آراء وتحليلات
بايدن يضع نتنياهو بين خيارين: الرضوخ أو إسقاط الحكومة؟
بعد أيام قليلة من إطلاق وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت انتقاداته لرئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بسبب تقاعسه عن وضع خطة ما بعد الحرب في غزّة، وتحذيراته له من أن ذلك سيدفع بـ"إسرائيل" نحو الاضطرار إلى فرض حكم عسكري ومدني على القطاع، سارع الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس هو الآخر لتوجيه إنذار لنتنياهو مهدّدًا بأن حزبه سيترك الحكومة إذا لم توافق على استراتيجية للحرب في غزّة بحلول 8 يونيو/حزيران المقبل.
ما يجمع الوزيرين الصهيونيين غالانت وغانتس أنهما ذوي خلفية عسكرية على عكس نتنياهو، ويدركان جيدًا حجم المخاطر التي تتهدّد الكيان الصهيوني وجيش العدو الإسرائيلي بعد ثمانية أشهر من القتال، وما يمكن أن تصل إليه الأمور في ظلّ الفشل في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها حكومة نتنياهو منذ البداية، وانسداد الأفق والعجز عن تحقيق أية صورة للإنتصار حتّى لو كان رمزيًا.
الوزيران اتّهما نتنياهو بتغليب مصالحه الشخصية والسياسية على مصلحة الكيان الصهيوني من خلال إصراره على استمرار القتال حتّى القضاء على حماس كما يطالب نتنياهو، كما اتّهم الوزيران نتنياهو بجعل القرار الإسرائيلي مرتهنًا لقلة من المتطرّفين أمثال ما يسمى وزير الأمن القوميّ إيتمار بن عفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش.
وانطلاقًا من خلفيتهما العسكرية فإن الوزيرين يعلمان بأن اجتياح رفح يمثل آخر الأوراق التي تمتلكها "إسرائيل"، وأن هذا الاجتياح غير مضمون النتائج وسينتهي باستنزاف طويل للجيش الإسرائيلي في الميدان كما قال غانتس، ناهيك عن الاستنزاف المتدحرج الناتج عن جبهات الإسناد في الشمال، أو الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية، أو الاستهدافات المتصاعدة للمقاومة العراقية، وعلى الأخص أن الجبهات مجتمعة كانت قد بدأت تصعيدًا نوعيًا وكميًّا في الأيام الأخيرة وأعلنت انتقالها إلى مراحل جديدة من عملياتها، وهو ما أظهرته العمليات الأخيرة على كلّ الجبهات من غزّة إلى لبنان، ومن اليمن إلى العراق.
من جانب آخر فإنّه لا يمكن فصل تهديدات الوزيرين غالانت وغانتس عن مواقف الإدارة الأميركية، بل يمكن لنا أن نتوقع أن مواقفهما المعلنة جاءت بالتنسيق مع إدارة بايدن في هذه المرحلة على وجه الخصوص. صحيحُ أن إدارة بايدن مؤيدة بالمطلق للكيان الصهيوني في حربه على غزّة، لكن لديها استراتيجيتها المختلفة في إدارة الصراع في المنطقة والتي لا تتفق بالضرورة مع استراتيجية ما يعرف باليمين واليمين المتطرّف في "اسرائيل" والذي يمثله تحالف الليكود بزعامة نتنياهو مع الاحزاب اليمينية الدينية. وبالإضافة لكون إدارة بايدن تعتقد بأن استراتيجيتها تمثل طوق أمان للكيان الصهيوني ولمصالحه، فإنها ترى فيها أيضًا أكثر ضمانًا لمصالح واشنطن الإقليمية ولنفوذها المهتزّ والمتراجع.
ويبدو أنّ إدارة بايدن ومن خلال ضغوطها الجديدة والجدية قد وضعت نتنياهو هذه المرة بين خيارين، خيار القبول باستراتيجيتها، أو خيار إسقاط حكومته، ويمكن إرجاع هذا القرار من قبل إدارة بايدن للأسباب التالية:
• رفض نتنياهو لخطة واشنطن البديلة لاقتحام رفح والتي سبق أن تمت مناقشتها بين غالانت والبنتاغون، وتتمثل بحصار غزّة واستهداف قيادات المقاومة فيها، واستخدام أجهزة مراقبة دقيقة.
• رفض نتنياهو لمناقشة خطط واشنطن لما يعرف باليوم التالي لوقف العدوان على غزّة.
• رفض نتنياهو لما عرف بالخطة المصرية القطرية لوقف النار والتي تمت بالتنسيق مع مدير المخابرات الأميركية "وليم بيرنز" بعد أن وافقت عليها حركة حماس بالتنسيق مع بقية الفصائل.
• رفض نتنياهو القبول بأي دور أو تشاركية مع السلطة الفلسطينية كما ترغب واشنطن ودول التطبيع العربية، وهو ما عبر عنه "بني غانتس في انتقاده لنتنياهو.
• الضغوط التي يمارسها نتنياهو على بايدن في الداخل الأميركي عبر اللوبي الصهيوني و"الآيباك" والكونغرس، والتي استغلها الجمهوريون في معركتهم الانتخابية ومارسوا الانتهازية في الكونغرس من خلال طرحهم لمشاريع قرارات تؤيد "اسرائيل" بالمطلق وتتعارض مع قرارات إدارة بايدن، وهو ما جعل النواب الديمقراطيين مضطرين للاختيار بين دعم "اسرائيل" أو دعم إدارتهم، حيث اضطرّ العديد منهم لاتّخاذ خيار دعم "اسرائيل" وتمرير مشاريع القرارات التي يطرحها الجمهوريون، وهو ما وضع إدارة بايدن في موقف محرج، وآخر تلك الممارسات الانتهازية تجلت من خلال إقرار قانون تزويد "اسرائيل" بكلّ ما تحتاجه من السلاح والذخيرة بعد أن كانت إدارة بايدن علّقت وبشكل مؤقت توريد قنابل زنة الواحدة منها 2000 رطل لـ"إسرائيل"، والقرار حظي بتأييد النواب الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين الذين فضلوا "اسرائيل" على إدارة بايدن.
• رفض نتنياهو مقايضة التطبيع مع السعودية بالتزام محدّد وواضح لإنشاء دولة فلسطينية، وبات معلومًا بأن التطبيع مع السعودية هو المطلب الأهم لواشنطن لتثبيت نفوذها في الإقليم من جديد في ظلّ الدخول الروسي والصيني الذي حقق اختراقات شرق أوسطية واسعة، وهو ما ركزت عليه محادثات مستشار الأمن القوميّ الأميركي جاك سوليفان في زيارته الجديدة للرياض قبل توجهه لـ"إسرائيل".
• إن واشنطن باتت على قناعة بأن سياسات نتنياهو ستقود بالنهاية إلى توسيع في الصراع لا يمكن لها السيطرة عليه أو التحكم والتنبؤ بنتائجه.
أخيرًا؛ فإنه من غير المستبعد بأن تكون المواقف الكلامية المتصاعدة والجديدة لدول التطبيع العربية ضدّ نتنياهو تأتي في سياق الضغوط الأميركية ذاتها وبتنسيق تام معها، وهو ما شهدناه مؤخرًا من مواقف مصرية وأردنية، وأخرى قطرية وإماراتية، وحتّى مواقف تركيا أيضًا، فهل يرضخ نتنياهو لضغوط إدارة بايدن أم أنه سيتمكّن من الإفلات عبر اللعب على وتر التنافس الانتخابي في الداخل الأميركي؟