طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الصياح العربي الرسمي.. هل من نهاية؟
20/05/2024

الصياح العربي الرسمي.. هل من نهاية؟

ابتدع العالم الروسي إيفان بافلوف نظرية في علم النفس الترابطي، تسمّى "نظرية رد الفعل الشرطي المنعكس"، وفيها باختصار يمكن ممارسة التعليم باستثارة الغرائز الطبيعية وربطها بمحفز ما، يتيح التحكم الكامل في الكائن، تعد أحد أهم استخدامات النظرية على الإطلاق في الحرب العالمية الثانية، حين كان الجيش السوفييتي يعاني مع الهجمات المدمرة للدبابات الألمانية واختراقها السهل لخطوطه، فتم تدريب الكلاب على اقتناص المدرعات الألمانية، بتجويعها ووضع طعامها تحت عربات مجنزرة، وحين تذهب الكلاب إلى ساحات المعارك يتم تفخيخها وإطلاقها لتفجير الآليات الألمانية، أو حتّى تعطيلها.

مساء يوم الأحد 19 أيار/مايو جرى شيء من هذا "التعلم الترابطي" لدى النخبة العربية، التي هي نكبة ثانية للأمة وللقضية، عقب انتشار أنباء عن حادث طيران تعرض له رئيس الجمهورية الإسلامية سماحة السيد إبراهيم رئيسي. كانت ليلة علا فيها صوت النباح من فضائيات عربية رسمية، ومن بعض مواقع التواصل الاجتماعي الموجهة، ومارست فيها الطبقة التابعة أقصى ما يمكن أن تصل إليه نفس بشرية في الحقارة والاستذلال، والارتماء على قدم العدو، واستكمال تقديم الخدمات المجانية، وطعن الثلة الشريفة المجاهدة، التي لا تزال واقفة بصمود مدهش في ساحات الشرف أمام أميركا والكيان، بدعم كامل ودائم ومستمر من طهران.

ليست مشكلة النخبة العربية المثقوبة في إيران تحديدًا، فالجميع كان يقبّل يد الشاه، من أمراء الخليج إلى بقية حكام الخيانة والعار، طالما كان الشاه أميركيًا، أما وقد صارت طهران إسلامية فقد بدأ العداء المنهجي القاطع -هو ليس طائفيًا فقط - هؤلاء مشكلتهم مع إيران أنها تكشف رخصهم وحجم الوهم الذي يبيعونه لمواطنيهم، فهي تقف أمام حصار أميركي منذ العام 1979، ومع ذلك فقد حققت تقدمًا يعز على من باع بلاده في هذا التاريخ ذاته، مقدمًا لهم وعد "الرخاء الأميركي"، وهو الآن يبيع بلده قطعة قطعة لمن يريد الشراء، من يريد الدفع.

جاءت الحادثة بعد "قمة عربية للتسابق في السقوط"، ربما تكون هذه هي المصادفة الوحيدة في التوقيت، فقد اجتمع رؤساء وملوك الدول العربية في البحرين - السعودية وفقدوا حتّى ألسنتهم، لم يتحدث أحد عن "حصار غزّة" ولم يطالب أحد بوقف "حرب الإبادة"، لم يتجرأ زعيم على طلب سحب سفراء الكيان من العواصم العربية، بالطبع "البطحة" على رؤوس الجميع، وإثم العدوان الصهيوني موزع بينهم، بينما تستمر طهران في تقديم الدعم للفصائل المقاومة، بكلّ ما أوتيت من طاقة.

بالنسبة للفارق المروع في الموقف، وبأعين وأقلام الغرب، لا إعلام المقاومة، فإن مجلة "ذي إيكونوميست" المرموقة تحدثت للمرة الأولى عن مستقبل الكيان في المنطقة بعد 7 شهور من الحرب "طوفان الأقصى"، فقالت: "الصورة قاتمة خارج غزّة، إذ شنّ حزب الله حرب استنزاف خاصة، ما أجبر عشرات الآلاف من المستوطنين شمال فلسطين على ترك منازلهم، والتهديد أصبح أكثر اتساعًا في المنطقة، حيث تُستهدف "إسرائيل" وداعمو حربها في البحر الأحمر، كما شنّت إيران هجومًا مباشرًا على الكيان"، مؤكدة أن الشكوك والانقسامات هي عنوان مستقبلها، رغم الوحدة التي أرادت الإيحاء بها في بداية "طوفان الأقصى".

دخول إيران إلى العمليات العسكرية في الشرق الأوسط مباشرة، وبهذا الحجم، والذي كان يشبه استعراض قوة له ما بعده، منح محور المقاومة ميزة نفسية هائلة في الصراع، الوزن الإقليمي والتاريخ وقيمة الروح الحضارية لدى إيران تفوق الكيان بألف مرة، وبالنسبة للمقاومة فقد جرى استدعاء "عملاق" للمواجهة العسكرية المباشرة، ومنح بالتالي إحساس التفوق والقدرة للمقاتلين على كلّ الجبهات.

هذه النقطة تحديدًا هي ما تخيف بعض أنظمة الورق العربية، فهي أكثر هشاشة وارتباطًا بالمصالح الغربية من الكيان، هذا الخوف الغريزي يدفهم للسخرية أو الشماتة، ككائنات منزوعة العقل والأعصاب والضمير، كائنات مسخ لا تنتمي للإنسانية من الأصل.

بالنسبة لطهران فإن حادثة مؤسفة كهذه، ومهما كان مقدار الألم الذي تحمله، لن تغير طريقها ومسارها، وهي ثورة اعتادت منذ اليوم الأول على عطاء الدم بإيمان وثقة، وعلى الترفع عن الدموع، والاستمرار بثبات هائل على طريقها الوحيد، لم تسقط الراية حين ارتقى آية الله العظمى الدكتور السيّد بهشتي، واستكملت الروح المؤمنة الصابرة طريقها، تتعلم وتستلهم وتطمئن وتزداد إصرارًا وعنادًا على فعلها العظيم.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف