معركة أولي البأس

عيد المقاومة والتحرير

25 أيار والتراكمات الاستراتيجية الموصلة للطوفان
26/05/2024

25 أيار والتراكمات الاستراتيجية الموصلة للطوفان


الطوفان في تعريفه اللغوي هو الفيضان العارم والسيل المغرق. وهو نتاج لتراكمات وتضافر لعدة منابع تتجمع لتشكّل هذا الفيض، حيث يجتمع الماء المنهمر من السماء مع العيون المتفجرة من الأرض لإنفاذ هذا الأمر وإغراق من يطاله الطوفان.

ولا شك أن طوفان الأقصى شكّل إغراقًا للكيان ورعاته بما يخرج به من خانة الشعار الرمزي إلى خانة الفعل الجاد والتحول الاستراتيجي، وهو ما يتمثل في انقلاب الوعي العالمي وإعادة إحياء قضية كانت في لحظاتها الأخيرة للتصفية والاندثار، وكشفت مكامن الضعف والوهن في الحلف الانجلو ساكسوني الراعي للكيان الصهيوني، والذي يقوم على عمودين جرت زلزلتهما:

1 - الدعايات الديمقراطية الزائفة لكسب قوة ناعمة، وهو ما تم فضحه.
2 - دعايات القوّة والفجوة والتخويف والحرب النفسية وزراعة اليأس، وهو ما تمت مواجهته والصمود أمامه وإبطال مفاعيله.
ولم يكن طوفان الأقصى وليد اللحظة، بل تتويجًا لتراكمات تاريخية وضربات كبرى في مفاصل العدوّ الحساسة، وهو ما شكّل تهيئة للوصول لهذه المحطة الوجودية الفاصلة والتي سيتوقف على نتائجها مستقبل المنطقة ومستقبل القضية المركزية فيها.

25  أيار في الميزان الاستراتيجي
المراقب لتحرير جنوب لبنان وبلورته في 25 أيار والذي أصبح عيدًا للمقاومة والتحرير، يدرك جيّدًا هذا التحول الاستراتيجي في الصراع مع العدوّ الصهيوني، حيث شكل خروج آخر جنديّ صهيوني من الجنوب تتويجًا لمسار مقاوم اتّخذ قرار المقاومة بمعزل عن العوامل الدولية والعربية والداخلية، بل كان قرار وخيار المقاومة وسط حرب أهلية ودون إجماع وافتقد لوجود دولة حامية وراعية، بل وشكّل صمود واستمرار المقاومة إعادة للملمة الدولة وتشكيل حد أدنى من الإجماع وشكّل تعافيًا ومعادلة جديدة تمت صياغتها بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.

وبالتالي شكل انتصار المقاومة في العام 2000 سابقة تاريخية بهزيمة العدوّ على يد المقاومة بشكل غير تقليدي يستلزم وجود دولة وتحالف دولي وعربي وجيوش نظامية.

وهو ما حاول العدوّ، بعد أن أدرك خطورته الاستراتيجية، إزالته في العام 2006، للقضاء على هذه السابقة ومحوها، ولكن المقاومة أكدت انتصارها في حرب تموز لترسخ هذه القاعدة والمعادلة الملهمة والمشجعة لكل حركات المقاومة.

طوفان الأقصى وتتويج التراكمات
ولا شك أن طوفان الأقصى اندلع محملًا بهذه التراكمات ومستندًا إلى ظهر الانتصارات التي حدثت وسط تحديات كبرى وخذلان عربي. فلم يعد في مخيلة المقاومين أن النصر مرتبط بدعم المحيط الرسمي العربي، وإنما مرهون بإرادة المقاومين وتمسكهم بالثوابت وبإسناد محور مقاوم شكلته التحديات.

ومن هنا انطلق الطوفان مستندًا إلى ركن وثيق من محور مقاوم لن يخذل المقاومة، ومن ثبات وشجاعة وإصرار المقاومين على الأرض، ومن إيمان راسخ بالنصر رغم الخسائر والكلفة والتضحيات، وأن المقاومة ليست انتحارًا أو إلقاء للنفس في التهلكة وإنما ثمن لنصر مضمون ثبتته التجارب التاريخية وأبرزها ما حدث في لبنان.

لا شك أن القرارات الاستراتيجية الكبرى تتم دراستها بعناية وبميزان عسكري وقبله ميزان عقائدي وخاصة لدى المقاومات الإسلامية، حيث تخضع قرارات الحرب دومًا لتشخيص المصلحة العامة، وهو ما يجعل هناك مراوحة بين الصبر الاستراتيجي وبين قرار الحرب. ولكن النقطة الفاصلة التي لا يتردّد عندها المقاومون هي التخيير بين الحرب والمذلة، وقد ألهمت المقاومة في لبنان الجميع بشعارها الحسيني الراسخ "هيهات منا الذلة".

إقرأ المزيد في: عيد المقاومة والتحرير