خاص العهد
"ما كان لله ينمو".. مبادرةٌ مجانية لدعم الطلاب في دراستهم
لا شك بأنّ بناء المجتمع وتحصينه هو من المهمات الأساسية المُلقاة على عاتق كلّ فردٍ من أفراد المجتمع، وهذا البناء يحتاج لدعائم متعددة، منها "المبادرات المجتمعية" بمختلف مجالاتها وأنواعها، والتي تسهم بإيجاد الحلول للمشاكل التي تواجه الأفراد، وتتيح لهم التواصل والتعاون مع بعضهم البعض، وتساعد على تعزيز التعاون بين جميع الأطراف لتحقيق الأهداف الموضوعة، فكيف إذا كان الهدف هو بناء مجتمع مهدوي، فينتفع المسلمون ممّا ينتجه، ويستفيدون من قوته الإيمانية والعلمية بما يزيد من تمسّكهم بإيمانهم وتعزيز حضورهم المؤثر في مجتمعاتهم.
من هنا كانت مبادرة "ما كان لله ينمو"، فهي مبادرة غير ربحية توفّر مكانًا للطلاب ليتسنى لهم الدراسة في ظروفٍ وأجواءٍ ملائمة، سعيًا منها للوقوف إلى جانبهم في ظلِّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفرصة أمامهم لإيجاد المناخ الملائم للمطالعة خصوصًا في ظلّ العطلة المدرسية، من دون الحاجة لارتياد المقاهي وغيرها من الأماكن التي لا توفّر هكذا مناخ.
وفي هذا السياق، يقول صاحب مبادرة "ما كان لله ينمو" الشيخ عبد الرضا حلال في حديثٍ لموقع العهد الإخباري إنّه: "لم يكن الهدف من المبادرة أنّ تكون مشروعًا، وفكرتها بدأت كصدقةٍ جارية بنية شفاء الوالدة، وعن روح والدة أحد الأصدقاء الذي كان مستأجرًا للمكان الذي حولناه مركزًا للمبادرة، منذ عدة أشهر من دون الاستفادة منه"، ولفت إلى أنّ الاقتراح الأول كان أن يجري تحويل المكان إلى مصلى، وعليه بدأنا بجمع التبرعات، مع التزامنا الكامل بأنّ هذا المكان لا يمكن أنّ يكون بديلًا عن المسجد".
وأشار حلال إلى أنَّ فكرة الدمج بين المصلى وإقامة مكان للدراسة جاءت من تجربة قديمة حصلت معه عندما كان طالبًا، وبسبب بعض الظروف الخاصة به، كان يضطر للذهاب إلى جمعية قريبة من منزله ليكمل دراسته، وذلك لأنّ الجمعية كانت مجهزة لوجستيًا وفيها أجهزة تكييف، وأضاف: "بالفعل بدأت المبادرة بتأمين أجهزة التكييف وبعض الطاولات والمقاعد، بحيث يمكن للطالب الدراسة والصلاة في مكان واحد".
وحول الخدمات التي تقدمها المبادرة، قال حلال لـ"العهد": "حرصنا أن يكون المكان مراعيًا للضوابط الشرعية، لذلك خصَّصنا مكانًا للأخوات مفصولًا عن المكان الآخر المخصص للإخوة، كما جهزناه بمقاعد وطاولات قابلة للطي لتسهيل إمكانية إقامة الصلاة وإجراء الحلقات الدراسية بين الحاضرين، فيما تبلغ القدرة الاستيعابية القصوى بين 27 و32 شخصًا"، وتابع: "تم تجهيز المكان بالانترنت وطابعة يمكن استخدامهما بالمجان، إلى جانب وجود مكتبة تحتوي على كتب دينية وعقائدية وقرآنية، إضافة إلى بعض الأدوات الكهربائية والإلكترونية الأخرى، ومرحاض".
وأكّد حلال أنَّ "المبادرة حاليًّا تقتصر على تأمين ظروف ملائمة لدراسة الطلاب، وفيما بعد يمكن توسعة الفكرة لتشمل إمكانية حضور أساتذة لتوجيه الطلاب وإقامة دورات تقوية"، مشيرًا إلى أنّ "المكان متاح أمام كلّ من يرغب بالاستفادة منه من الساعة 7:00 صباحًا لغاية الساعة 12:00 ليلًا".
وعن كيفية تمويل المشروع لضمان استمراريته، قال حلال: "الكلفة الأساسية للمشروع، والتي تتضمن طلاء المكان وتجهيزه بالمعدات اللوجستية، جرى تأمينها من خلال تبرعات الناس الخيِّرين، أما الكلفة التشغيلية الدائمة التي يتوجب تأمينها شهريًا، فأيضًا جرى تأمين جزء كبير منها، إلى جانب مساهمة جيران المكان المستأجر بتغطية الجزء الآخر"، لافتًا إلى أنّ "هؤلاء الجيران تفاجأنا بأنّهم باتوا يسبقوننا لتجهيز وترتيب المكان، الذي يقع بالقرب من مجمع سيد الشهداء (ع) – حيّ الأبيض في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتأمين أي نواقص غير موجودة فيه".
وعن تفاعل الناس مع المبادرة، أشار حلال إلى أنّه "بعد نشر المبادرة على وسائل التواصل والترويج لها، تواصل معنا أحد الأشخاص من منطقة بيروت وقدم لنا مكانًا آخر، بالقرب من مجمع خاتم الأنبياء في منطقة النويري، لاستخدامه في ذات الأهداف، وأطلقنا على المكان الجديد اسم "مكتبة كريم آل محمد (ع)"، والتي سننتهي من تجهيزها خلال 7 أيام".
وأكّد حلال الاستمرار بهذه المبادرة، داعيًا الناس للمساعدة بتأمين المكان واشتراك الكهرباء، والمبادرة تتكفل بباقي الأمور التجهيزية والأمور الرقابية والإدارية للمكان.
انطلاقًا من هذه الآية الكريمة ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ - ( البقرة: 261)، جاء شعار المبادرة ليعبِّر عن أنّ ما كان لله ينمو، من خلال السنبلة التي ترمز للعطاء والعلم، ولا يكتمل هذا العطاء والعلم دون الارتباط بالإيمان الذي يتجسد في الشعار من خلال القبة التي تعبر عن المسجد.
وتوجه حلال للناس الخيِّرين والذي يرغبون بالمساهمة أو يرغبون بإطلاق مبادرات بالقول: "أنتم لستم بحاجة لنا لتنجزوا مثل هذه المبادرات، فأنتم يمكنكم توسيع رقعة المشاركين بالمبادرة من خلال مشاريع أنتم تطلقونها بالتعاون فيما بينكم، ومجتمعنا قادرٌ وجاهز، ولديه القابلية، والفكرة، والقدرة، والتصميم ويمتلك كلّ المقومات"، وأضاف: "يجب المحافظة على المبادرات الجميلة لأنّ في ذلك إنماءً لأفراد مجتمعنا، وتعزيزًا للارتباط بالدين والمسجد، وتنشئة لجيلٍ متعلم وقادرٍ على القيادة، وتقوية للمجتمع المهدوي الممهد لظهور صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عج)".
وللراغبين بالمشاركة والمساهمة في المبادرة أشار حلال إلى أنّ "بإمكانهم إرسال مساهماتهم وتبرعاتهم عبر "Wish Money" على الرقم 71557899".
مجددًا تثبت بيئة المقاومة أنّها جاهزةٌ لمواجهة كافة التحديات، فلا مكان في قاموسها للتراجع والضعف والاستسلام للظروف والضغوط الاقتصادية والحياتية، بل الميدان هو للجهاد والإبداع والتفوق في كافة المجالات الاجتماعية والحياتية والاقتصادية والثقافية، ومن هنا أصل العزيمة والإصرار على مواصلة السعي لإنجاح كلّ المبادرات التي من شأنها أنّ تسهم بالتخفيف عن بيئة المقاومة وتحصين مجتمعها.