خاص العهد
احتجاجات وقتلى في الشمال السوري بعد الاستدارة التركية
على نحو غير مسبوق شهد الشمال السوري احتجاجات كبيرة مناهضة لتركيا في إثر التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب اردوغان حول عودة العلاقات مع سورية والخطوات العملية على الأرض التي بدأت بإعادة فتح معبر أبو الزندين بين مناطق الدولة السورية ومناطق سيطرة المسلحين مما طرح العديد من التساؤلات حول الآلية التي سيتم بها تنفيذ هذه التفاهمات ومصير الجماعات المسلحة التي امتهنت القتل والاجرام طيلة سنوات الأحداث في سورية بعد نزع الغطاء التركي عنها وتركها لمصيرها.
الاحتجاجات ليست حدثًا عابرًا بل نقطة تحول وبداية مسار جديد
وحول هذه الاحتجاجات وتداعياتها قال المحلل السياسي عمار عيد لموقع "العهد" الإخباري إنه وبالرغم من أن أحداثًا واحتجاجات قد جرت في السابق ضدّ الأتراك إلا أن التحركات الأخيرة كانت نقطة تحول وعلامة فارقة في العلاقة التركية مع الجماعات المسلحة التي عملت على تأسيسها وتسييرها منذ بداية الأزمة السورية. وأكد عيد أنه وبينما كانت الاحتجاجات السابقة تهاجم على استحياء أدوات الاحتلال التركي وقادة فصائله المسلحة إلا أن الحراك الأخير تناول للمرة الأولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يعد حتّى الأمس أيقونة لا تمس لدى هذه الجماعات، وإنزال وحرق الأعلام التركية في معظم القرى والبلدات المحتلة من قبل الجانب التركي مع علم المحتجين بحساسية مثل تلك الخطوات بالنسبة للأتراك الذين سبق أن قتلوا مواطنين يونانيين لمجرد نزعهم أعلامًا تركية في المنطقة الفاصلة بين الجانبين.
وأضاف المحلل السياسي أن المحتجين لم يقفوا عند حدود المظاهرات وحرق الأعلام بل عمدوا إلى مهاجمة النقاط والسيارات التركية مما أدى إلى تراجع الجنود الأتراك وإخلائهم بعض النقاط والبقاء والصدام مع المحتجين في مناطق أخرى رغم تدخل الفصائل التابعة لتركيا مما أدى إلى وقوع أربعة قتلى ونحو 123 جريحًا في الساعات الأولى لتلك المواجهات.
وأكد عيد أن هذه الاحتجاجات لم تكن حكرًا على مناطق سيطرة الجولاني بل شملت مناطق سيطرة ما يسمى الجيش الوطني الموالي لتركيا. وأمام خارطة المواجهات الواسعة التي شملت كلّ المدن والبلدات الخاضعة لتركيا عمدت انقرة إلى إغلاق المعابر الحدودية وقطع الكهرباء والانترنت عن الشمال السوري فيما حلقت الطائرات الحربية بشكل منخفض فوق تلك المناطق في محاولة لإرهاب المحتجين. وعزا عيد حدة الاحتجاجات وارتفاع سقف المطالب فيها إلى الإدراك العميق لهذه الجماعات والموالين لها أنه قد تم بيعهم من قبل الجانب التركي الذي دفعهم إلى تدمير بلدهم وتاجر بقضيتهم حتّى أدرك خسران هذه التجارة وأن الأثمان المقبوضة منها أقل من التكاليف.
وأكد المحلل السياسي أن خيبة بعض المحتجين الذين كانوا يناصرون تركيا وباتوا يهاجمونها اليوم لأنها تريد المغادرة تذكر بمشهد عملاء أنطوان لحد وهم يسابقون الصهاينة بالخروج من لبنان ويسبونهم ويشتمونهم لفعل ذلك، مؤكدًا أن العملاء لا يتعظون من تجارب غيرهم إلا أن الخيبة والحصاد المر لا يقف عندهم بل كذلك الأوطان والشعوب التي أكلوا من ثمارها وشربوا من مائها ونسبوا زورًا وبهتانًا إليها.
أميركا تنشر الفوضى في كلّ المناطق التي تريد مغادرتها
من ناحيته رأى المحلل السياسي حسام طالب أن الوضع الحالي في شمال سورية هو نتاج عمل استخباراتي معقّد لمعظم أجهزة الاستخبارات العالمية وبشكل مباشر. وقد أدى هذا الجهد مع الأسف إلى خلق حالة من الفوضى في كامل الجغرافيا السورية وتشكّل جماعات إرهابية متطرّفة. وقد حاولت سورية طوال تلك الفترة إقناع الدول العربية والمجاورة بأن خطر هذه الجماعات لن يقتصر على سورية بل سيتمدد حتمًا إلى الدول المجاورة ولكن دون أن تلقى الآذان الصاغية.
واليوم بدأت هذه الدول تتحسس الخطر وتسعى لاستدراك ما فاتها إلا أن الولايات المتحدة وبحسب المحلل السياسي حسام طالب لا تزال تصر على إغراق المنطقة في أتون الفوضى خاصة عندما تدرك أنها سوف تخرج منها وهذه سياسة دائمة بالنسبة لواشنطن لذلك عملت الإدارة الأميركية على الدفع بـ"قسد" لإجراء الانتخابات المحلية التي تشكّل استفزازًا كبيرًا لكل من دمشق وأنقرة وجعل الاتراك يدركون أن السبيل الوحيد للحد من هذا الخطر هو التعاون مع دمشق للقضاء عليه.
ورأى طالب أن الفوضى داخل مناطق سيطرة المسلحين في سورية وضد السوريين في تركيا وتزامنهما ليس وليد الصدفة وأن هناك من يدفع الأحداث إلى التفجر والاقتتال وهنا يظهر الدور السوري والتركي في ضرورة التعاون لمواجهة هذه الفوضى واستثمارها لإنهاء الجماعات المتطرّفة التي تشكّل خطرًا على البلدين. إلا أن المطمئن وبحسب طالب أن هناك قناعة لدى كلّ دول الجوار بضرورة إنهاء الوضع الشاذ في الشمال السوري وهذا ما بدا جليًّا من خلال الوساطة العراقية والدعم الإماراتي والسعودي والعربي لخطوات التصالح السورية التركية التي سترتد على الجميع بالخير والاستقرار والنمو الاقتصادي.