نقاط على الحروف
المعركة الموازية.. نصرٌ يتراكم ومواجهات متواصلة
للجبهة ميادين عدّة، تتداخل وتتكامل وتنسجم في ما بينها؛ وإن كان الميدان العسكريّ أكثر المستويات علوًّا وتأثيرًا وتكلفة، فالميدان الإعلامي يشهد مواجهات شرسة واشتباكات عنيفة بين معسكر الإعلام المتأمرك من جهة ومعسكر الإعلام المقاوم، من جهة أخرى.
على صعيد الإعلام التقليدي، يمكن القول إنّ المعسكر المعادي يمتلك خبرة طويلة في مجال الهجوم المنهجي والمدروس على المقاومة. وقد رُصدت له، منذ سنوات، ميزانيات طائلة وكوادر بشرية منظمّة وموجّهة ومعدّة للاستخدام حيث ومتى تدعو الحاجة. أمّا من جهة الإعلام المقاوم، فقد بدأت التجربة الإعلامية المقاومة تأخذ شكلًا أكثر حضورًا وتتقدّم بشكل ثابت وتحقّق الأهداف المتلاحقة في مرمى الإعلام المعادي، ولو كانت إمكاناتها المادية أقلّ بكثير من تلك التي يوظّفها العدوّ في إعلامه.
في أخلاقيات المواجهة المباشرة بين المعسكرين، تتقدّم المؤسّسات الإعلامية الملتزمة خطاب المقاومة على تلك الناطقة بالعداء لها، وذلك لأسباب عديدة أبرزها المصداقية التي يتحلّى بها إعلام المقاومة مقابل التضليل والكذب المكشوف الذي ينتهجه الإعلام المعادي. ولذلك تجد، حتّى جمهور العدوّ، ينتظر الأخبار والمعطيات والتحليلات التي تُبثّ عبر الإعلام التقليدي المحسوب على خطّ المقاومة كي يفهم حقيقة ما يجري، وإن كان يكرّر ببغائيًا ما يرد في الإعلام الآخر على سبيل التسويق لما يتمناه ويرغبه. ومع اندلاع معركة "طوفان الأقصى"، صار هذا التقدّم للإعلام التقليدي المقاوم واضحًا ومشهودًا، بالتزامن مع سقوط آخر وريقات الثقة عن شجرة الإعلام المتصهين الذي يدّعي الموضوعية والمهنية.. بكلام آخر، فُضحت المؤسسات والشخصيات التي تعمل أدواتٍ إعلامية في خدمة العدوّ، وصار لزامًا عليها أن تجاهر بحقيقتها بعد سنين من التخفّي خلف الشعارات المضلّلة.
المعركة، في ميدان الإعلام التقليدي، واضحة كتلك في ميدان العسكر: طرفاها واضحان بالقدر الذي يتيح للمتابع تمييز إلى أيّ المعسكرين ينتمي هذا الطرف، وفي خدمة أيّ أهداف يعمل. على سبيل المثال، لم يعد بإمكان محطة تلفزيونية، مثل "العربية" ادعاء حتّى التعاطف مع القضية الفلسطينية، فالخطاب العبري مشهود في كلّ ما تبثّه، ولم يعد بإمكان صحيفة "النّهار"-مثلًا- ادعاء التمايز أو إنكار حضور ما يريده الأميركي لها أن تكتب وتنشر. وعلى المثالين شواهد كثيرة تابعناها منذ بدء الحرب، وصارت كافية لحسم أي جدل ساذج حول موضوعية ومهنية هذا الإعلام. بالمختصر، أزال "طوفان الأقصى" آخر ما تبقى من أقنعة على وجوه الإعلام التقليدي العربي الذي اعتاد أن ينظم الشعر والشعارات الغزلية للقضايا الكبرى، ويمرّر بين السطور المعسولة سموم الغرب.
أما على صعيد الإعلام الافتراضي، والذي تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي ساحته الأبرز، فالمعركة متواصلة وتأخذ شكلًا مختلفًا عن تلك التي يخوضها إعلام المقاومة التقليدي بمواجهة العدوّ. فالمنصات الافتراضية ساحة مفتوحة بكلّ ما للكلمة من معنى، ولذلك يسهل على العدوّ اختراقها واللعب بداخلها على مختلف الأوتار وباستخدام مختلف الأساليب: صفحات وحسابات فردية تمعن بنشر الأوهام والشائعات والأضاليل بشكل منهجي ومدروس، إعلانات مدفوعة ومدعومة تُبثّ على مدار السّاعة وتحوي مختلف أشكال التوهين والتضليل والكذب، أجهزة مرتبطة مباشرة بالموساد وأتباعه تعمل، ليلًا ونهارًا، بمختلف الوسائل وبطريقة محترفة على اختراق بيئة المقاومة وزرع عبوّات الفتنة عند كلّ مفترقات الطرائق الافتراضية، جيوش إلكترونية منظّمة ومدرّبة ومحترفة تجتهد في استهداف المقاومة وناسها على مختلف الصعد. ..
في المقابل، يُسجّل روّاد منصات التواصل من أهل المقاومة حضورًا لافتًا في هذه الساحة المفتوحة، فمعظمهم حوّل حساباته الشخصية إلى منصّة يواجه من خلالها الاختراقات المعادية بكلّ الإمكانات التي يمتلكها: باستخدام الصور والكلمات والمقاطع المسجّلة والأخبار والمقتطفات والأعمال الفنية والنقاشات المباشرة، يسعى هؤلاء إلى خوض المواجهة الافتراضية ضدّ العدوّ، وفي معظم الأحيان، بشكل فرديّ ومن دون تنسيق مع الآخرين. في المحصّلة، يمكن اليوم الحديث عن جبهة افتراضية مقاوِمة تتميّز بالوعي وبالبصيرة وبالعمل المتقن. تتصدّى هذه الجبهة لكلّ محاولات تسلّل العدوّ إلى بيئتنا، ويُسجّل لها الكثير من الإنجازات النوعية في هذا الصّدد، سواء على المستوى التوعوي أم على مستوى ضرب أوكار العدوّ في منصات التواصل.
في كلّ الساحات وعلى كلّ المستويات، وفي الإعلام التقليدي كما الرقمي، على الأرض كما في الافتراض، تمتلك المقاومة ما يحتّم نصرها، الصدق مقابل كذب الأعداء، نصرة الحقّ مهما علت الأثمان ضدّ التوحّش في استهداف الحقّ وأهله، احترام العقل والإنسانية بمواجهة التسطيح والتجهيل والاستغباء والاستغلال، والمخاطبة بناءً على سلّم متميّز من القيم والأخلاق في مجابهة من فقدوا حتّى فطرتهم وتعرّوا من أي قيمة إنسانية أو أخلاقية.
المقاومةوسائل الإعلامشبكات التواصل الاجتماعي
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024