آراء وتحليلات
ما خلفيات الاتهامات الغربية لإيران بتسليح روسيا ؟
على مدى الأسابيع الماضية أطلقت الولايات المتحدة حملة اتهامات سياسية مكثفة ضد إيران على لسان كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وركّزت الحملة على اتهام الجمهورية الإسلامية بتزويد روسيا الاتحادية بالصواريخ البالستية لاستخدامها في حربها المستمرة مع أوكرانيا.
ليست المرة الأولى التي تتهم فيها واشنطن طهران بتزويد روسيا بالسلاح، فقد سبق لها أن روّجت لاتهامات مشابهة، مدّعية تزويد طهران روسيا بطائرات مسيرة، وإرسالها خبراء عسكريين لتدريب الجنود الروس، لكن اللافت هذه المرة هو أن واشنطن تولّت بنفسها إطلاق وقيادة هذه الحملة على عكس المرات السابقة التي كانت توعز فيها لحليفتها أوكرانيا بإطلاق مثل تلك الاتهامات والترويج لها، قبل أن يأتي الدور الأميركي على شكل تحذيرات سياسية.
وبدأت واشنطن حملتها المنسقة والمعدّة مسبقاً عبر البيت الأبيض الذي اتهم طهران بتدريب جنود روس على استخدام الصواريخ البالستية القصيرة المدى، ثم تولى الناطق باسم مكتب الأمن القومي "جون كيربي" إطلاق التهديدات بفرض إجراءات عقابية ضد طهران، قبل أن ينتقل ملف الحملة لوزارة الخارجية بقيادة الوزير "بلينكن" الذي أعلن عن امتلاك واشنطن معلومات استخباراتية تؤكد وصول الصواريخ الإيرانية لروسيا، وأنه جرى تبادل تلك المعلومات مع العديد من دول الاتحاد الأوروبي الذي انضم لحملة الاتهامات الأميركية، ثم تولى الوزير بلينكن بنفسه القيام بجولة أوروبية بدأها من بريطانيا تزامنت مع قيام كل من الولايات المتحدة وعدد من دول الأوروبية "بريطانيا وفرنسا وألمانيا" بفرض عقوبات على إيران شملت بالدرجة الأولى قطاع الطيران.
الموقف الإيراني :
نفت إيران بشدة الاتهامات الغربية بتصدير أسلحة الى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، أو اي دور لإيران في تصدير أسلحة الى أحد طرفي الحرب الروسية-الأوكرانية.
ووصف الناطق باسم الخارجية الإيرانية "ناصر كنعاني" تلك الإتهامات بالدعاية القبيحة، وقال بأن من يوجّهون هذه الاتهامات إلى طهران هم من بين أكبر مصدّري الأسلحة الى أحد طرفي الحرب، في إشارة للدعم الغربي العسكري واللا محدود لأوكرانيا، كما حرصت طهران على التأكيد بأن تلك الاتهامات تقف خلفها دوافع وأسباب سياسية.
وكانت إيران قد طلبت في ما مضى من كييف تزويدها بالأدلة التي بحوزتها حول قيام روسيا باستخدام الطيران المسير الإيراني في الحرب الأوكرانية وفقاً لادعاءاتها، وبقي الطلب الإيراني بدون ردّ من قبل أوكرانيا التي عجزت عن تقديم ما يثبت ادعاءاتها.
ما خلفيات الاتهامات الأميركية والغربية وأهدافها؟
يمكننا بداية أن نلاحظ بأن دوائر القرار السياسي ـ لا العسكري ـ في واشنطن والعواصم الغربية هي من تولت إطلاق الحملة والترويج لها بشكل متناسق ومنظم، وهو ما يؤكد بأن تحضيراً مسبقاً ومنسقاً قد جرى إعداده وصولاً لفرض العقوبات على طهران من دون تقديم أدلة علنية على تلك الادعاءات، وهذا بحد ذاته يعد دليلاً واضحاً على أن تلك الاتهامات تقف خلفها غايات سياسية، تسعى واشنطن والغرب لتحقيقها، نذكر أهمها:
أولاً: أرادت واشنطن قطع الطريق على أي حوار أو تقارب بين إيران وأوروبا في ظل الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس الجديد "مسعود بزشكيان" والذي أبدى رغبة في الانفتاح على أوروبا وتفعيل الحوار معها.
ثانياً: تسعى واشنطن من خلال فرض المزيد من العقوبات إلى عرقلة أية محاولة إيرانية لرفع العقوبات السابقة عن طهران في إطار ما يمكن أن تنتجه سياسات الانفتاح والحوار التي ينتهجها الرئيس الإيراني الجديد وحكومته بكل الاتجاهات الإقليمية والعالمية.
ثالثاً : تعمل واشنطن على خلق نوع من التمحور الإقليمي والعالمي في الشرق الأوسط و أوروبا بهدف إعادة خلط الأوراق، وصولاً إلى منع أي تقارب بين إيران ودول الجوار وخاصة في الشرق الأوسط، وكذلك بين روسيا و دول الشرق الشرق الأوسط، وذلك عبر الإيحاء بوجود حلف عسكري روسي-إيراني يجب على دول الإقليم مواجهته عبر التخندق في محور معاكس تقوده واشنطن و"تل أبيب".
رابعاً : تعتقد واشنطن أن الترويج لسياسات التمحور والأحلاف الإقليمية سيسهم في تخريب التقارب الإيراني مع دول إقليمية عديدة كالسعودية ومصر وتركيا وباكستان، وصولاً لآسيا الوسطى وجنوب آسيا ودول الخليج.
خامساً : تريد واشنطن دق إسفين في العلاقة بين روسيا ودول الخليج خصوصاً عبر الإيحاء بقيام تحالف عسكري إيراني-روسي يستهدف أمنها الإقليمي، وبالتالي الدفع بها للتخلي عن التقارب مع روسيا والامتناع عن التفكير في التشبيك خارج العلاقات الإستراتيتيجية والتبعية مطللولايات المتحدة.
سادساً : تريد واشنطن التغطية على الدعم اللا محدود والمفتوح الذي تقدمه لـ"إسرائيل" في حرب الإبادة الجماعية التي تقودها ضد الشعب الفلسطيني في غزة و الضفة الغربية .
سابعاً : تريد إدارة بايدن من هذه الاتهامات خلق المبررات السياسية على الصعيد الداخلي لاستمرارها بتبني سياسات الدعم المالي والعسكري التي تقدمها لأوكرانيا خاصة في ظل تحول الموضوع إلى أحد العوامل المؤثرة في السباق الرئاسي الأمريكي .
ثامناً : يسعى الغرب، وعلى وجه التحديد واشنطن للتغطية على الخطوات الأخيرة التي اتخذها بشأن تزويد أوكرانيا بالسلاح القادر على استهداف العمق الروسي، وخاصة سلاح الصواريخ، وبالتالي التغطية لاحقاً على قيام النظام في كييف بضرب الأراضي الروسية.
أخيراً، لا بد من التأكيد على أن واشنطن قد فضحت نفسها وغاياتها من تلك الحملة الدعائية الكاذبة و المضللة، وذلك على لسان الناطق باسم البيت الأبيض عندما قال "إن التعاون العسكري بين إيران وروسيا يشكل خطراً على أوروبا والشرق الأوسط"، وهو ما يمثل اعترافاً صريحاً من قبل واشنطن بحقيقة نواياها وانكشافاً لسياساتها.