آراء وتحليلات
قراءة عسكرية للعدوان "الإسرائيلي" على الضفة!
يقدم العميد شارل أبي نادر في هذا المقال قراءة عسكرية مفصّلة تشرّح خارطة العدوان "الإسرائيلي" الجديد على الضفة الغربية ومخيماتها، وأهداف هذا العدوان، وتسلط الضوء أيضًا على تطور قدرات المقاومة فيها، لتصل الى خلاصة مفادها أن العدو يتجه إلى الانغماس في مستنقع صعب ومعقد في الضفة الغربية، لن تكون تأثيراته بسيطة على موقفه ووضعه بشكل عام.
ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها الاحتلال عملية عسكرية في الضفة الغربية، حيث دأبت وحداته الأمنية أو العسكرية على التوغل في مدن وبلدات الضفة من وقت لآخر، وذلك لأهداف مختلفة، منها مداهمة واعتقال مقاومين ومنها تفجير منازل فلسطينيين من منفذي عمليات مقاومة ضد مستوطنين أو ضد جنود وضباط العدو، في مناطق الاحتلال أو في الضفة الغربية نفسها، ولكن اللافت أن العدو رفع مؤخرًا من اعتداءاته في الضفة الغربية، وخاصة بعد السابع من أكتوبر الماضي، تاريخ عملية طوفان الأقصى، لتتحول من اعتداءات أمنية محدودة إلى اعتداءات عسكرية واسعة.
فالعدوان الأخير على مدن ومخيمات الضفة الغربية، والذي نُفِّذ بعدد كبير من الألوية العسكرية التي تم سحبها من خارج المنطقة الوسطى المعنية بالضفة الغربية، تركز إجمالًا في المحافظات الشمالية من الضفة، طولكرم وجنين ونابلس وطوباس، وهو عمليًا ما زال قائمًا حتى الساعة، بالرغم من مرور أكثر من ٧٢ ساعة على انطلاقه، إذ انحسرت بعض الشيء عمليات قوات الاحتلال في طولكرم وطوباس ونابلس، لكنها ما زالت بنفس الوتيرة من العنف والتدمير في مدينة ومخيم جنين أقصى شمال الضفة.
من متابعة المعطيات الميدانية عن مسار هذه العملية الواسعة للاحتلال، تركزت العمليات على اقتحام مخيم الفارعة في طوباس ومخيمي طولكرم ونور شمس في طولكرم ومدينة ومخيم جنين، والأهداف تمحورت من اعتقال وتصفية مقاومين، وخاصة قائد وحدات "سرايا القدس" في مخيم نور شمس الشهيد أبو شجاع، إلى تدمير مقصود وممنهج لمنازل هؤلاء وللبنى التحتية في المخيمات المذكورة.
بالمبدأ، ومع غياب قرار ظاهر حتى الآن، بتثبيت وجود قوات الاحتلال في الضفة الغربية - مع عدم استبعاد الأمر مستقبلاً - سوف تنسحب وحداته قريبًا من مدينة ومخيم جنين، كما انسحبت في الساعات الأخيرة من طولكرم ومن طوباس، حيث تقوم هذه الإستراتيجية عادة على تنفيذ اعتداءات سريعة ومركزة، والانكفاء خارج مناطق الضفة، ولكن حسب المعطيات التي تكوّنت من متابعة مناورة المقاومة في الضفة الغربية مؤخرًا، يمكن استنتاج الآتي:
- توسعت قدرة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية مؤخرًا بشكل لافت: في ازدياد العمليات، أو في نوعية الأسلحة المستعملة وخاصة الأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة المحلية الصنع، أو في تصاعد الجرأة في تنفيذ العمليات رغم العنف المتصاعد من وحدات العدو ومن المستوطنين بمواجهة عناصر المقاومة وأهاليهم.
- بدأت تتكون وبشكل واضح، نواة متماسكة للمقاومة في كامل شمال الضفة الغربية، من شمال رام الله حتى جنين شمالاً، ومن أريحا وطوباس شرقًا، حتى طولكرم وقلقيلية غربًا، ومحور هذه النواة المُقاوِمة، مدينة نابلس ومخيماتها وتحديدًا مخيم بلاطة، حيث بدأ يظهر الترابط الميداني بين الأخيرة (نابلس) وبين المناطق المذكورة من شمال الضفة، وخاصة لناحية انطلاق منفذي العمليات في المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية أو في خارجها وصولاً إلى "تل أبيب"(العملية الاستشهادية الأخيرة) .
- بدأت تتكون شرق الضفة الغربية منطقة رخوة أمنيًا وخطيرة على العدو، وهي على الحدود مع الأردن في منطقة الأغوار، وبدأ العدو يلمس مستوى مرتفعاً من الثغرات الأمنية الحساسة في تلك المنطقة، وقد حصل فيها أكثر من عملية مقاومة ضد جنوده، وخاصة العملية الأخيرة في مستوطنة "ميحولا" في الأغوار الشمالية باتجاه جنوب شرق طوباس، والتي نشرت المقاومة شريطًا مصورًا عن التخطيط لها وتنفيذها، لتكون التفاصيل صادمة للعدو عن إمكانيات وقدرات المقاومة في تلك المنطقة.
من هنا، وأمام كل هذه التطورات المتسارعة بخصوص ما وصلت إليه قدرات المقاومة في الضفة الغربية، وأمام صعوبة اتخاذ قرار من العدو حاليًا، بتوسيع وتعميق احتلاله للضفة الغربية، ذلك لاعتبارات استثنائية متعلقة بحربه المفتوحة في غزة، أو بحربه المضغوطة على جبهته الشمالية مع حزب الله، بالإضافة للإمكانية المرتفعة لخسارته العلاقة والترتيبات مع السلطة الفلسطينية، فيما لو تمادى أكثر في تعميق اعتداءاته على الضفة الغربية، يمكن القول إن العدو يتجه وبشكل واضح، إلى الانغماس في مستنقع صعب ومعقد في الضفة الغربية، لن تكون تأثيراته بسيطة في موقفه ووضعه بشكل عام.
فلسطين المحتلةالضفة الغربيةالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024