ابناؤك الاشداء

عيد المقاومة والتحرير

من تحرير العام ألفين إلى طوفان الأقصى.. حكاية مقاومة
27/05/2024

من تحرير العام ألفين إلى طوفان الأقصى.. حكاية مقاومة

إلى بنت جبيل القلوب والهة، للقاء سيد المقاومة، في ملعبها الذي تحول رمزًا. هبت جموع الأهل والأحبة، للقاء سيدها، هذه المرة ليس عبر شاشات التلفاز، بل وجهًا لوجه تلقي سلامها عليه وتكحل عيونها برؤيته، بينما كانت الحشود تتقاطر من كلّ حدب وصوب، وهي تفيض حبًا وشغفًا للقاء تسيل منه جداول أفراح النصر من عيون اغرورقت بدموع العشق، كان القائد الأمين يرسم معالم المرحلة ويضع خارطة طريق قادم الأيام. لم يهدأ أو ينضب بحره، وعيناه آخر المدى، تلمح أفق النصر الموعود ونهاية مسار التحرير الذي سيكون هناك، في فلسطين.

رسم سيد المقاومة معادلات الألفية الثانية، وصورة المستقبل الآتي مزهوًا ومكللًا بالنصر. أهدى التحرير لجموع اللبنانيين، وللعالم العربي المنهزم منذ الـ1967، قدّم لهم نموذجًا لمقاومة أزهرت نصرًا وأثمرت تحريرًا، ليدفن معه نموذج سلام الاستسلام الذي بقي يدور لعشرات السنين في حلقات مفرغة وفي دائرة التبعية والارتهان. هناك على رمال ملعب التحرير وحبيبات ترابه الغالية حجّم سماحة القائد جيش العدوّ الذي قيل إنه لا يقهر، أعاده مقهورًا خائبًا مندحرًا،، وثبّت بالبينة أن كيان "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت.
من عاصمة التحرير علت صرخات وهتافات فرحة النصر الذي حققه المقاومون البواسل.، ثلاثة أشهر فقط وكان صدى خطاب سيدهم وهتافهم يتردّد في فلسطين انتفاضة أقصى هبّت بأجساد عارية وبالحجر والسكين ثمّ استحالت في وقت قصير إلى عمل مقاوم واستشهادي.

تداعيات التحرير الأول عام 1985 من بيروت وصيدا وصور أنبتت بعد عامين انتفاضة فلسطينية أولى عام 1987. إنها المقاومة تتعلم من تجارب الماضي، وتعرف عمق الارتباط الجغرافي والمعنوي بين لبنان وفلسطين. كانت تعلم مسبقًا أن بركات تحرير جنوب لبنان ستوصل إلى انتفاضة فلسطينية ثانية تهز الكيان الغاصب، وكانت تعلم أن بشائر النصر المؤزر ستلوح هناك في غزّة طلائع تحرير فلسطين، وهذا ما حصل عام 2005، ومنذ ذلك الحين وفي 20 عامًا تحوّلت غزّة التي خرجت من تحت نير الاحتلال إلى حصن عصيّ ومنيع للمقاومة أقلق العدوّ وفرض عليه معادلات جديدة.

عشرون عامًا وغزّة تقاوم وتعد العدة، ورغم حصارها ورغم جولات العدوان المتكرّرة عليها بقيت صامدة مضحية حتّى سطّرت ملاحم البطولة في طوفان الأقصى ووقتته في السابع من أكتوبر زمن آخر الحروب العربية، مع ما يحمل ذلك في طياته من دلالات تبشر ببزوغ فجر جديد. فما نشهده اليوم في غزّة، مشهد مكمل لمسار قطار التحرير الذي انطلق في 25 أيار عام 2000 والذي ثبّت بالتجربة والفعل فعالية وجدوى المقاومة، وقدّم النموذج المحتذى لكل من يسعى لتحرير أرضه من محتل غاصب، مخرجًا الأمة من عصر الهزائم إلى عصر الانتصارات ومشعلًا جذوة المقاومة، التي ما انطفأت يومًا منذ تأسيس الكيان الغاصب، لكن التحرير حقنها ببريق الأمل بالنصر الموعود، فكانت الانعطافة التاريخية يوم زخّم شعب فلسطين مقاومته ولقم سلاحه، حين استشعر حجم المؤامرات الغربية والخذلان العربي وتيقن أن التضحيات تثمر نصرًا بانتهاج خيار المقاومة.
 
ربع قرن كان كفيلًا باستعادة الشعوب العربية بوصلتها فعادت فوهات بنادقها ومسيّراتها وصواريخها لتدك حصون جيش العدوّ من كلّ حدب وصوب، مجسدة تشابك ووحدة الساحات، فغزّة التي لا تبلغ مساحتها 360 كيلومترًا مربعًا، جمعت حولها العالم ولم تنكسر، وباتت جامعات أميركا وأوروبا تهب لنصرتها، وباتت دول تقر بأحقية شعب فلسطين بدولة، ومحاكم دولية تلاحق الجزارين بحق أطفالها، وشعوب تتظاهر أمام مقار دوائر القرار العالمي نصرة لقضيتها. باختصار صحوة الأمة من غفوتها بفضل تحرير عام 2000 أضحت نهضة عالمية اليوم بفعل تراكم إنجازات المقاومة وطوفان الأقصى.

إقرأ المزيد في: عيد المقاومة والتحرير