آراء وتحليلات
المرحلة النهائية للصراع مع الصهاينة ومنظومة الاستعمار
لا شك أن جميع التحليلات والاستنتاجات والرهانات الخاطئة في المعركة الراهنة تنبع من تجاهل خصوصيتها وسمتها المميزة وعنوانها العريض وهو أنها معركة وجودية.
ووجودية هذه المعركة ذكرها أكثر من مرة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، كما لخصها سماحة القائد آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي في أحدث خطاباته عندما قال نصًا: "عملية طوفان الأقصى شكلت ضربة قاصمة للكيان الصهيوني ولن يتعافى منها، ووضعت هذا الكيان على طريق سينتهي بزواله".
وتنبع الرهانات الخاطئة من تصور أن التسويات يمكن أن تنتج أوضاعًا تعود بالزمن إلى الوراء كما حدث في كامب ديفيد، حينما تحولت نتائج المكاسب العسكرية والتهديد الوجودي الذي عاشه الكيان بعد ساعات من نشوب الحرب، إلى نكسات سياسية تنتج من وضع أوراق اللعبة بيد الأمريكي والرضوخ لأوهام سلام تفرط في منجزات الجبهات وتهدر ثمار الدماء والتضحيات، رهانًا على مؤتمرات وخطابات وتصريحات ووعود مؤجلة ويكون مطلقها والضامن لها هو الشيطان الأكبر الذي يقود العدوان.
وهناك من الأنظمة والنخب بالمنطقة من لا يزال يتعاطى بنفس الروح الانهزامية التي لا تتصور أنه يمكن تحقيق النصر على امريكا والكيان وأن الخيانة والتواطؤ والعار أقل كلفة من المواجهة وتبعاتها، رغم رؤيتهم لثلة قليلة من المقاومين وهم يمرغون أنف العدو وأمريكا ويدفعونهم للحماقة والارتباك والتخبط ويعصف صمودهم بالإستقرار الداخلي للكيان ورعاته.
وهنا، ولأن المعركة وجودية، فهي صفرية وبين معسكرين، أولهما منظومة الإستعمار التي تتخذ ذراعًا رئيسية ممثلة بالكيان الصهيوني، وأذرع فرعية هي بكل أسف معظم الأنظمة الرسمية العربية ونخبها وإعلامها المتواطئ، ومنظومة المقاومة التي تتصدر واجهتها المقاومة الفلسطينية بحكم طبيعة المعركة الراهنة ومعها وفي مساندتها كل محور المقاومة بحركاته وجمهوره وإعلامه.
ولا تقبل هذه المعركة هدنة من النوع الذي يؤجل نصر أحد الطرفين، وإنما تقبل نصرًا استراتيجيًا لأحد المنظومتين: إما نصر العدو وفرض إرادته وتكريس أوضاع تحول دون تعافي المقاومة لعقود طويلة وتمكين لمنظومة الاستعمار بفرض نظام اقليمي تطبيعي وحصار شامل وعزلة لجميع أطياف المقاومة وتصفية للقضية المركزية. وإما بنصر المقاومة ومحورها وتكريس معادلات جديدة تجبر العدو على الإنزواء والتراجع والخضوع لمعادلة التآكل الذاتي والمنحى الهابط حتى الزوال بطريقة ناعمة، أو المواجهة الشاملة والحرب الكبرى والتي سيترتب عليها أيضًا زوال الكيان بطريقة خشنة مهما كانت التضحيات.
ولعل جميع المحاولات الدولية والأمريكية منذ بداية المعركة ذهبت إلى تفادي هذه المرحلة النهائية التي يخير فيها العدو بين الزوال الناعم والخشن، عبر محاولة تحقيق نصر ساحق للعدو ينهي كابوس المقاومة داخل فلسطين وكابوس وحدة الساحات بالإقليم.
ومع ثبوت فشل هذه المحاولات تزامنًا الصمود الأسطوري للمقاومة ووحدة الساحات، ربما الخيار الأمريكي الراهن هو تأجيل الوصول لهذه المرحلة ومحاولة العودة لمعادلة موروثة من حقبة أخرى قبل الطوفان، ومفادها هدنة طويلة وتعهدات بعدم الإشتباك، على أمل خلق منظومة جديدة مثل أوسلو، والتي تكون فيها المقاومة رقمًا هامشيًا يذوب تدريجيًا مع الحصار الخانق، ومع تعميق عزلة محور المقاومة عبر خلق منظومة تطبيع اقليمي ترفع من أسهم الكيان وتحط من أسهم محور المقاومة.
وهذا الرهان الأمريكي الذي أيقن أن المواجهة الشاملة وسط مواجهة أخرى محتملة في شرق أوروبا مع روسيا ستكون بمثابة انتحار امريكي وفقد مؤكد لأحد المسرّحين، إن لم يكن كلاهما.
وبالتالي فإن الرهان الأمريكي المفضل حاليًا يركز على الدفع باتجاه كامب ديفيد أو أوسلو، وتركيز الحديث عن اليوم التالي هربًا من كابوس اليوم الحالي. ويظل الدعم الأمريكي للكيان باقيًا في جميع الحالات بما فيها المواجهة الشاملة والحرب الكبرى ولا بد وأن تسقط الرهانات الساذجة على امكانية تخلي امريكا عن الكيان أو تفاقم الخلاف بينهما أو وصوله لقطيعة.
لا شك أن حكومة (المجانين) الصهيونية على حد وصف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، هي الوجه الأصدق للمشروع الصهيوني الرافض لأي وجود فلسطيني أو أي دولة حتى مقطعة الأوصال، ولا شك أن هذا المسار الذي تقوده هذه الحكومة سيصل سريعًا للمرحلة الأخيرة من الصراع، وهي نقطة التخيير بين الزوال الناعم والخشن، وهي النقطة التي تحاول أمريكا تأجيلها فقط.
وتدرك المقاومة أن النصر حتمي في هذه الجولة، وهو انسحاب العدو ووقف كامل لإطلاق النار لأنه يعني دخول العدو في مرحلة الردع من المقاومة والوصول لخيار التآكل الذاتي والزوال الناعم، وأن أي تجاوب مع محاولات امريكا بتمييع التسوية هو استراحة محارب للانقضاض على المقاومة وتصفيتها.
هنا نحن في المرحلة النهائية من الصراع والذي تحددت أطرافه في أشرس وأحقر الوجوه الصهيونية والأمريكية، وأوقح الأنظمة والنخب العربية الخيانية، في مواجهة أنبل وأشجع حركات المقاومة ودولها وجمهورها الصامد.
قد تطول هذه المرحلة، ولا يشترط أن تندلع فيها المواجهة الشاملة بحرب كبرى سريعة، ولكنها تتميز بأعلى درجات الفرز ولا تقبل الحلول الوسط وتمييع الصراع والعودة بالزمن والمعادلات الى الوراء.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024