طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

تعليمة "ملف التعويضات" في أدبيات المعادين للمقاومة
22/06/2024

تعليمة "ملف التعويضات" في أدبيات المعادين للمقاومة

قبل أن تنتهي الحرب وتُحصى الأضرار، وقبل أن يجفّ على التراب الدم المبذول صونًا للأرض، انبرت أصوات "لبنانية" تستنكر أن تمنح الدولة اللبنانية أيّ تعويض أو مساعدة للمتضرّرين من الحرب في الجنوب. وعلى نحو أدقّ، يمكن القول إن "تعليمة" الحديث عن التعويضات ورفضها واستخدامها في سياق الموقف المعادي للمقاومة جاءت مع بدء الحرب، ودخلت في أدبيات الجوقة السياسية والإعلامية المناهضة للمقاومة فعلًا وفكرًا وبيئةً وسلاحًا. ولعلّ من الدوافع الأساسية للإكثار من الحديث في موضوع أحقيّة أبناء الجنوب المتضرّرين بالتعويض المادي هو صناعة القلق لدى هؤلاء، ودفعهم إلى التخلّي عن خيار دعم المقاومة حرصًا على ممتلكاتهم، ما يعني أن المتحدّثين يصرّون على التعبير عن جهلهم بثقافة وأصل النّاس وطبيعة ارتباطهم بالمقاومة.

بداية، أن تقدّم الدولة تعويضًا ماديًا لمتضرّر في حرب عدوانية هو حقّ طبيعيّ للمتضرّر، ولا منّة لأحد عليه، سواء أعجب ذلك سائر مكوّنات البلد أم لم يعجبهم. وإن كان الشّرف الوطنيّ لم يحقّق إجماعًا حوله، فلا غرابة ألّا يحظى ملف التعويضات بإجماع. وتصبح الصورة أشدّ وضوحًا حين تُرى أسماء الممتعضين الرافضين للتعويضات على أهل الجنوب، وحين يتصدّر الموضوع اهتمامات المؤسّسات والمواقع الإعلامية المعروفة باستبسالها في خدمة المعسكر الخارجي. هنا، يصبح الأمر طبيعيًا جدًا، ولو قال هؤلاء غير ذلك، لتسبّبوا بصدمة حقيقية.

أوّل المبادرين إلى إثارة الموضوع امتعاضًا ورفضًا كانوا بطبيعة الأحوال الناطقين باسم "القوات اللبنانية" وعلى رأسهم سمير جعجع، قبل أن تتقدّم النائبة غادة أيوب بسؤال إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر رئاسة مجلس النواب "حول مشروعية تأمين اعتمادات من احتياطي الموازنة العامة لتغطية دفع المساعدات لبعض ورثة الشهداء بفعل قرار حرب لم تتّخذه الحكومة اللبنانية". بالنسبة للنائبة وحزبها، يرتبط الحق بالتعويض بقرار حكوميّ! وفي هذا المنطق الذي يبدو ساذجًا للوهلة الأولى الكثير من المضامين التي تصبح طبيعية قياسًا بانتماء النائبة الحزبي والسياسي.

من جهتهم، لم يتأخّر الكتائبيون عن الالتحاق بالموقف نفسه، فالتعليمة واحدة، ولا يهمّ من سبقَ إلى التعبير عنها، وكلّ بطريقته، فرأينا سامي الجميل يتناول الموضوع بلمسة عاطفية معبّرًا عن حزنه الشديد حيال الأمر: "الموضوع يحزنني لأن في حزب الكتائب هناك أكثر من 5000 شهيد استشهدوا دفاعًا عن لبنان فهل فكّر أحد أن يعترف بشهادتهم؟!". يعرف سامي طبعًا ألّا مجال للمقارنة بين من يقاتل ضدّ عدوّ همجيّ ومن يقتل الآخرين في أزقة الحرب الأهلية، لكنّه أراد بذلك اللعب على وتر إثارة النعرات الطائفية بشكل غير مباشر، ومحاولة تقديم نفسه وحزبه كحالة "مقاومة" في ما يعرف القاصي والداني ما الذي يعنيه اسم "الكتائب" في الحرب الأهلية. أمّا نديم الجميّل، فقد أحبّ أن يضيف شيئًا من انفعالاته التصعيدية المعتادة إلى التعليمة ذاتها، فأعلن أنّه "في حال أُقرّت الخطّة، (أيّ خطة التعويض) لن نتأخّر عن العصيان المدني ووقف دفع أيّ ضرائب ورسوم للدولة اللبنانية، الّتي رُغم الإفلاس تُصرّ على صرف الأموال، بعد مغامرات ميليشيا خدمةً لأجندة خارجيّة لا تمتّ بصلة بلبنان". ولا يمكن التعليق ها هنا، فانفعالات نديم الجميّل تأتي دائمًا فضفاضة وغير ذات قيمة حتّى في الداخل الكتائبيّ الذي يرى فيه ترجمة لخيباته المتراكمة.

وبعد، الهدف من إثارة مسألة التعويضات هو القول للمتضررين من أهل الجنوب، ولذوي الشهداء، ألّا حقوق لكم في البلد بسبب التفافكم حول مقاومتكم؛ وبلسان هؤلاء، هذه المقاومة هي نحن، هي روحنا وحصننا، لم نلتحق بها لتحقيق غاية ماديّة كي ننفصل عنها حرصًا على "تعويض مادي". وأمّا التعويض فهو حقّ لنا، وأمّا الخيارات، فهي حقّنا وواجبنا، وأمّا خياراتكم فنعرفها أبًا عن جدّ، ونعرفكم.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف