آراء وتحليلات
السلام في أوكرانيا: بين مؤتمر سويسرا ومبادرة بوتين
اختتمت منذ يومين أعمال مؤتمر السلام حول أوكرانيا في منطقة "بيرجنستوك" في سويسرا، والذي انعقد لمدة يومين بمشاركة 102 دولة وهيئة ومنظمة، وصدر عن المؤتمر بيان ختامي لم يرق إلى مستوى الحدث الذي جرى التسويق له على المستوى الإعلامي والسياسي منذ أشهر بدعم من دول الغرب الجماعي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
من حيث الشكل:
أولًا: جاء انعقاد المؤتمر في سويسرا التي لم تعد دولة محايدة وفقًا لتوصيفات السياسة الروسية، التي حرصت طوال العامين الفائتين على اتهامها بالتخلي عن حياديتها والاصطفاف إلى جانب الغرب الجماعي والولايات المتحدة بعد أن انضمت إلى العقوبات المفروضة على موسكو.
ثانيًا: من أصل 160 دولة ومنظمة عالمية تم توجيه الدعوة لها لحضور المؤتمر، شاركت 102 دولة ومنظمة وهيئة، ضمت دول مجموعة السبع، ودول الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة، وبعض دول أميركا الجنوبية، وعدداً قليل جدًّا من دول الجنوب العالمي.
ثالثًا: شكل الامتناع عن دعوة روسيا إلى المؤتمر على اعتبارها أحد الأطراف الرئيسية في الحرب الأوكرانية واحدة من أهم العوامل التي أفقدت المؤتمر قيمته وقدرته على تحقيق نتاىج ملموسة.
رابعًا: شكل غياب جمهورية الصين الشعبية، وهي الحليف الرئيسي لروسيا، الصفعة الأهم لهذا المؤتمر بالرغم من المحاولات الحثيثة لإقناعها بالمشاركة، وهو ما رفضته بكين مبررةً غيابها عن المؤتمر بعدم جدوى انعقاده في ظل عدم مشاركة موسكو.
خامسًا: خفضت العديد من الدول المهمّة وخاصة دول البريكس من مستوى مشاركتها وتمثيلها في المؤتمر، واكتفت بإرسال مبعوثين أو وزراء، وشمل ذلك كلًّا من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والسعودية وغيرها.
البيان الختامي للمؤتمر:
جاء البيان الختامي للمؤتمر هزيلًا، سواء لجهة الموقف من روسيا على عكس ما كانت تنتظر كييف وواشنطن ووفق ما دلت عليه كلمات الزعماء الغربيين المشاركين، والتي شددت على ضرورة انسحاب روسيا من المناطق التي ضمتها كشرط لبدء المفاوضات، أو لجهة عدم تضمينه خطة واضحة للسلام في أوكرانيا، وهو الغرض الحقيقي الذي ادعى المنظمون أنهم يسعون إليه من خلال المؤتمر.
وتضمن البيان الختامي عبارات عامة فضفاضة لا قيمة واقعية أو حقيقية لها، ويمكن تلخيص ما جاء فيه بالآتي:
"التزام الدول المشاركة بالامتناع عن التهديد أو استخدام القوّة ضدّ السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، ومبادئ السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول، بما في ذلك أوكرانيا، داخل حدودها المعترف بها دوليًا، بالإضافة إلى بعض الجوانب التي وصفها البيان بالحاسمة، وشملت أمن المنشآت والطاقة النووية بما فيها محطة زاباروجييه التي دعا البيان لإعادتها واخضاعها للسيادة الأوكرانية، وكذلك الأمن الغذائي العالمي المتعلّق بالملاحة البحرية والموانئ على البحر الاسود وبحر آزوف، بالإضافة إلى جانب إنساني متعلّق بتبادل الأسرى بين الجانبين"؟
ولا بد من الإشارة هنا في ما يخص البيان الختامي إلى امتناع 12 دولة ومنظمة وهيئة مشاركة في المؤتمر عن التوقيع على هذا البيان، وضمت القائمة كلًا من الهند والبرازيل، والسعودية والإمارات والفاتيكان وغيرها، وهو ما شكل عاملًا إضافيًا وعلامة على فشل المؤتمر الذي قال عنه المتحدث باسم الرئاسة الروسية "ديمتري بيسكوف" إن نتائجه تقارب الصفر.
الموقف الروسي من المؤتمر:
حرصت موسكو قبل أشهر من انعقاد المؤتمر على التعبير عن رفضها للمؤتمر، وأكد كبار المسؤولين الروس أنه بلا جدوى طالما أن روسيا غير مشاركة فيه، وبلا شك فإن موسكو استخدمت نفوذها وعلاقاتها مع العديد من الدول وهو ما نتج عنه امتناع العديد منها عن المشاركة، فيما خفضت العديد من الدول المشاركة من مستوى تمثيلها لعدم استفزاز روسيا، ورفضت دول عديدة التوقيع على البيان الختامي كما أسلفنا.
وبشكل عام فإن روسيا أثبتت قدرتها على قطع الطريق على واشنطن والغرب الجماعي من خلال امتناع معظم دول الجنوب العالمي عن المشاركة في المؤتمر، وهو ما شكل واحدًا من أهم الأهداف التي كانت تسعى إليها واشنطن في محاولة منها لعزل روسيا عبر استقطاب دول الجنوب ولو على المستوى السياسي أو الدبلوماسي.
وفي إطار الموقف الروسي الرافض للمؤتمر، جاءت مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل يوم واحد من انعقاد مؤتمر سويسرا لتشكّل ضربة استباقية للمؤتمر، وتسحب البساط من تحت رعاته ومنظميه، ولتجهز على أي قيمة حقيقية له، وتسقط أهدافه الخفية قبل انعقاده.
تضمنت مبادرة بوتين للسلام في أوكرانيا:
* اعتراف أوكرانيا بالحدود الجديدة لروسيا الاتحادية بما فيها المقاطعات الجديدة التي ضمتها روسيا مؤخراً، وتشمل القرم وسيفاستوبول، وإقليم الدونباس، ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيه، على أن تنسحب القوات الأوكرانية من الحدود الإدارية لتلك المقاطعات.
* أن تعلن كييف بشكل واضح أن أوكرانيا دولة محايدة، ولن تقوم بالانضمام للناتو، أو تسمح بنشر قوات للناتو على أراضيها.
* ضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية في أوكرانيا بشكل كامل، بالإضافة إلى نزع السلاح ومحاربة النازية.
* إن روسيا ستقوم بوقف عمليتها العسكرية وستبدأ مفاوضات سلام مع أوكرانيا في حال التزمت بالشروط الروسية.
* تثبيت كلّ هذه الأحكام المحورية والأساسية للتسوية في شكل اتفاقيات دولية أساسية، والتأكيد على أن حل النزاع يتضمن إلغاء جميع العقوبات المفروضة على روسيا من قِبل الغرب.
من خلال المبادرة التي طرحها فإن بوتين يقدم عرضاً للقبول باستسلام أوكرانيا والغرب الجماعي مقابل السلام، ومن المعروف عن بوتين أنه يختار كلامه بعناية ودقة شديدة، وهو قد حذّر من أن رفض المبادرة يعني أنه ستكون هناك شروط جديدة، ومن غير المستبعد أن بوتين يهدّد بضم خاركوف وأوديسا لروسيا، ومن ثمّ ضمهما للشروط الروسية الجديدة في حال رفض مبادرته الحالية.