آراء وتحليلات
بوتين في رده على تسليح أوكرانيا: السلاح مقابل السلاح وأكثر
إن الشرق الأوسط، ومحور المقاومة على وجه التحديد، هو المقصود بكلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما ألمح إلى إمكانية تزويد أعداء الولايات المتحدة بالسلاح ردًّا على تزويد أوكرانيا بالسلاح والسماح لها باستهداف الأراضي الروسية.
ما قاله بوتين بالضبط عندما سُئل يوم الخميس عن رد بلاده على سماح الغرب لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل حدود روسيا المعترف بها دوليًا هو الآتي:
"إذا كان هناك من يرى أن من الممكن توريد مثل هذه الأسلحة إلى منطقة قتال لضرب أراضينا وخلق مشاكل لنا، فلماذا لا يحق لنا أن نورد أسلحة من الصنف ذاته إلى مناطق ستوجه انطلاقًا منها ضربات إلى مواقع حساسة تعود لتلك الدول التي تقوم بمثل هذه الخطوات تجاه روسيا"؟.
يحتمل كلام بوتين التأويل التالي:
"في حال قامت واشنطن بتزويد أوكرانيا بالسلاح لاستخدامه لضرب الأراضي الروسية، فإن روسيا ستفكر بالرد بالمثل أو بشكل غير متماثل -يقصد بشكل أوسع- عبر نقل السلاح إلى مناطق في العالم بحيث يتم استخدامه ضدّ أهداف أميركية حساسة".
- لم يحدد بوتين ما إذا كان هذا التلويح يشمل دولًا أو كيانات أو فصائل معادية للولايات المتحدة، وهو بذلك ترك عن قصد الباب مفتوحًا، ما يعني أن صانع القرار الأميركي سيذهب به التفكير إلى احتمال أن تشمل خيارات بوتين كامل مكونات محور المقاومة سواء كانت دولًا أو فصائل.
- لا يحتاج الأميركي إلى العودة بالذاكرة بعيدًا، بل يكفيه أن يتذكر الاستهدافات المكثفة والموجعة التي كانت تتعرض لها قواته المتمركزة في غرب آسيا، وتحديدًا في سورية والعراق، وأضيف إليها الأردن لاحقًا، وهذه الاستهدافات التي خفّت وتيرتها مؤخرًا لإفساح المجال لعدم توسعة الصراع والوصول إلى حلّ يوقف العدوان على غزّة، ويفسح المجال لتسوية تنتهي بخروج الأميركي من غرب آسيا، يمكن لها أن تعود بقوة أكبر من السابق وأكثر تأثيرًا.
- كان من اللافت أنه وفي اليوم التالي لإعلان إدارة بايدن سماحها لأوكرانيا باستهداف الأراضي الروسية بالسلاح الأميركي، قامت القوات المسلحة اليمنية باستهداف حاملة الطائرات الأميركية إيزنهاور في البحر الأحمر وأكدت مصادر عدة بما فيها المصادر الروسية إصابة حاملة الطائرات الأميركية على الرغم من شبكة الدفاع الجوي الواسعة التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة وبمشاركة دول عدة.
- كان لافتًا أيضًا الإعلان من قبل وزارة الدفاع الروسية عن تدريبات مشتركة للطيران الحربي السوري الروسي شملت الحدود الجنوبية والشرقية من سورية.
- وأيضًا كان لافتًا البيان الصادر عن المقاومة الإسلامية - حزب الله والذي كشف فيه عن استخدام صواريخ دفاع جوي للمرة الأولى ضدّ الطائرات الحربية "الإسرائيلية"، والتي اضطرتها للهروب من الاجواء اللبنانية.
قد لا يكون من المؤكد الربط المباشر بين تلك الحوادث والملف الأوكراني، لكنّه بالتأكيد يعطي مؤشرًا ولو غير مباشر على الأقل في توقيته بالحد الأدنى، وبالتأكيد فإنه وفي إطار تبادل الرسائل التكتيكية ذات البعد الاستراتيجي في الصراع، فإنه من غير المنتظر واللائق اليوم أن نسمع تصريحات رسمية تؤكد الربط بين هذه وتلك، لأن عتبة الخيار الدبلوماسي والحل السياسي ما زالت قائمة على الرغم من اشتداد الصراع وتطوّراته ومراحله.
وليس بالضرورة أن يكون تزويد روسيا لدول محور المقاومة بالسلاح المقصود -سيتم أو تمّ- بشكل مباشر عبر توريدات علنية وصفقات يحضرها الإعلام، وكما هو معروف فإن إيران تقوم بذلك بشكل واضح ومصرح به من قبل مسؤوليها، وكذلك الأمر بالنسبة لمكونات المحور في ما بينها وعلى الأخص سورية، بمعنى أن التنسيق في هذا الأمر ليس بعيدًا عن موسكو.
كما أنه ليس بالضرورة أن يكون الموضوع متعلّقًا بالسلاح بحد ذاته، فلربما يكفي في هذا الأمر توريد تكنولوجيا صناعة السلاح أو تكنولوجيا تطويره، والأمثلة على ذلك كثيرة وملموسة وخاصة منذ المعركة الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023.
إن الصراع من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وإلى مناطق أخرى في العالم، هو صراع ضدّ الاستكبار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وضد الهيمنة الأميركية على العالم، وصحيح أن القوى المناهضة لتلك الهيمنة والاستكبار لا تسعى حتّى اليوم للتشبيك بين ميادينه العالمية، لكن الولايات المتحدة التي تعمل على إشعال الحرائق على امتداد الجغرافية العالمية تتعاطى معه على أنه صراع واحد مرتبط بوجودها كقطب أحادي يسعى للاستمرار والبقاء على عرش الهيمنة.
ولعلّ ما قالته الكاتبة والصحفية الاسترالية كيتلين جونستون كان الأكثر دلالة على ذلك: "تصبح الأمور أكثر وضوحًا عندما نفهم أن إمبراطورية الولايات المتحدة ليست حكومة وطنية تدير مجموعة من العمليات العسكرية العالمية، إنها عملية عسكرية عالمية تدير حكومة وطنية".
إن الترابط الوثيق بين الشرق الأوسط والساحة الأوكرانية هو ترابط حقيقي وليس بجديد لجهة الصراع بين الغرب الجماعي والشرق الصاعد، وقد لا ينطبق ذلك على معركة طوفان الأقصى بحد ذاتها، لكنّه ينطبق بالتأكيد على معركة إخراج الأميركي من غرب آسيا. .
أخيرًا؛ فإن خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن في الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي والذي تضمن لهجة تصعيدية ضدّ روسيا وإصرارًا على مواجهتها عبر أوكرانيا، يؤكد أن واشنطن ذاهبة إلى أبعد حد في المواجهة، لكن في ذات الوقت فإن على إدارة بايدن أن تدرك أن تهديدات الرئيس الروسي جاءت في توقيت قاتل بالنسبة لإدارة بايدن التي تدخل مرحلة حرجة من السباق الانتخابي للرئاسة، وسط نقص في مخزونات الذخيرة والسلاح بسبب الحرب في أوكرانيا والحرب في غزّة، وتحتاج إلى تعويض النقص الحاصل عندها، ووسط مزيدٍ من التمرد على سياساتها على الصعيد العالمي، وتفلت العديد من الدول من قبضة الهيمنة الأميركية.