آراء وتحليلات
قراءة لحركة الميدان شرق أوكرانيا: الروس يتقدمون
يقدم العميد شارل أبي نادر في هذا المقال قراءة تفصيلية في حركة الميدان على كامل الجبهة الروسية الأوكرانية بعد مرور نحو الشهر تقريبًا على الهجوم الأوكراني على "كورسك"، لا سيما ما يجري بين الغرب الروسي في "كورسك" شمالاً وبين الشرق الأوكراني في دونيتسك جنوبًا، وينتهي إلى خلاصة مفادها أن الروس بدؤوا يتقدمون ويقتربون أكثر فأكثر من تحقيق أهدافهم من العملية الخاصة في أوكرانيا.
بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي، تحوّلت أنظار العالم فجأة لمتابعة ما يجري في الشرق الأوسط، وبدأت الحرب "الإسرائيلية" - الأميركية على الشعب الفلسطيني بشكل عام وعلى غزة تحديدًا، تأخذ كل الاهتمام الإقليمي والدولي، وبالنسبة لأغلب الدول المؤثرة، خرجت الحرب الروسية - الأطلسية في أوكرانيا من دائرة الاهتمام، بالرغم من أهميتها الإستراتيجية بالنسبة للغرب الأطلسي ولروسيا ولكل العالم.
ولكن هذا الخروج من دائرة الاهتمام الدولي للحرب في أوكرانيا، لم يوقف مسارها وحساسيتها، وبقيت معارك الكر والفر ومحاولات السيطرة واستعادة السيطرة، من قبل وحدات موسكو من جهة ومن قبل وحدات كييف من جهة أخرى، تفرض نفسها في الميدان، لتأتي مؤخرًا عملية الهجوم الأوكراني على مقاطعة "كورسك" الروسية شمال شرق "خاركيف"، وتعيد خلط الأوراق من جديد، بعد أن استطاع الأوكران السيطرة على ما يقارب الـ٧٠٠ كلم مربع من تلك المقاطعة الحيوية من الغرب الروسي، والتي تحضن أكبر محطة نووية كهربائية روسية تغذي (أو كانت تغذي) أوروبا الشرقية بالكهرباء.
اليوم، وبعد مرور نحو الشهر تقريبًا على الهجوم الأوكراني على "كورسك"، يمكن الإضاءة على حركة الميدان على كامل الجبهة الروسية الأوكرانية، بين الغرب الروسي في "كورسك" شمالاً وبين الشرق الأوكراني في دونيتسك جنوبًا، وذلك على الشكل الآتي:
على جبهة "كورسك"، استطاع الروس استعادة بعض المناطق من المساحة التي سيطر عليها الأوكران في المقاطعة، وبدأت تتحضر وحداتهم للاقتراب من مدينة "سودجيا"، والتي تشكل نقطة ارتكاز الدفاع والسيطرة في "كورسك"، وقد نجحت وحدات الروس في التقدم شرقًا واستعادة بلدات "غوري" و"بوكري" و"أولانوك" وهي تقترب من شرق "سودجيا".
بالمقابل، تتابع أيضًا الوحدات الروسية ضغطها على "سودجيا" من اتجاه "مارتينوفكا" شمال شرق، في سبيل تحقيق ذلك، نجحت في استعادة بلدتي "نزنياياباروفيا" و"نشاييف" شمال "سودجيا".
أما على الجبهة الجنوبية الشرقية وتحديدًا في مقاطعة "دونيتسك"، فإن الوحدات الروسية تقدمت وفرضت واقعًا ميدانيًا وعسكريًا مؤثرًا جدًا لناحية تغيير مسار المعركة في شرق أوكرانيا، وذلك على الشكل الآتي:
تتقدم هذه الوحدات ( الروسية ) غرب وشمال غرب "باخموت" نحو تحقيق هدف حيوي وهو السيطرة على مدينة "شاسيف يار" والتحضير الميداني للتوجه نحو "كراماتورسك" ثم "سلوفيانسك"، المدينتين الأهم عسكريًا وإستراتيجيًا في غرب "دونيتسك".
على خط آخر، تعمل الوحدات الروسية لتحقيق هدف ثانٍ مهم أيضًا جنوب غرب "دونيتسك" وهو السيطرة على مدينة "كوراخيفكا"، وذلك لهدفين، الأول لإكمال محاصرة جيب الوحدات الأوكرانية غرب "كراسنوريفكا" وتأمين حماية غرب "دونيتسك" بعد إبعاد الوحدات الأوكرانية غربًا مسافة كافية لمنع استهدافاتها للمدينة بالمدفعية وبالصواريخ، والهدف الثاني لتحضير التوجه نحو "بوكروفسك" الإستراتيجية شمال غرب مدينة "دونيتسك"، والتي تربط أغلب مدن وبلدات المنطقة المتبقية تحت سيطرة الأوكران من مقاطعة "دونيتسك".
من هنا، وأمام هذا التطور الميداني الدراماتيكي على الجبهة الروسية الأوكرانية لمصلحة موسكو، أولاً لجهة تقدم الروس شيئًا فشيئًا لاستعادة كل المناطق التي سيطرت عليها الوحدات الأوكرانية في "كورسك"، أو لجهة نجاحهم الميداني تحضيرًا لإحراز التقدم نحو "تشاسيف يار" ثم "كراماتورسك" و"سلوفيانسك"، أو لجهة تقدمهم الواضح جنوب غرب "دونيتسك" والتحضير للسيطرة على "كوراخيفكا" ولاحقًا على "بوكروفسك"، يمكن استنتاج الآتي:
- لم يكن التراجع الروسي في "كورسك" أمام الأوكران، بعيدًا عن عملية إستدراج تكتيكي، بهدف تشتيت جهود وحدات كييف وإضعاف تماسكها على جبهة "دونيتسك"، خاصة أنه لا أفق لأي ثبات ميداني للأوكران في غرب روسيا.
- ما يحصل من تقدم ميداني روسي في غرب "دونيتسك" أصبح ثابتًا، مع تقهقر الوحدات الأوكرانية وتشتتها بين "كورسك" وبين غرب "دونيتسك".
- اقتراب الغرب الأطلسي من إعلان الاستسلام بعد فشل وحدات كييف المتكرر في إحداث أي تقدم مقابل الوحدات الروسية، رغم الدعم الهائل الذي قدموه لهذه الوحدات.
- مع قرب اكتمال سيطرة وحدات موسكو على كامل إقليم "الدونباس"، يمكن القول إن الروس بدؤوا يقتربون أكثر فأكثر من تحقيق أهدافهم من العملية الخاصة في أوكرانيا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024