نقاط على الحروف
تضامن على مساحة وطن.. هذا هو لبنان بمواجهة الإرهاب والعدوان
عصر أمس الثلاثاء كنا في زيارة معتادة لمريضتنا الغالية القابعة في إحدى غرف قسم العناية الفائقة في مستشفى بشامون التخصصي.. فجأة بدا أن أمرًا ما قد حدث غير المزاج العام ومعه الإجراءات الروتينية.. وحل مكانها حالة استنفار عارمة.. حضر الممرضون وطلبوا منا الخروج بسبب إجراءات طارئة. بدا الأمر غريبًا إذ كانت ساعتنا تشير إلى أننا لا نزال في وقت الزيارات الرسمي، لكن الممرضين أصروا علينا بلطفهم المعهود وأفادونا باتخاذ ترتيبات بسبب إجراءات طارئة. في تلك الدقائق كانت تعيش والدتي لحظات الرجاء مع الله وتقرأ القرآن الكريم لشفاء مريضتنا، فما كان من أحد الممرضين إلا أن أمسك بالقرآن وقبله ووضعه على رأسه، وقال "بحق، هناك حالة طارئة"!.
في تلك اللحظة لم نكن ندرك بعد ماذا جرى، رغم ذلك تفهمنا الوضع وخرجنا، لم يقل أحد شيئاً، لم ينبِس أحد الموظفين أو الأطباء أو أسرة المشفى ببنت شَفَة، وفيما كنا نسير إلى حديقة المشفى وهي امتداد لموقف السيارات، كان المنظر مهيباً، كبار وصغار من مختلف أطياف لبنان، خرجوا من أقسام الطوارئ والعناية الفائقة، تركوا أحباء لهم في الداخل، حتى امتلأت باحة المشفى بزوار مرضاها.. الجميع في حالة ترقب.. أخلي المشفى لاستقبال طارئ على مستوى الوطن.. وخلال دقائق، كان الجميع ينظرون إلى هواتفهم يبحثون عن الخبر، في تطبيقات "السوشيال ميديا" الواتس آب وتلغرام...، فجأة سمعنا أحدهم يردد متضامناً: "مصاب جلل أصاب لبنان"..، حينها فقط عرفنا سر الاستنفار في المشفى إنه عدوان إرهابي صهيوني طاول بيروت بل لبنان كل لبنان..، للوهلة الأولى تساءلنا كيف لم نسمع أو نشعر بشيء ونحن لا يفصلنا سوى 30- 40 كيلومتراً عن عاصمتنا؟ ما الذي حدث؟ جلسنا جميعاً وغرقنا في ما أصاب الوطن، وهانت علينا آلام أحبتنا المرضى، حين انغمسنا في محبة جميع من أحضرته الإسعافات ممن طاولهم العدوان الإرهابي إلى المشفى. لحظات، سمعنا زائر أحد مرضى السرطان من الدرجة الثالثة، يردد "إنه عدوان "إسرائيلي" طاول حاملي البيجر[المنبه الطنان]، وهناك جرحى شديدو الإصابة وشهداء مدنيون".. "البيجر" كان يمكن أن يكون في يد وخاصرة أي منا أو في خاصرة طبيب بيننا!.. ولكن كيف حدث ما حدث؟ انتشر السؤال! وبدأت الاتصالات على قدم وساق نريد أن نطمئن على أهالينا في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع، في كل مكان من لبنان.
بدأت تتوالى الأخبار حول أعداد المصابين، مواطنون مدنيون شبان، ونساء وأطفال، يمارسون حياتهم الاعتيادية بين الناس في منازلهم وفي الأسواق والشوارع والمدارس .. كلهم طاولهم الإرهاب المعادي.. بحق إنها جريمة إبادة جماعية .. "ربي يرميهم [أي الصهاينة] بحجارة من سجيل". صرخت والدتي، عفويًا التف الجميع حولها وتضامنوا معها بدعواها.. لبنانيون تعاطفوا مع إخوانهم اللبنانيين، بمواجهة العدو "الإسرائيلي المجرم والجبان".. حدث ذلك كله في ساعتين بين الرابعة والنصف والسادسة والنصف، توافدت قوافل سيارت الإسعاف التابعة لجمعيات صحية مختلفة إلى المشفى، بعدما امتلأت صيدا عاصمة المقاومة بمن ألفتهم من أبنائها، جرحى ومصابين، تلا ذلك توافد المزيد من الأطقم الطبية والتمريضبة إلى المشفى. لله درهم!. الجميع يلبي نداء الواجب الوطني.
لحظة خروجنا إلى باحة المشفى وقف في بابها فرد من أطقمها الإدارية، اعتذر من الزوار القادمين بدبلوماسية، ومنع دخول المشفى إلا للمصابين.. استعد فريق الإسعاف وارتدى "المريول" الأحمر فوق الزي الرسمي الأزرق للموظفين والممرضين والممرضات، وارتدى أطباء الإسعاف زيهم الطبي الأحمر. ارتفعت درجة حالة الخطر مما يعرف بدرجة زرقاء إلى درجة حمراء. وبدأ تطبيب المصابين وتكليم جروحهم في مشهد التفاف وطني قلّ نظيره.. كبرت قلوبنا فهذا هو لبنان الذي نعرفه قوي بمقاومته وبالتفاف اللبنانيين حولها..
انتشرت القوى الأمنية من الأمن العام والجيش اللبناني، والشرطة البلدية في المحلة حول مدخل المشفى وفي داخله، وفورًا حضر رئيس البلدية.. نظموا السير وطريق الدخول والخروج لتسهيل وصول المصابين جراء العدوان الارهابي إلى المشفى، فيما اصطف عشرات الشبان ينتظرون دورهم للتبرع بالدم. كانت الإجراءات والهدوء الذي أديرت به ملفتة ومهيبة. لم نسأل من أصيب لأن المصابين جميعاً هم من أهالينا أياً كان المكان في لبنان، ولكن سألنا عن حالهم ودعونا لهم بالشفاء العاجل.
صورة ومشهد أمس على مساحة حديقة مشفى بشامون التخصصي التي لا تتعدى الألفي متر مربع عكست صورة عن تضامن على مساحة وطن بأكمله.. اختصرت مواقف اللبنانيين من كل الأطياف.. كانت أعمارنا ما بين السادسة عشر والسادسة والثمانين، ولكن الجميع كان على قلب واحد.. على قلب وطن، يمقت الإرهاب الصهيوني ويعشق الإنسانية والحياة الآمنة والجميلة في بلادنا الجميلة، من فلسطين إلى كل البلدان العربية والصديقة. الكل يفهم أنها معركة مصير، الكل يرغب بأن يقوم بدوره على أكمل وجه. ساعتان في باحة المشفى قبل أن تحين لحظة الإنطلاق، تجلى الوجه الحقيقي لبلدي من فلسطين إلى لبنان إلى سورية والعراق وحتى حدود اليمن والدار البيضاء.