معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

اليمن ينصر غزّة: مسيَّرة "يافا" تقوِّض مفهوم "تل أبيب" "الآمنة"
24/07/2024

اليمن ينصر غزّة: مسيَّرة "يافا" تقوِّض مفهوم "تل أبيب" "الآمنة"


ينبغي الحذر من بعض التحليلات المغرضة التي تحاول أن تقارن بين حجم النتائج المادية والبشرية لعملية استهداف "تل أبيب" بمسيّرة "يافا" وبين حجم الرد "الإسرائيلي". فهذا الأسلوب في التوهين واكب كلّ مراحل المقاومة في لبنان، وفي مواجهة أي احتلال في أي ساحة. ولأن الحدث لا يزال في ذروة تفاعلاته ولا تزال تتردّد أصداؤه في الأجواء، ينبغي التوقف عند أهم الرسائل والأبعاد في هذا المجال.

تتعدد أبعاد استهداف "تل أبيب" عبر مسيّرة "يافا" من زوايا متعددة، الهدف والسياق والقدرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية الإقليمية و"الإسرائيلية". نتيجة ذلك، يتجاوز هذا الحدث مجرد كونه حدثًا تكتيكيًا، ولذلك تم التعامل معه من كلّ الأطراف على أنه نقطة تحول ذات أبعاد استراتيجية. وتعزَّز هذا التقدير بعد إعلان قائد أنصار الله، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن أن مسيرة "يافا" تشكّل افتتاحًا للمرحلة الخامسة.

أبرز ما يُميِّز هذه العملية أنها استهدفت عاصمة كيان العدوّ التي تمثل عمقه الاستراتيجي. وضمن نفس السياق، تشكّل "تل أبيب" عاصمة الكيان الاقتصادية والإدارية وقاعدته الاجتماعية النخبوية. لذلك فإن نقطة الارتكاز في تبلور أبعاد هذا الحدث الأمني تنبع من هذه الميزة للهدف.

في نفس السياق، يشكّل استهداف "تل أبيب" اختراقًا للمنطقة الآمنة التي يُنظر إليها على أنها الأكثر تحصينًا، ويُعتبر الحفاظ عليها ضرورة استراتيجية من أجل إدارة ناجعة للمواجهة في مواجهة حزب الله وقطاع غزّة. على أمل أن يُوفِّر له ذلك هامشًا أوسع في مواصلة سياساته العدوانية ضمن أفق زمني مفتوح. إلا أن استهداف "تل أبيب" بعد الدخول في الشهر العاشر، بمسيّرة تقطع نحو ألفي كيلومتر، شكَّل ضربة نوعية أقلقت مؤسسات الكيان الأمنية والسياسية من أن تُشكِّل معادلة جديدة في سياق الحرب.

إذا كانت إقامة "إسرائيل" تجسد في جانب أساسي من فلسفة وجودها، الملجأ الآمن لليهود في العالم، فإن "تل أبيب" هي خط الدفاع الأخير لهذا الملجأ في مواجهة أي تقويض لهذا المفهوم التأسيسي.

كلّ هذه المزايا والأبعاد التي تتسم بها "تل أبيب"، جعلت قيادة العدوّ تتعامل مع استهدافها على أنه حدث استثنائي وينبغي التعامل معه بطريقة مغايرة وهذا ما حصل حتّى الان.

السياق والتوقيت

بُعدٌ آخر أضفى على استهداف "تل أبيب" طابعًا استراتيجيًا، تمثل بسياقات الحرب ومآلاتها. حيث أتى هذا الحدث في محطة مفصلية على المستويين الميداني والسياسي. من الواضح أن توقيت العملية مرتبط بقرار تصعيد محور المقاومة لضرباته ضدّ كيان العدوّ والارتقاء إلى مستويات أشد. وذلك في مواجهة الخيار الذي تعمل قيادة العدوّ على التمهيد له، الذي يهدف إلى مواصلة العدوان ضدّ أهل غزّة ومقاومتها. وخلاصة هذه الاستراتيجية هي الاستفراد بحماس وغزّة، ووضعهما أمام خيارين: إما الاستسلام، أو استمرار الحرب مفتوحة وفق تكتيكات ووتيرة مختلفة.

في مقابل هذا المخطّط، ارتقت جبهتا لبنان واليمن في ضغوطهما العسكرية. فإلى جانب مسيَّرة "يافا"، صعَّد حزب الله أيضًا من ردوده على اعتداءات جيش العدوّ التي تؤدي إلى إصابة مدنيين، فعمد في مقابل ذلك، إلى توسيع نطاق الاستهداف لمستوطنات جديدة وهكذا فرض مسارًا تصاعديًا يفاقم من الضغوط التي يتعرض لها العدو.

من زاوية أخرى، كشف نجاح المسيّرة في استهداف "تل أبيب" عن امتلاك الجيش اليمني قدرات تكنولوجية متطورة، إضافة إلى كفاءة نوعية في إدارة هذا المستوى من الأدوات القتالية. وبذلك تكون عوامل التهديد قد اكتملت على كيان العدو، القدرة والإرادة السياسية والشجاعة إضافة إلى قدر من التقدم التكنولوجي يسمح بإحداث اختراقات في منظومة الاعتراض الصاروخي "الإسرائيلي".

في الخلاصة، على وقع الضربة التي تلقتها "تل أبيب"، ساد نوع من الذهول في كيان العدوّ بفعل المفاجأة التي كوت وعي قادة العدوّ ومؤسساته. خاصة وأنها طرحت أمام مؤسسة القرار مخاطر وسيناريوهات مرعبة إزاء ما ينتظر هذا الكيان من مستقبل مظلم. ولذلك، بدأ جيش العدوّ يروج لروايات تتصل بالعملية، تهدف إلى محاولة احتواء التداعيات النفسية والسياسية لهذا الإنجاز. ولذلك أيضًا، تميّز الرد العدواني في ميناء الحديدة بكثير من الاستعراض. إلا أن الأهم أن هذا الاعتداء هو خطوة اليائس الذي يدرك أن ضربته لن تحقق أهدافها السياسية الردعية.

وإذا ما كان السيد عبد الملك الحوثي هبَّ لنصرة فلسطين وغزّة، إلا أن اليمن انتصر بهم أيضًا، وتحول إلى قوة إقليمية لا يستطيع أي طرف دولي أو إقليمي تجاوزه في أي ترتيب لمستقبل المنطقة. وستؤسس المعادلات التي أرساها اليمن لواقع جديد يصب في اتّجاهين: تعزيز محور المقاومة من أجل تحرير فلسطين، وشق الطريق نحو مستقبل مشرق لشبه الجزيرة العربية.

الكيان الصهيونياليمنتل أبيب

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
مذكرتا المحكمة الجنائية الدولية.. خطوة تاريخية نحو محاسبة "إسرائيل"
مذكرتا المحكمة الجنائية الدولية.. خطوة تاريخية نحو محاسبة "إسرائيل"
عدد من المسؤولين الدوليين يؤيّدون مذكرتيْ محكمة لاهاي ويؤكدون التعاون معها لاعتقال نتنياهو وغالانت
عدد من المسؤولين الدوليين يؤيّدون مذكرتيْ محكمة لاهاي ويؤكدون التعاون معها لاعتقال نتنياهو وغالانت
غضبٌ عارم في كيان العدو من قرار الجنائية الدولية
غضبٌ عارم في كيان العدو من قرار الجنائية الدولية
نتنياهو وغالانت مطلوبان للعدالة الدولية: مذكرتا اعتقال بحقّهما لإدانتهما بارتكاب جرائم حرب
نتنياهو وغالانت مطلوبان للعدالة الدولية: مذكرتا اعتقال بحقّهما لإدانتهما بارتكاب جرائم حرب
كيف قُتل المؤرّخ الصهيوني في جنوب لبنان؟
كيف قُتل المؤرّخ الصهيوني في جنوب لبنان؟
السيد الحوثي: ما يقدّمه حزب الله إنجاز عظيم
السيد الحوثي: ما يقدّمه حزب الله إنجاز عظيم
حملة "ويؤثرون على أنفسهم": اليمن يقدّم نموذجًا في العطاء والتضامن مع لبنان وفلسطين  
حملة "ويؤثرون على أنفسهم": اليمن يقدّم نموذجًا في العطاء والتضامن مع لبنان وفلسطين  
رئيس الوزراء اليمني: أميركا التي كانت ترعب المنطقة والعالم تحسب اليوم لليمن ألف حساب
رئيس الوزراء اليمني: أميركا التي كانت ترعب المنطقة والعالم تحسب اليوم لليمن ألف حساب
القوات المسلحة اليمنية تستهدف سفينةِ "Anadolu S" في البحرِ الأحمرِ
القوات المسلحة اليمنية تستهدف سفينةِ "Anadolu S" في البحرِ الأحمرِ
القوات المسلحة اليمنية: عملية عسكرية نوعية ضد أهداف حيوية في يافا و"عسقلان"
القوات المسلحة اليمنية: عملية عسكرية نوعية ضد أهداف حيوية في يافا و"عسقلان"
إصابات وذعر ودمار في "تل أبيب" بسبب سقوط صاروخ
إصابات وذعر ودمار في "تل أبيب" بسبب سقوط صاروخ
مفاعل "ناحال سوريك" النووي في مرمى النيران اليمنية
مفاعل "ناحال سوريك" النووي في مرمى النيران اليمنية
"نموت ولا نجنّد".. مواجهات عنيفة بين "الحريديم" وشرطة العدو
"نموت ولا نجنّد".. مواجهات عنيفة بين "الحريديم" وشرطة العدو
 حادثة دهس نوعية وبطولية.. عشرات الجرحى من جنود الاحتلال بينهم حالات ميؤوس منها شمال "تل أبيب"
 حادثة دهس نوعية وبطولية.. عشرات الجرحى من جنود الاحتلال بينهم حالات ميؤوس منها شمال "تل أبيب"
العميد سريع: بصاروخ "فلسطين 2".. هاجمنا قاعدة للاحتلال شرق "تل أبيب"
العميد سريع: بصاروخ "فلسطين 2".. هاجمنا قاعدة للاحتلال شرق "تل أبيب"

خبر عاجل