آراء وتحليلات
منظومة "ثاد" الأميركية.. إقرار بنجاح المقاومة في معركة السماء
في تطوّر لافت أعلنت وزارة الحرب الأمريكية "البنتاغون"، يوم الأحد الفائت، عن قرارها بتزويد الكيان "الإسرائيلي" بمنظومة "ثاد" THAAD المتطورة المضادة للصواريخ بناء على توجيهات من الرئيس الأميركي جو بايدن ..
يُصنّف نظام "ثاد" واحد من أكثر أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ تطورًا في العالم، ولطالما احتكرته الولايات المتحدة لنفسها، وحرصت عند نشره خارج حدودها على تشغيل جنود الجيش الأمريكي له حتى لو كان هذا اللانتشار على أراضي دولة أخرى حليفة لواشنطن. ولعلّ ذلك ما يفسر عزم واشنطن على إرسال 100 جندي من عناصر الجيش الأميركي الذين تحتاجهم المنظومة لتشغيلها عند نشرها في كيان الاحتلال, وهذا ما سيشكل تطورًا آخر في سياق الصراع القائم؛ على أساس أنّها ستكون المرة الأولى التي تعلن فيها واشنطن نشر جنود لها على الأرض داخل فلسطين المحتلة، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد أن شارك الجيش الأميركي بحرًا وجوًا في الصراع الدائر ..
خلفيات القرار الأمريكي وتوقيته :
يمتلك الكيان "الإسرائيلي" نظامًا متعدد الطبقات للدفاع الجوي؛ يتألف من منظومة "القبة الحديدية" ومنظومة "مقلاع داؤود" ومنظومة "حيتس". ولطالما تغنى قادة الكيان العسكريون والسياسيون بهذا النظام المركّب و قدراته الفريدة والمتطورة في التعامل مع الأهداف الجوية المعادية والمتنوعة ..غير أن المواجهة المستمرة منذ انطلاقة "طوفان الأقصى" شهدت عددًا كبيرًا من الخروقات لهذه الأنظمة وعجزها عن حماية أجواء الكيان في مواجهة سلاحي الطيران المسيّر والصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى التي استخدمتها جبهة المقاومة.
إزاء هذا الواقع؛ يمكن لنا الإشارة إلى بعض تلك الخروقات التي أصابت تلك الأنظمة بمقتل في سمعتها واهتزت في أثرها ثقة "الإسرائيليين" بأسطورة جيشهم:
1. استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان الناجح لقاعدة "ميرون" الجوية في الشمال وقاعدة "جليلوت" الأمنية في الوسط وقاعدة "رامات دافيد" الجوية، في ظل تشتت وعجز منظومات الدفاع الجوي "الإسرائيلية".
2. تدمير المقاومة الإسلامية في لبنان عدد من منظومات "الباتريوت" التي تتبع لـ"القبة الحديدية" بواسطة الطيران المسيّر الانقضاضي.
3. المسح الجوي الدقيق الذي نفذه حزب الله بواسطة الطيران المسيّر لشمال الكيان ووسطه؛ في ما عرف برسائل "الهدهد" التي أرعبت الكيان.
4. استهداف القوات المسلحة اليمنية الناجح لـ"تل أبيب" بواسطة مسيرة "يافا" وصاروخ "فلسطين 2"
5. استهدافات المقاومة العراقية المتكررة والناجحة لميناء إيلات بالطيران المسيّر.
6. الهجوم الصاروخي الإيراني الواسع والحاسم بواسطة الصواريخ البالستية و"الفرط صوتية" التي بلغ عددها ما يقارب 200 صاروخ، والتي نجح 90% منها في الوصول إلى أهدافه العسكرية في جنوب الكيان "الإسرائيلي ووسطه، وخلّف دمارًا كبيرًا وأضرارًا بالغة في أهم القواعد والمطارات العسكرية "الإسرائيلية"، في ظل الفشل الذريع الذي أصاب منظومات الدفاع الجوي "الإسرائيلية" إلى جانب المنظومات الدفاعية الأمريكية والغربية المنتشرة في الإقليم.
استنادًا إلى تلك الوقائع الحربية والكثير غيرها؛ يمكن القول بأن سمعة وهيبة التكنولوجيا العسكرية الدفاعية "الإسرائيلية"، ومن خلفها الأمريكية والغربية، قد سقطت، وأسقطت معها ثقة الشارع "الإسرائيلي" بـ"البروباغندا" الدعائية المضللة التي مورست عليه منذ نشأة الكيان .
وعليه؛ يأتي الإعلان الأميركي عن تزويد الكيان "الإسرائيلي" بمنظومة "ثاد" خيارًا جديدًا ومستحدثًا لمعالجة تلك الخروقات ومحاولة بائسة لسد الثغرات؛ وخاصة قبيل الردّ "الإسرائيلي" المرتقب- على حد زعمهم- على الهجوم الإيراني الأخير، والخشية الأميركية "الإسرائيلية" من أن يتسبب هذا الرد برد معاكس من إيران وجبهة المقاومة يكون أكثر إيلامًا وأشد فتكًا، وبعد أن أعلنت طهران صراحة على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين بأنّ ردها القادم على أي اعتداء "إسرائيلي" سيكون فوريًا وأكبر من الهجوم الصاروخي الآخر .
التضليل الإعلامي والسياسي :
شهدت مرحلة ما بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الناجح الكثير من التصريحات والتسريبات السياسية والإعلامية، وتعمّدت خلالها كل من واشنطن و"تل أبيب" إظهار مناقشاتهما في طبيعة الرد وكيفيته على الهجوم الإيراني، وفي الوقت الذي أدت فيه "إسرائيل" دور المطلق للتهديدات المفتوحة السقف التي بلغت حد التهديد باستهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، فإن واشنطن حرصت على تأدية دور المفاوض لـ"إسرائيل" لتخفيف سقف أهدافها مع إعلان واسنطن الالتزام الكامل والمطلق بأمن الكيان "الإسرائيلي" وضرورة الرد لينتهي السجال السياسي والإعلامي المسرحي بينهما بإعلان واشنطن بأنّ نتنياهو وافق على أن يشمل العدوان "الإسرائيلي" المرتقب على إيران أهدافًا عسكرية فقط؛ وسط ترحيب واشنطن بهذا القرار عبر الإعلان عن تزويده بمنظومة "ثاد" الدفاعية.
في حقيقة الأمر؛ هي أن واشنطن و"تل أبيب" حاولتا بهذا السجال المسرحي جس نبض واختبار رد الفعل الإيراني على تلك المماحكات المفتعلة. وردّ الفعل الإيراني هذا كان حاسمًا وذكيًا وحكيمًا، فقد أعلنت طهران عن إيقاف المفاوضات مع واشنطن عبر سلطنة عمان، وهددت باستهداف منشآت الطاقة و النفط "الإسرائيلية" بشكل كامل، في ما صدرت تسريبات إعلامية ونيابية وشعبية تدعو لضرورة إعادة النظر في العقيدة النووية. ولعل الأكثر تأثيرًا كان ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عندما ألمح إلى أن الجنود الاميريكيين المكلفين بتشغيل منظومة "ثاد" سيكونون أهدافًا مشروعة ..
النتيجة هي أن محاولات واشنطن و"تل أبيب" للاستثمار السياسي والإعلامي بمنظومة "ثاد" قد سقطت قبل أن تصل المنظومة مع الجنود الأميركيين إلى الكيان "الإسرائيلي"، وأن الإدعاءات بتخفيض سقف الأهداف "الإسرائيلية" للعدوان المحتمل ليست سوى محاولة استجداء لعدم الرد الإيراني، وتسريب خبر منظومة "ثاد" قد أفرغ من أهدافه عبر التلويح الإيراني باستهداف المنظومة ذاتها مع جنودها.
أسطورة منظومة "ثاد" THAAD:
على الرغم من التضخيم الإعلامي المتعمد لقدرات منظومة "ثاد" الأمريكية المضادة للصواريخ، غير أن مؤشرات ودلائل عديدة تؤكد بأن تلك المنظومة لن تغير شيئًا في معادلات الردع والمعادلات العسكرية، بل إنها قد تتحول إلى عامل إضافي لمزيد من الفضائح التي تطال الهيبة الأمريكية على الصعيد العسكري بعد أن مزقت هيبة الكيان "الإسرائيلي" على يد المقاومة.
يمكن لنا ذكر بعض المؤشرات والدلائل :
أولًا؛ صحيح أن "ثاد" مخصصة لاعتراض الصواريخ داخل الغلاف الجوي وخارجه، لكن لم يثبت عمليًا قدرتها على اعتراض الصواريخ "الفرط-صوتية" التي تمتلك القدرة على المناورة، والتي يؤكد كبار الخبراء العسكريين استحالة اعتراضها.
ثانيًا؛ حتى بالنسبة إلى الصواريخ الباليستية التي لا تمتلك القدرة على المناورة؛ يبقى اعتراضها غير مؤكد، ويمكن بها في حال الإغراق العددي أن تتمكّن من تشتيت وإشغال منظومة "ثاد" وغيرها وإيصال المقذوف المطلوب إلى الهدف.
ثالثًا؛ إن منظومة "ثاد" مخصصة للصواريخ المتوسطة المدى، ولا يمكنها التعامل مع الأهداف القصيرة المدى، مثل الطيران المسيّر الانقضاضي، والذي يمكنه اختراق هذه المنظومة وغيرها وحتى الوصول إليها وتدميرها. ولعل عملية حزب الله الأخيرة في معسكر "بنيامينا" تشكل خير دليل على ذلك، ومن غير المستبعد أنها حملت رسالة تهديد لمنظومة "ثاد" خاصة أنها جاءت بعيد إعلان واسنطن عن قرارها بتزويد "إسرائيل" بهذه المنظومة.
رابعًا؛ ليست المرة الأولى التي تزود فيها واشنطن "إسرائيل" بمنظومة "ثاد"، كما أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها واشنطن بنشر هذه المنظومة في الشرق الأوسط. وعليه؛ هذه المنظومة سبق لها الفشل في اعتراض صواريخ جبهة المقاومة في العراق وفلسطين واليمن وغيرها .
خامسًا؛ تمتلك إيران وجبهة المقاومة الكثير من الإمكانات التي لمّا يكشف عنها بعد، فإذا كان ما كشف عنه كفيل باختراق المنظومات الحديثة، فكيف بما لم يُخرج من أدراج المفاجآت ؟
في الختام؛ لا بد لنا من الإشارة إلى جملة حقائق في غاية الأهمية؛ كُشف عنهما عن غير قصد من خلال الإعلان عن تزويد واشنطن لـ"إسرائيل" بمنظومة "ثاد":
الأولى؛ أن ذلك يمثل اعترافًا ضمنيًا بنجاح الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير.
الثانية؛ أنه يمثل إقرارًا إاسرائيليًا واضحًا بفشل كل منظومات الدفاعية الجوية التي تباهى بها العدو سابقًا (القبة الحديدة، مقلاع داوود، حيتس، الباتربوت..).
الثالثة، أنه يمثل اعترافًا ضمنيًا بعجز الكيان "الإسرائيلي" عن حماية نفسه وحاجته الدائمة والمستمرة للولايات المتحدة الأمريكية.
الرابعة؛ أن ما أعلنته "اسرائيل" العام الماضي عن نجاحها في تصنيع أسلحة ليزرية قادرة على إسقاط أي هدف جوي والترويج بواسطته لما أطلقت عليه اسم منظومة "الشعاع الحديدي" لم يكن سوى كذبة كبيرة تضاف إلى سلسلة الخداع والتضليل والقوة الوهمية التي تروج لها.
الخامسة والأهم، أن تزويد واشنطن للعدو بمنظومة "ثاد" هو إقرار واضح بفشل الأخير وبنجاح ترسانة جبهة المقاومة الصاروخية في تحقيق أهدافها، بالرغم من التعتيم الإعلامي والرقابة العسكرية التي يفرضها العدو.. وبمعنى آخر نجاح المقاومة في معركة السماء، بعد البحر (الحصار البحري اليمني)، في وقت يسطر فيه مجاهدو المقاومة في لبنان وفلسطين البطولات في معركة البر..
الدفاع الجويالجيش الاسرائيليجبهة المقاومة