آراء وتحليلات
قراءة عسكرية حول أسباب تمسك نتنياهو بمحوري نتساريم وفيلادلفيا
يقدم العميد شارل أبي نادر في هذا المقال قراءة عسكرية حول أسباب تمسك نتنياهو بمحوري نتساريم وفيلادلفيا ويسلط الضوء على أهميتهما الإستراتيجية بالنسبة للعدو، وعلى إصراره على عدم التنازل عنهما حتى غدتا كأنهما لب الصراع، أو كأن الحرب انحصرت في السيطرة عليهما أو الانسحاب منهما، وعُلقت مفاوضات وقف إطلاق النار عليهما.
صحيح أن المواجهة بين وحدات العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها، ما زالت مفتوحة دون حسم على أغلب مناطق قطاع غزة شمالاً ووسطاً وجنوباً، وصحيح أن مناورة الأعمال القتالية لفصائل المقاومة ما زالت نفسها تقريباً داخل كامل القطاع، بعد مرور أحد عشر شهراً على الحرب، ولم يظهر فعلياً أنها تراجعت، ولكن يبقى للاشتباك المتواصل في ( وعلى ) محوري نتساريم وفيلادلفيا مضمونٌ مختلف بما يحمله من أبعاد إستراتيجية، تتجاوز الأبعاد العسكرية والميدانية رغم أهميتها، لكي يبدو أخيراً أن لب الصراع والحرب انحصر بسيطرة العدو عليهما أو بانسحابه منهما .
فما أهمية المحورين من الناحية العسكرية؟ ولماذا يتمسك بهما نتنياهو ويربط نجاح أو فشل التسوية بهما؟
لناحية نتساريم :
في الواقع، أصبحت اليوم منطقة محور نتساريم أو المنطقة الجغرافية الفاصلة بين شمال القطاع وبين وسطه، والمحددة فعلياً بطول ٧ كلم تقريباً وبعرض ٤ كلم تقريباً، بين جحر الديك شرقاً والشيخ عجلين غرباً وبين شارع رقم عشرة شمالاً ووادي غزة جنوباً، منطقة قتال يومي ومواجهات متواصلة، وحيث تشكل بالنسبة للمقاومة منطقة الاستهداف الأولى لآليات ولعناصر العدو ، تشكل بالنسبة لوحدات الأخير قاعدة التمركز الأساسية داخل القطاع، ونقطة الانطلاق الأكثر حيوية لأغلب عملياتها الهجومية، ومحور الربط الرئيسي لحركتها بين غلاف القطاع شرقاً وبين كل مناطق عملها داخله.
بالنسبة للعدو، فإن وحداته تتكبد نسبة غير بسيطة من خسائرها في العديد وفي العتاد داخل منطقة محور نتساريم، بعد أن أصبحت أشبه بنقطة الضعف الأخطر عليها، وبعد أن باتت مسرح الأهداف الأسهل تقريباً لوحدات المقاومة الفلسطينية (حركة حماس وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى وحركة المجاهدين) وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية داخل القطاع، والتي تتبادل الرمايات المركزة والدقيقة بكل أنواع أسلحة المواجهة التي تملكها، من هوواين وقاذفات ضد الآليات والأفراد وقناصات وصواريخ موجهة بمختلف نماذجها مثل رجوم و١٠٧ ملم وغيرها، على هذه الوحدات العدوة داخل المحور المذكور .
بالمقابل، ورغم هذه الخسائر الضخمة التي تسقط له، يبقى العدو متشبثاً بالتمركز داخل هذا المحور، معتبراً أنه ببقائه مسيطراً عليه، يبقى ممسكاً بنقاط الدخول البرية إلى شمال القطاع، أي عملياً إلى مدينة غزة وأحيائها الصامدة، جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية والزيتون وغيرها، من المناطق والأحياء التي وقفت بوجه آلة القتل والتدمير الإسرائيلية رغم التضحيات الضخمة التي دفعتها.
لناحية فيلادلفيا:
صحيح أن أهميته الإستراتيجية ما زالت تفرض نفسها، كمحور أساسي من نقاط الارتباط الدولية بين غزة والعالم الخارجي عبر مصر، بالإضافة لكونه نقطة مشتركة للمصالح الإقليمية والدولية من خلال بنود اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وكيان الاحتلال، ولكن يبقى لأهميته العسكرية والميدانية بُعداً خاصاً، يجعل نتنياهو ( رئيس حكومة العدو) يتمسك به بشكل هستيري.
هذه الأهمية العسكرية لمحور فيلادلفيا تظهر من خلال كونه يحضن كل المعابر والخطوط البرية، الأرضية أو ما تحت الأرضية، والتي تؤمن للمقاومة وفق ما يعتبر نتنياهو توكسيجين القتال والصمود والردع، أي الأسلحة والذخائر الجاهزة من جهة، والمواد الأولية الخاصة بتجهيز وتطوير وتصنيع أسلحتها من جهة أخرى، والتي برهنت مواجهات طوفان الأقصى حتى الآن بعد مرور زهاء العام، أن نسبة الأسلحة والذخائر المصنعة توازي أو تتفوق قليلاً على نسبة الجاهزة منها.
هذا لناحية الأهمية العسكرية لمحور فيلادلفيا كمعبر أساسي للأسلحة وللتجهيزات العسكرية، ولكن تبقى أيضاً أهميته الميدانية، لناحية كونه المحور الأوسع جغرافياً بين غلاف غزة شرقاً، وبين ساحلها غرباً، وما لذلك من أهمية لمناورة الانتشار والقتال الدفاعية لفصائل المقاومة، حيث برهنت هذه الجغرافيا الأوسع في القطاع، عمَّا يمكن أن تقدمه للمقاومة من مرونة في تنفيذ مروحة واسعة من العمليات ضد آليات العدو وجنوده عند أي عدوان على القطاع من اتجاه الجنوب أو من اتجاه جنوب شرق .
ويبقى أن نوايا نتنياهو العدوانية تجاه القطاع، يبرهنها تمسكه الأعمى بمحوري نتساريم وفيلادلفيا مع تشبّثه بالمحور الأخير، رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية للتنازل عنه والسير بتسوية التبادل ووقف إطلاق النار .
غزةبنيامين نتنياهوالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024