التي ابتدأت بخسارة موقعها في إفريقيا تذهب باتّجاه اشغال كلّ من روسيا، الناشطة في دول إفريقيا الوسطى وشمال إفريقيا واليوم في غربها، والصين التي تنشط في غرب إفريقيا، بحروب عبثية من أجل تقويض قوتهما الاقتصادية الصاعدة في واحدة من أهم المعاقل الغربية، سابقًا.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات