خاص العهد
بلسان من أحبّ.. بعضٌ من فيض السيد محسن
حقُّ قادتنا علينا أن نعرفهم، أن نستلهم من عطاءاتهم، دروسهم، وجهادهم، لنكون أهلًا لأن نكمل دربَ من أتقنَ السَّير على خطى الآل. ومضاتٌ من حيواتهم، تُثري روح الفرد. خطّوا طريقًا أناروها بدمائهم، وصوّبوا البوصلة نحو نصرٍ مُحتّم، وها هي فلسطين تشهد.
بالأمس القريب رحل السيّد فؤاد شكر (السيّد مُحسن)، قائدًا جهاديًا كبيرًا على طريق القدس. رحل الجسدُ وبقي الأثر، وما نراه من تلامذته بعد شهادته خيرُ دليل على ما قاله الأمين، أستاذٌ ومربٍ، لم يتقن العلوم العسكرية فحسب، فابن الإمام الخميني كان مُعلمًا في الأخلاق، في الورَع، في مُراعاة الأحكام الشرعية، في التواضع، وفي البذل حتى نيل الشهادة.
ما فقدته الأمّة بشهادة السيّد مُحسن، لا يوازي ما فقدته بناته الست ووحيده مُحمّد. إن كان مكان القائد يُعوّض، فحنان الأبِ لا بديل عنه.
تستعيد مريم شكر، ابنة السيد محسن، في حديث لموقع "العهد" الإخباري بعضًا من ذكريات الأبّ والمُلهم والقيادي الجهادي الكبير. تقول إنّ والدها كان يوصيها وأخواتها دائمًا بالدعاء له بالشهادة، خاصةً عند زيارة المراقد المُقدّسة. تحكي لنا عن حضوره بينهم رغم الغياب، عن عشقه لأهل البيت (ع) وشوقه للُقياهم إلى جانب من سبقه من رفاق الدرب. كذلك يُحدّثنا نَجلُه مُحمّد عن دروسٍ تعلّمها، ووصايا حفظها في حياة السيد فؤاد وحتى بعد ارتقائه.
الدرس الأسبوعي
رغم مهامه الجهادية، وحجم المسؤوليات الملقاةِ على عاتقه، خصّص السيّد مُحسن يومًا في الأسبوع على مدى أربع سنوات، يعطي دروسًا متنوّعةً لمجموعةٍ من الشبان. بدأت الدروس بولده مُحمّد وحفيديه، وتوسّعت دائرة الحضور، حتى وصلت إلى ما يُقارب الـ 16 شخصًا من بينهم أبناء أصدقائه الشهداء، فتح لهم بيته واحتضنهم، خصّص لهم الوقت والجهد، لينقل إليهم ما جناه طِوال 63 عامًا من عمره.
تقول ابنته مريم: "كانوا ينتظرون موعد الدرس في كل أسبوع، حيث كان يُقام في منزلنا، والسيّد كان يهتم كثيرًا، يُحضّر له، ورغم انشغالاته التي زادت في طوفان الأقصى ظلَّ مواظبًا على إقامته حتى آخر سبتٍ قبل شهادته"، وتُشير إلى أنَّ السيّد فؤاد كان يحرص على راحة هؤلاء الشُبّان، ويُكرمهم، ويخصّص لهم شيئًا لتناوله"، وترى أنّه بنى في كلِّ واحدِ منهم مستقبلًا.
يلفت مُحمّد إلى أنَّ السيّد مُحسن كان يُحبُّ أن يفيد من حوله، فلم يحتكر معلومةً لنفسه، وكان يشرح في الدروس علوم القرآن والعقيدة، والسياسة والعسكر، لتكون الفائدة على أصعدةٍ مُتنوّعة.
العلاقة بالقادة
تتوقّف مريم عند الصورة التي يتوسّط بها السيّد فؤاد، الحاج عماد مغنية والسيّد مصطفى بدر الدين، فتكشف أنَّ القادة الثلاثة كانوا يجتمعون في الأعياد بمنزل أهل أحدهم، وبعد استشهادهما بقي السيّد مُحسن مُحافظًا على هذا الرابط، وكان يزور الحاجة أم عماد والحاجة أم عدنان، وبعد وفاة الحاجة أم عماد، بقي يقصد الحاجة أم عدنان حتى آخر عيد".
وتلفت إلى أنه عندما رزق السيد محسن بأخيها مُحمّد عبّر السيد مصطفى عن سعادةٍ كبيرة، وظلّ على مدى شهرٍ كامل يُرسل الورود والضيافة إلى منزلنا، كأنّه هو من رُزق بمولود".
تأثير الإمام الخميني
كلّ من عرف السيد محسن أو سمع عنه، أدرك حضور الإمام الخميني (قده) في شخصيته. هنا تحكي مريم عن هذه العلاقة الروحية، فتلفت إلى أنّه كان قدوته، ويتبّع نهجه، وترى أنَّ ما في السيد محسن من قوّة وقدرة وعزيمة وإرادة، كان امتدادًا من الإمام الخميني (قده).
العائلة هي المحور
الأب الحنون على طريقته، هكذا يصف مُحمّد السيّد فؤاد، وفي الوقت نفسه كان يهتم بأدقِّ التفاصيل، فلم يُفوّت عيد مولد أحد من أبنائه، وهذا ما حدّثتنا عنه مريم: منذ الطفولة كان يحضر في المناسبات الدينية والعائلية، حتى بعدما أصبح جدًّا، فصارت هذه المناسبات موعدًا للقائه دائمًا واستمرّت رغم الحرب"، وتضيف: "كان يهتم بعيد الغدير، يوزّع العيديات لنا ولأزواجنا ولأبنائنا، ويجلب الهدايا في عيدَي الفطر والأضحى".
للأبناء حصّة وافرةٌ من اهتمام السيّد مُحسن، فالقائد الكبير حرص على الاهتمام بالجميع، يُتابع دراستهم، يواكب أنشطتهم الكشفية، وحتى حين كبرن بناته وتزوّجن، لم يغب عنه أن يتصل مع بداية العام الدراسي للاطمئنان عن أوضاعهن. كان الأمن والأمان بالنسبةِ لهن، فمريم إن شعرت بضيقٍ تذهب لرؤيته، تنتظر حضوره، دقائق فقط تكفي بجوار السيّد مُحسن حتى ترتاح. أمّا وحيده محمد فكانت علاقتهما خاصة. يسرّ لنا أنه في إحدى المرات قال له السيّد محسن: "جميع رفاقي استشهدوا، لم يبقَ لي غيركَ يا مُحمّد".
ورغم احترام أُسرته الكبير له، فإنّه كان يُشدّد على أولاده بأن رضا أمهم عنهم من رضا الله عزّ وجل، مقدّمًا رضاها على رضاه، ورابطًا حزنها بحزنه.
أمّا الأحفاد، فكان يُشعر كلَّ طفل منهم بأنه المفضّل لديه، يُدنيهم منه، يلاعبهم ويُحدثّهم، ويجيب على أسئلتهم، ومن حرص بناته على راحته، كنَّ يحاولن إبعاد الأولاد عن جدّهم، إلا أنّه كان يُمانع ويحتضنهم.
وتشير مريم إلى أنَّ للعائلة الكُبرى من إخوته وأقاربه نصيب، وكان يزورهم كلّما أُتيحت له الفرصة بشكلٍ مفاجئ.
الخُلق الحسن
الناحية الأخلاقية سلوكيات السيد محسن كانت بادية بشكل جليّ. القائد الكبير كان يوجّه أولاده لناحية الالتزام بالضوابط الشرعية ومراعاة الأحكام، إضافةً إلى ذلك، كان داعيًا لدين الله بأفعاله، خلوقًا في تعاطيه مع الآخرين، حيث كان بتصرفاته قدوةً لأبنائه وأحفاده.
بحسب عائلته، حرص السيد محسن على توجيه الجميع لضرورة الالتزام بصلاة الصبح والارتباط بكتاب الله وعترة النبي محمّد (ص)، والاهتمام بتفسير آيات القرآن وربطها بولاية أهل البيت (ع)، وكان يرى في كل آيةٍ مصداقًا لأمير المؤمنين (ع)، فهو القرآن الناطق، وفق ابنته مريم التي تشير إلى أنَّ للسيد مُحسن علاقة خاصةً بجدّه الرسول (ص)، فهو أساس الإسلام، والرابط بينه وبين الأئمة هما الإمام علي والسيّدة فاطمة (عليهما السلام).
وحين تقدم أزواج بناته لطلب أيديهنَّ، كان ينظر إلى أمرين، دين وخُلق المرء، أما الأمور المادية فلم يكن يلتفت لها، وكان يقول: "طريق الزواج تيسيره على الله، أما الماديات فالأمر متروك لرب العالمين، تزوّجتُ بغرفتين من "باطون"، ومع الوقت اشتريتُ "عفشًا"، فما المانع أن يحصل ذلك مع غيري؟".
السيّد فؤاد وعلى الرغم من تعلّقه بالمنطقة التي ترعرع بها، قدّم منزل طفولته، وتبرّع به لفوج الإمام الهادي (ع) في كشافة الإمام المهدي بمنطقة الأوزاعي، بعد أن علِم بضعف إمكانياتهم المادية وحاجتهم لمركز خاصٍ بالفوج.
خصوصية عاشوراء
لعزاء الإمام الحسين (ع) حكاية أخرى مع السيد فؤاد. تحكي مريم عن مدى حرص القائد الكبير على حضور مجالس عاشوراء، والحضور في مسيرة العاشر من المحرّم، ومشاركته في أغلب مواكب اللطم، وتقول: "كنا نراه حين يعود إلى المنزل بعد المسيرة العاشورائية، يغدوه الحزن، حافيَ القدمين، مرتديًا عصبته وكفنه".
وإبّان جائحة كورونا، تستذكر مريم "كيف طلب السيد فؤاد من العائلة أن تجتمع في المنزل وقت المجلس العاشورائي يوميًا، مع مراعاة الضوابط الوقائية، نستمع إلى كلمة سماحة السيّد نصر الله ومجلس العزاء، بعدها يُحضر الضيافة على حبّ أبي عبد الله الحسين (ع)، ثم ننصرف".
وصايا الأب
القائد الجهادي الكبير كان قد خصَّ بناته بوصايا عديدة، لعلّ أبرزها، وفق ما تخبرنا مريم، المحافظة على الحياء، واجتناب الاختلاط الذي كان يُعدّه خطًا أحمر، مراعاة الضوابط الشرعية، والاهتمام بالعائلة، خاصة الزوج والأبناء، وتخطي المشاكل الأُسرية.
أمّا وصايا السيد فؤاد العامة، فكانت:
- الصلاة في أوّل الوقت.
- المواظبة على زيارة عاشوراء.
- أداء صلاة الليل أو حتى الشفع والوتر.
- ذكر محمد وآل محمد (ع) في كلّ مجلس.
- المواظبة على قراءة القرآن.
- طلب الحاجات من الله عز وجل.
- نشر العلم والمنفعة بين الناس.
- خدمة الإخوان.
الإمام الخمينيعماد مغنيةمصطفى بدر الدينفؤاد شكرالسيد محسن
إقرأ المزيد في: خاص العهد
14/10/2024