آراء وتحليلات
الهجوم الروسي في خاركوف: الأهمية والأهداف
يوم الجمعة الفائت، أطلقت القوات الروسية هجومًا بريًّا واسعًا في مقاطعة خاركوف في الجبهة الشمالية الشرقية من أوكرانيا والمقابلة لمقاطعة بيلغورود الروسية. وخلال ساعات قليلة تمكّنت القوات الروسية من إحداث اختراقات هامة لخطوط الدفاع الأوكرانية والتقدم في البلدات والقرى المحاذية للحدود داخل المقاطعة، وحتّى الآن فقد حققت القوات الروسية تقدمًا في خط جبهة بطول يقارب 50 كم وعمق من 3 إلى 8 كم والسيطرة على حوالي 15 قرية وبلدة شرقي خاركوف، وباتت على مسافة 25 كم من مدينة خاركوف مركز المقاطعة، في ما تجاوز عدد القتلى من القوات المسلحة الأوكرانية 1500 عنصر بحسب المصادر الروسية.
أهمية خاركوف
تعدّ خاركوف مدينة استراتيجية، وتشكّل واحدة من أكبر التجمعات السكانية في أوكرانيا، كما أنها مركز الاتّصالات الرئيسي ومعقل مهم للقوات الأوكرانية.
ولمدينة خاركوف موقع اقتصادي وجغرافي مهم نظرًا لقربها من قاعدة الفحم والمعادن في دونباس ومنطقة دنيبر، الشيء الذي حفز من تطوّر صناعة الآلات الميكانيكية وتشغيل المعادن. وكذلك فإن المقاطعة تشكّل موطنًا لمجمع الطاقة والزراعة والنقل والكهرباء. وتسهم خاركوف بجزء مهم من الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني، وهي أيضًا غنية بحقول الغاز الكبيرة، وتتميّز بالصناعات الكيميائية وإنتاج مواد البناء، وتضم واحدًا من أكبر مصانع الإسمنت في أوروبا.
ومن الناحية العسكرية فإن محاذاتها لمقاطعة بيلغورود الروسية جعلها منطلقًا لاعتداءات دائمة على الشمال الشرقي الروسي وداخل العمق الروسي وصولًا للعاصمة موسكو منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة منذ أكثر من عامين، إضافة إلى أنها تعتبر معقلًا للجماعات القوميّة والمتطرّفة أو ما يعرف بالنازيين الجدد.
هل كان الهجوم الروسي مفاجئًا؟
في نهاية العام الفائت حذر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من هجوم روسي جديد، وأعطى أوامره للقوات المسلحة الأوكرانية بالاستعداد له، وتوقعت الاستخبارات الأوكرانية بأن يكون توقيت الهجوم بين شهري أيار وحزيران، كما أعلنت واشنطن بأنها كانت تتوقع الهجوم الذي نفذته القوات الروسية على خاركوف وأنها نسّقت مع أوكرانيا عن كثب استعدادًا له.
وعلى الجانب الروسي، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده قد تكون مضطرة لإقامة منطقة عازلة داخل أوكرانيا، في الوقت الذي تحدث فيه عدد من المحللين الروس عن ضرورة السيطرة على خاركوف لضمان نجاح العملية العسكرية الروسية وحسم المعركة.
ومنذ آذار الفائت، كثفت روسيا من هجماتها بالصواريخ والطيران المسيّر على منشآت الطاقة والمنشآت العسكرية في خاركوف، في ما بدا وكأنه تحضير للهجوم البري، وهو ما دفع في حينها زيلينسكي للقول بأن القوات الأوكرانية ربما تكون غير قادرة على الاحتفاظ بخاركوف.
واستنادًا لذلك فإنه يمكن القول إن الهجوم البري الروسي في مقاطعة خاركوف لم يكن مفاجئًا، بل إن كافة المؤشرات والتصريحات تدل على أنه كان متوقعًا أو وشيكًا.
وعلى الرغم من ذلك فإن الانهيار السريع لخطوط الدفاع الأوكرانية يمكن إرجاعه إلى عاملين:
الأول، متعلّق بنقص التلسيح بسبب تأخر الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا، خاصة بعد تدمير القوات الروسية للكثير من مستودعات ومخازن السلاح الأوكرانية.
الثاني، هو ما كشف عنه قائد القوات الأوكرانية في خاركوف عن عدم وجود حقول ألغام بسبب الفساد أو الإهمال إلى الحد الذي يمكن وصفه بالخيانة.
أهداف الهجوم الروسي على خاركوف؟
يمكن إجمال الأهداف الروسية من الهجوم البري في خاركوف بالآتي:
• وقف الهجمات الأوكرانية على العمق الروسي وخاصة في منطقة بيلغورود بما فيها عمليات التسلل عبر الحدود، والتي كانت تشكّل مقاطعة خاركوف منطلقًا لها.
• إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الأوكرانية حتّى نهر الدنيبر لمنع الهجمات على الداخل الروسي وخاصة بعد تزويد الغرب لأوكرانيا بصواريخ متوسطة المدى يمكنها بلوغ الأراضي الروسية وتصريحات وزير الخارجية البريطاني التي شجع فيها أوكرانيا على استخدام تلك الأسلحة لاستهداف الأراضي الروسية.
• إن الهجوم البري على خاركوف والذي من الممكن أن يتوسع إلى مقاطعة سومي، سيؤدي إلى إجبار أوكرانيا على نقل العديد من قواتها وعتادها من الشرق والجنوب الشرقي إلى الجبهة الشمالية الشرقية في خاركوف، وهو ما سيسهل على القوات الروسية استكمال تحرير الأقاليم التي قامت بضمها إليها (الدونباس وزاباروجيا وميكولاييف)، وربما التوجّه نحو أوديسا.
• تريد روسيا منع دخول قوات حلف شمال الاطلسي في المواجهة بشكل مباشر، أو بالحد الأدنى منع قوات الناتو من التمركز على مقربة من حدودها في شرق نهر الدنيبر، ومن أجل ذلك أيضًا أجرت روسيا مناورات بالأسلحة النووية التكتيكية قبل أيام من إطلاق الهجوم البري في خاركوف.
• تسعى روسيا من خلال فتح جبهات جديدة إلى تعميق وتفاقم أزمة التجنيد الإلزامي في أوكرانيا بما يسهم في انهيار القوات المسلحة الأوكرانية وحسم المعركة، ولعل هذا الهدف هو ما دفع بوزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال زيارته غير المعلنة لكييف بالأمس إلى التعبير عن حاجة أوكرانيا للتعبئة والتجنيد.
• إن سيطرة القوات الروسية على خاركوف ستزيد من حالة الإفلاس لدى كييف، وتزيد من عدم ثقة الغرب بقدرة القيادة والقوات المسلّحة الأوكرانية على مواجهة روسيا، وهو ما يمكن أن يؤدي بالنهاية إلى إجبار كلّ من كييف والغرب على التفاوض مع روسيا لوقف الحرب الأوكرانية.
• تسعى روسيا إلى تحقيق مزيد من التقدم والنجاح في عمليتها العسكرية قبيل وصول المساعدات العسكرية الجديدة إلى أوكرانيا، أو قبل البدء بالتدريب عليها، والتي تم إقرارها من قبل الإدارة الأميركية وفاقت قيمتها 60 مليون دولار، وهو ما سيفرغ أهميتها وتأثيرها قبل البدء باستخدامها.
أخيرًا؛ لقد بات واضحًا ومكشوفًا بأن الولايات المتحدة على وجه الخصوص والغرب على وجه العموم، ومن خلال سعيهم لمواجهة روسيا جيوسياسيًا وفي إطار الاستراتيجية التي أعلنها بايدن منذ دخوله للبيت الأبيض، انّهم على استعداد للاستمرار بالمواجهة على حساب دماء الشعب الأوكراني بأكمله، بل وحتّى على حساب دماء الشعوب الأوروبية حتّى لو اضطرهم الأمر لتوسيع الصراع في شرق أوروبا إلى دول أخرى يجري تشجيعها من قبل واشنطن ولندن لتكون جزءًا من تلك المطحنة وخاصة بولندا ودول البلطيق.