معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عامل الوقت الضاغط على أميركا وسيناريوهاته المتوقعة
16/05/2024

عامل الوقت الضاغط على أميركا وسيناريوهاته المتوقعة

جاء خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى الشهيد القائد السيد مصطفى بدر الدين "ذو الفقار" كعادته واضعًا للنقاط فوق الحروف، وكان التركيز الأساسي للخطاب على إيصال رسائل هامة، أبرزها أن المقاومة ستقاتل للنهاية ولن تستسلم ولن ترضخ للضغوط، وأن طريق العدوّ مسدود ومهما كانت خياراته بالاستمرار في العدوان أو التوقف فهو مهزوم استراتيجيًا.

ولا شك أن مصير العدوّ مرتبط بمصير الهيمنة الإقليمية والوضع الجيو-استراتيجي لأميركا بالمنطقة، ولا نبالغ لو قلنا وضعها العالمي لسببين رئيسيين يرتبطان ببعضهما:

1 - تطوّر توازنات القوى العالمية ووصول المشروع الأميركي لمعارك صفرية بثلاث مسارح دولية، في أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط، ومفتاح الشرق الأوسط تحديدًا لو سقط، فإن السياسة التي لا تقبل الفراغ، ستتيح لروسيا والصين انفراجة كبرى، عبر فقدان أميركا لقواعدها وتموضعاتها المؤثرة في البحار والمضائق التي تشكّل مداخل المسرحين الآخرين.

2 - بلورة المشروع الأميركي للمنطقة في التطبيع الإقليمي مع العدوّ باعتباره الحل الوحيد لمواجهة نفوذ القوّتين الصاعدتين المهدّدتين للهيمنة وهما روسيا والصين.
والعامل المشترك هنا هو أن العدوّ "الإسرائيلي" يشكّل رمانة الميزان للمشروع الأميركي والحليف الوحيد المضمون له، ولأنه بسقوطه وتحديدًا على يد المقاومة التي لا ترتبط بأي علاقات بأميركا، فإن أميركا ستفقد هيبتها وشراكتها ويفسح المجال للقوى الإقليمية الأخرى للتعاون مع المنتصر على أكبر حليف لأميركا.

وبلحاظ الأهمية الداخلية للوبي الصهيوني وامتيازاته داخل أميركا ودوره في صنع القرار، فإن هذه العوامل الاستراتيجية الخارجية والداخلية تشكّل الارتباط العضوي بين أميركا والكيان والتي تجعل من وجود خلافات تصل للشقاق أو التخلي الأميركي عن العدوّ مجرد اوهام ومن التركيز عليها إعلاميًّا مجرد مسرحية.

ولكن هذا لا يعني أن هناك تمايزات في الرؤى والتكتيكات منشأها الحرص على أمن الكيان وبقائه، وكذلك إنقاذ أميركا وقوتها الناعمة التي وصلت لنقطة الحضيض بعد افتضاحها، وهنا لا بد من رصد حدثين لهما دلالات خطيرة:

الأول: استقالة الرائد هاريسون مان والذي يعمل بالاستخبارات في البنتاغون احتجاجًا على السياسة الأميركية تجاه الحرب في غزّة، وهو ليس حدثًا هينًا ولا ينبغي الاكتفاء بالنظر إليه من منظور التحية لمن تستيقظ ضمائرهم.

فهو حدث قد يهز البنتاغون وقد يكون له تأثير كبير لو انتشر بين غيره من الضباط وعصف بالعقيدة العسكرية الأميركية، وقد يعادل تأثيره عشرات المرات الحدث الخاص باحتجاجات الجامعات الأميركية.

الثاني: زيارة بلينكن المفاجئة لأوكرانيا، وهي تعكس حجم التدهور والقلق لسمعة المساعدات الأميركية وتأثيرات ذلك على حجم المبيعات للسلاح الأميركي، وكذلك جدوى الاعتماد على الشراكة الاستراتيجية مع أميركا لحماية الأنظمة.

وقد أفادت التقارير الميدانية، أنه في الأشهر الأخيرة، وسط تكثيف الهجمات الجوية والصاروخية الروسية على أهداف في أوكرانيا، انخفضت فعالية أنظمة الدفاع الجوي الأميركية في أوكرانيا بشكل ملحوظ، مما يشير إلى التفوق المتزايد للقوات المسلحة للاتحاد الروسي في المجال الجوي. ووفقًا للبيانات التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، تمكّنت القوات الأوكرانية من ضرب صاروخ واحد فقط من كلّ ثلاثة صواريخ روسية خلال الشهر الماضي، في حين انخفض معدل النجاح الإجمالي للدفاعات الجوية في كييف بشكل ملحوظ.

هنا تناقش الأروقة الاستراتيجية في أميركا معضلة كبرى، تتطلب من أميركا سرعة الوصول لنهاية للحرب بأي ثمن، وقد أوضحها "المدير التنفيذي وكبير الباحثين في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن روبرت ساتلوف، ولخصها في ما يلي:

"تقتضي الضرورة السياسية إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن. وطريقة إنهائها أمر مهم أيضًا، فهناك مصلحة أميركية قوية في أن تُسفر نهاية الحرب عن إلحاق هزيمة واضحة بـ"حماس"، وهي النتيجة الوحيدة التي ستفسح المجال لقيام حكومة في غزّة من غير "حماس"، وتجديد العملية الدبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإذا حالف الحظ، التوصل إلى اتفاق سلام وأمن وتطبيع ناجح بين الولايات المتحدة والسعودية و"إسرائيل". بعبارة سياسية واضحة، إذا أدّت المطالب الأميركية إلى تمديد العمليات القتالية الرئيسية التي تشنها "إسرائيل" في غزّة حتّى الصيف وما بعد "عيد العمال" الأميركي، فسيواجه الرئيس بايدن مشكلة سياسية خطيرة".

وحول ملامح أبرز التوصيات للإدارة الأميركية، قال خبير استراتيجي أميركي كبير آخر، وهو فريدريك كيمبي الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي:
"يرى المسؤولون الأميركيون كيفية صياغة استراتيجية تشتمل على العناصر التالية: قيام "إسرائيل" بإغلاق الحدود المصرية مع غزّة. ثمّ تقوم بعد ذلك بمطاردة زعماء حماس دون القيام بعمليات واسعة النطاق تؤدي إلى خسائر لا داعي لها. وبعد ذلك، سوف تقوم قوة دولية، أو ربما قوة عربية فقط، بتوفير الأمن في غزّة، في حين تعمل "إسرائيل" مع آخرين من أجل إنشاء بنية قيادية فلسطينية قادرة على الضغط على حماس. بعد ذلك، تتفق جميع الأطراف على مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وتتسارع الجهود نحو التطبيع السعودي وإعادة هندسة البنية الأمنية الإقليمية.ولن يكون من السهل تحقيق أي من هذا".

مما سبق يتضح حجم الارتباك الأميركي في التعاطي مع صمود المقاومة ووحدة الساحات، فهي غير قادرة على التخلي عن "إسرائيل"، وغير مقتنعة بمسار اكمال العدوان وجدواه، ناهيك عن خوفها على نفسها وتداعيات العدوان على أمنها القوميّ.

إلا أن الأمر اللافت هو عامل الوقت الضاغط على أميركا وهو ما قد يدفع لأحد سيناريوهين، أما المجازفة بضغط حقيقي (غير مسرحي) على العدوّ يترافق معه ضغط مكثف على الأنظمة العربية لتخفيف آثار الهزيمة الاستراتيجية بمكافآت للتطبيع واحكام العداء للمقاومة.

أو دعم العدوان بأقصى طاقة وشراسة ممكنة كمحاولة لتفجير الأمور والحاق الهزيمة بالمقاومة وإنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات