آراء وتحليلات
أهمّية استهداف مرصد العدو في جبل الشيخ
في الظاهر، جاء استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان لمرصد جبل الشيخ الإسرائيلي، وتوسيع استهدافاته جنوبًا حتّى قاعدة نيمرا العدوة غرب بحيرة طبريا، من ضمن الردود المعروفة والمنتظرة على اغتيال نفّذه العدو الإسرائيلي في منطقة شعث البقاعية.
ولكن ما يميّز هذا الرد الأخير لحزب الله، بين جبل الشيخ وبين قاعدة نيمرا غرب طبريا (نحو ٣٠ كلم عن الحدود اللبنانية) أنه ردٌ استثنائيٌ في الشكل وفي المضمون، كونه يحمل تغييرًا إستراتيجيًا، قد تكون رسائله أبعد من الاشتباك المألوف حتّى الآن ضمن عمليات إسناد غزّة من لبنان، وهذه الرسائل يمكن الإضاءة عليها كالآتي:
في استهداف قاعدة نيمرا
أولًا: صحيح أنها قاعدة تخزين لوجستي أو ما يشبه قيادة لوجستية خلفية لقيادة المنطقة الشمالية للعدو، لكن استهدافها للمرة الأولى بصلية كبيرة من صواريخ الكاتيوشا، يمكن اعتباره بمثابة إنذار صريح من حزب الله، بأن قواعد النسق الثاني للعدو، والتي تنتشر على بعد 30 كلم بالحد الأدنى من لبنان، دخلت ضمن دائرة الاستهداف الثابت، وبالتالي، فقد أدخلت من خلال هذه الخطوة المقاومة الإسلامية في لبنان، خط قواعد حماية العمق الإستراتيجي الإسرائيلي ضمن مستوى اشتباك متطور، مختلف عن اشتباك الإسناد الحدودي الحالي.
ثانيًا: أن تنجح صواريخ حزب الله "الكاتيوشا" بالوصول (بنسبة كبيرة أظهرتها عدة مصادر) إلى استهداف قاعدة نيمرا، فهذا يعتبر نجاحًا مزدوجًا، أولًا في استهداف القاعدة عمليًا، وثانيًا في تجاوز منظومات الدفاع الجوي والقبة الحديدية للعدو، وتداعيات هذا التجاوز، هي فعليًّا أبعد من الفشل في حماية القاعدة المذكورة، تداعياته تمس نظام الدفاع الجوي الإستراتيجي لعمق الكيان ولنقاطه الحيوية في جنوب خط طبريا - عكا، بدءًا بحيفا وامتدادًا إلى "تل أبيب" وكامل الساحل والعمق الفلسطيني حتّى الجنوب.
من هنا، يمكن اعتبار نجاح حزب الله في استهداف نيمرا، بمثابة الإنذار الفعلي لما يمكن أن تكون عليه مناورة استهداف ما بعد خط طبريا - عكا.
في استهداف مرصد جبل الشيخ
بداية، لا بد من التذكير بأن موقع مرصد العدوّ في جبل الشيخ، كان من ضمن الأهداف الرئيسة للوحدات الصاروخية والجوية الإيرانية في ردها على الكيان بتاريخ ١٣ إبريل الماضي، مع أهداف مهمّة أخرى، منها عدة قواعد جوية في جنوب فلسطين المحتلة.
عمليًا، قد يكون مرصد العدوّ الإسرائيلي في جبل الشيخ من أهم مواقعه العسكرية ذات البعد الإستراتيجي، حيث يركز فيه العدوّ أهم قدراته المتطورة في الرصد والمراقبة البعيدة لمروحة واسعة من الدول في الشرق الأوسط وفي شرق وشمال شرق البحر المتوسط، بالإضافة لكونه مركز إدارة الاتّصالات الإلكترونية المعنية بتنسيق الترابط العملاني الجوي مع أغلب حاملات طائرات وسفن ومدمرات الناتو في المتوسط.
من هنا، تكمن أهمية وحساسية استهداف حزب الله لمرصد جبل الشيخ، حيث يُعتبر أولًا مسًّا بمواقع إسرائيلية كان استهدافها لفترة طويلة من المحرمات أو من الخطوط الحمراء بالنسبة للكيان، وثانيًا يُعتبر استهدافها استهدافًا للدور الإستراتيجي الذي يلعبه المرصد المذكور، وما يمكن أن يقدمه للعدو عند أي مواجهة واسعة، لم يعد بالإمكان استبعادها نهائيًا، بعد التطورات المتسارعة على الجبهة الشمالية للكيان، وبعد عدم الوضوح في موقف نتنياهو الحقيقي من الاستمرار بحرب الإبادة التي ينفذها ضد الشعب الفلسطيني في غزّة أو في الضفّة الغربية.
وعليه، يمكن القول إن رسائل حزب الله من استهدافاته الأخيرة لقاعدة نيمرا ولمرصد جبل الشيخ، قد نقلت المواجهة على جبهة العدوّ الشمالية إلى مستوى أبعد وأكثر تأثيرًا من المستوى الذي تميّزت به مواجهة إسناد غزّة خلال الأشهر التسعة من بدء الحرب عليها، وبالتالي، الاشتباك بين حزب الله وبين العدوّ الإسرائيلي، بدأ يبتعد عن خط المواجهة المقيّدة، ليلامس خط المواجهة المفتوحة والواسعة، والتي قال عنها يومًا الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، بأنها ستكون من دون قيود وبدون أسقف.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024