نقاط على الحروف
هل يعتذر الغرب من القارة السمراء؟!
بعد سلسلة الانقلابات التي شهدناها في أفريقيا، بدا واضحاً أن كلاً من الصين وروسيا ابتدأ بملء الفراغ الذي يتركه الاستعمار الأوروبي القديم، المرتبط بأوروبا ومن ورائها الأمريكي. وفي تموز الماضي، فضح انقلاب النيجر، وخاصة بعد حادثة طرد القوات الأميركية من مطار نيامي، عاصمة النيجر، حجم التدخل العسكري الأميركي في القارة السمراء. لم يأت القرار الإفريقي بملء الفراغ من أجل تحقيق التنمية المستدامة مع الصين وروسيا من فراغ، بل من حجم الاستثمارات فيها. وهذا ما يعكسه حجم المشاركة الإفريقية المتزايد في المنتديات الدورية، سواء كانت أفريقية – روسية، أم أفريقية- صينية؛ ومنها "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" [فوكاك].
بالتأكيد هناك حاجة عالمية ماسة لما تكتنزه القارة السمراء من ثروات باطنية تزخر بها أراضيها وأهمها المعادن المشعة، مثل اليورانيوم، والبترول والغاز إذ تمثل أفريقيا كقارة مصدر الطاقة الأول عالمياً، وهناك الماس والذهب. وهذان المعدنان كانا من أهم أسباب استعمارها أوروبيًا منذ نهايات القرن السادس عشر. ولذلك فإن الصراع العالمي على أفريقيا يزداد شدة وهو يمثل واحداً من أهم أسباب الصراع ما بين أوروبا وأميركا من جهة ومع روسيا والصين من جهة أخرى. ومن الطبيعي ومع تزايد التنمية البشرية والتعليمية التي شهدتها أفريقيا أن نشهد تغيراً جدياً تتخذه القارة نحو إعادة التفكير في السياسات الاقتصادية والعسكرية والتحالفات الدولية التي تتجه إليها. إذ إن هناك مؤتمرات دولية دورية باتت تجمع دول أفريقيا في روسيا، وأخرى كل ثلاث سنوات تجمع دول أفريقيا والصين وآخرها عقد ما بين 5-7 من هذا الشهر.
خلال الأسبوع الماضي أقيم مؤتمر "فوكاك"، وتعهد الرئيس الصيني، "شي جين بينغ"، خلال الكلمة التي ألقاها في افتتاح المؤتمر بدعم افريقيا بمبلغ 50 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة. وأضاف "تشي" أن مساعدات بكين سوف تشمل خط ائتمان بقيمة 30 مليار دولار، و11 مليار تحت بند "مساعدات مختلفة، و10 مليار دولار عبارة عن استثمارات من شركات صينية متعددة. كما تم إعفاء 33 دولة أفريقية من الرسوم الجمركية. ودعا إلى تعزيز مجال التعاون العسكري. وفي هذا المجال من المؤكد أن الرئيس الصيني لا يقصد الدعوة نحو إقامة تحالف عسكري بهدف الحرب، وإنما معظم أهداف التعاون العسكري الصيني تقع في إطار الدفاع عن خطوط التجارة العالمية وخاصة في البحر ضد قرصنة البحار، وهو ما يعزز دخول الدول على خط حماية اقتصاداتها وضمان وقوف عالم الجنوب في وجه الاستعمار الغربي الذي يهددها جميعاً عبر الأساطيل المنتشرة في العالم. والجدير ذكره أن أهم الدول الإفريقية التي اتجهت إلى الصين من أجل التعاون العسكري هما الجزائر ومصر، مما سيعني ذلك إحراجاً هاماً بالنسبة لدول الغرب التي تنظر لهذا الأمر بقلق، وفي هذا كلام كثير، خاصة إذا علمنا أن الصين أبدت اهتماماً خاصاً بإعادة إعمار ليبيا.
الاهتمام الصيني بأفريقيا ليس حديث العهد! ما بين الأعوام 2012- 2014 وافقت الصين على إعطاء قروض لأفريقيا، وصلت إلى أكثر من 10 مليار دولار، وتقع ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جين بينغ". وأما في العام 2023 فقد زادت هذه القروض ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه في العام 2022، وذلك بحسب مركز "سياسة التنمية العالمي" في جامعة بوسطن. ووصلت قيمة القروض ما بين الأعوام 2000 و2023 إلى 128,28 مليار دولار. ذهب الجزء الأكبر منها إلى قطاعات الطاقة والنقل وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات. وخلال العام الماضي تم منح نيجيريا قرض بقيمة مليار دولار من أجل مشروع سكك الحديد في داخل البلاد من كادونا إلى كانو. كما أن القروض العشرة التي قدمت في العام 2023، خصصت لمشاريع إنتاج الكهرباء النظيفة من الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، بدلاً عن الفحم الحجري.
هذا التعاون المتزايد ما بين الصين وأفريقيا يعد إنذاراً خطيراً بالنسبة للغرب الذي يفقد سلطته الاستعمارية القديمة في أفريقيا، كما قلنا في البداية. وكان من الملفت أن يعلن المنتدى أنه بات على العالم الغربي أن يقدم اعتذاراً لأفريقيا بسبب ما تعرضت له خلال سنين الاستعمار الطويلة، والتي لم تحتل الأرض ومقدراتها فقط، بل تاجرت بالأفارقة وحاولت قولبة الإفريقيين بما يتناسب والدور الذي اختاره لهم الغرب. وهذا الموقف الإنساني المهم الذي أعلنت عنه الصين يصب في خانة احترام الشعوب واحترام ثقافاتها وإنسانيتها، وقد عانت الصين ولفترة طويلة من محاولات الغرب إخضاعها وقوتها البشرية، وتم التعامل مع العمال الصينيين في أستراليا وأمريكا بنفس الاسلوب وكانوا يعملون بأجر زهيد، ولكن باتت الصين اليوم أهم قوة اقتصادية صاعدة، وثاني قوة اقتصادية في العالم.
إن مشروع "الحزام والطريق"، الذي تعمل من خلاله الصين على تطوير الاستثمارات مع الدول في جنوب الكرة الأرضية من أجل بناء أهم شبكة طرق تجارية برية وبحرية سيكون له نتائج هامة في تطور اقتصاد هذه الشعوب حول العالم. لقد ابتدأ المشروع في البداية من أجل النهوض بالغرب الصيني، وهذا ما تحدث عنه السفير الصيني، وان كيجيان، خلال محاضرة ألقاها في العام 2019 في بيروت- لبنان، ولكنه انتهى كمشروع عالمي، لأن الصين تؤمن بالسلام العالمي الحقيقي، كما قال السفير كيجيان، ولكن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق في عالم لا تسوده العدالة ومنها العدالة الاقتصادية والرفاه في العالم أجمع، وليس في بلد محدد.
الولايات المتحدة الأميركيةافريقياالصينأوروبا