آراء وتحليلات
العراق والثورة الإسلامية في إيران.. من الصدام الى الانسجام
لأن الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها وفجّرها الإمام روح الله الموسوي الخميني (1902-1989)، في ربيع عام 1979، كانت حدثًا عالمياً كبيرًا، وانعطافة مهمة في المشهدين الإقليمي والدولي، فقد كان من الطبيعي أن تتم قراءتها وتحليل مقدماتها ونتائجها وتأثيراتها من زوايا وأبعاد متعددة، يرتبط الجزء الأكبر منها بالارتدادات التي أحدثتها في محيطها الإقليمي، وتحديداً في جوارها الجغرافي القريب.
وبسبب جملة عوامل وظروف وحقائق، ربما كان العراق من بين أكثر الدول التي تلقت ارتدادات الثورة الإيرانية، لتنعكس بعد وقت قصير بصورة مواقف وتوجهات وتحركات، وصلت إلى حد شنّ حرب عسكرية مسلحة بعد عام ونصف العام من انتصار الثورة والإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي، وبعد عام واحد من إزاحة أحمد حسن البكر عن السلطة في بغداد عبر مسرحية ساذجة، وتولي صدام حسين زمام الأمور، تمهيداً لتنفيذ المخططات والمشاريع التي كانت تحاك وترسم في الدوائر الغربية بواشنطن ولندن وباريس وعواصم أخرى.
فبينما لم تتجاوز الثورة الإسلامية الإيرانية عامها الأول إلا بأشهر قلائل حتى وجدت نفسها في مواجهة عسكرية طاحنة مع نظام حزب البعث العراقي. كان الدعم والتوجيه والتحريض الدولي والإقليمي واضحاً فيها إلى حد كبير. توقع الكثيرون أن تطيح تلك المواجهة بالثورة الفتية التي لم تكن قد التقطت أنفاسها بعد، ولم تستكمل بناء وضعها الداخلي، ولم تحكم سيطرتها ونفوذها بعد على كل زوايا وتفاصيل المسرح الداخلي، توقع الكثيرون أن تطيح تلك المواجهة بها خلال وقت قصير لا يتعدى الأشهر القلائل إن لم يكن الأسابيع، وربما لم يدر في خلد أحد أن تلك المواجهة ستستمر ثمانية أعوام متواصلة بلا انقطاع.
وبينما افترض الكثيرون أن النهاية التي آلت إليها الحرب، مثلت انتصارًا لنظام صدام وهزيمة للثورة الإيرانية، وتحديداً لزعيمها الإمام الخميني، فإن الواقع لم يكن كذلك بالمرة، لأن الأرقام والمعطيات والحقائق أشارت إلى عكس ذلك تماماً.
ولم تتوقف التحديات بانتهاء الحرب العبثية، بل إنها استمرت وتواصلت، واتخذت أشكالاً ومظاهر مختلفة، سرية وعلنية، بل إن نظام صدام نفسه حاول إقحام إيران بتبعات حماقاته وأفعاله العدوانية، حينما غزا الكويت في صيف عام 1990، وأراد أن يخلق فتنة ويوسع نطاق الحرب، إلا أنه فشل في ذلك فشلاً ذريعًا، لأن إيران أدركت حقيقة اللعبة وتصرفت بحكمة، وتكرر الأمر في عام 2003، حينما قررت الولايات المتحدة شن الحرب وإسقاط نظام صدام.
في مقابل ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية واصلت دعمها وإسنادها للشعب العراقي في نضاله ضد نظام الحكم في بغداد، وهو ما ساهم في تقوية وتعزيز الوشائج والروابط، وتنامي تعاطف العراقيين وتأييدهم وإسنادهم للثورة والدولة في إيران، رغم ما أفرزته وخلفته حرب الثمانية أعوام من مشاكل وأزمات عميقة بين البلدين.
وبرزت نتائج ومعطيات وثمار تلك الوشائج والروابط بعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، إذ كانت إيران في مقدمة الدول التي اندفعت وسارعت إلى الانفتاح على العراق، وتقديم الدعم والإسناد له في شتى الجوانب والمجالات، والسعي الجاد إلى حل ومعالجة القضايا والملفات العالقة معه.
وما بين انتصار الثورة في شباط-فبراير من عام 1979 وحتى سقوط نظام صدام في نيسان-إبريل 2003، تكون تلك حقبة زمنية مختلفة عما بعدها، في إطار العلاقات العراقية-الإيرانية، إذ إن رحيل النظام في بغداد مهد الطريق لتصحيح المسارات الخاطئة وحل ومعالجة القضايا والملفات الخلافية بين الطرفين، والتوجه إلى بناء علاقات قوية ورصينة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وفق رؤية إستراتيجية عميقة تأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة بين بغداد وطهران، والحقائق والمعطيات القائمة في المنطقة والعالم، ولعل هذا ما شدد وأكد عليه كبار الساسة وأصحاب القرار من الطرفين في مناسبات عديدة.
ولا شك أن الأمر المهم الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن إيران كانت الدولة الأكثر انفتاحاً على العراق بعد زوال نظام صدام، ووقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة والحرجة، لا سيما حينما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي مساحات واسعة من أراضيه في حزيران-يونيو من عام 2014، فضلاً عن ذلك فإن العلاقات والروابط الاقتصادية بين البلدين قد تنامت واتسعت هي الأخرى إلى حد كبير، وكذلك العلاقات والروابط الثقافية والاجتماعية.
وكان هذا التوجه جزءًا من سياسة إيران الخارجية التي تبنت مبدأ الانفتاح والتواصل مع مختلف الأطراف، بما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميبن، ويكرس المصالح المتبادلة، ويعالج الأزمات المتشابكة.
ومما لا يختلف عليه اثنان هو أن الجهورية الإسلامية الإيرانية نجحت إلى حد كبير جداً في بناء علاقات متوازنة مع محيطها الإقليمي رغم أجواء ومناخات الحروب والصراعات الدموية، وضغوطات بعض القوى الدولية، وكذلك نجحت في بناء علاقات متوازنة مع مختلف أطراف المجتمع الدولي، لا سيما المهمة منها، كالاتحاد الاوروبي واليابان وروسيا والصين، واضطلعت بأدوار إيجابية في معالجة أزمات ومشكلات غير قليلة، وأفلحت في إحباط كثير من المؤامرات والمخططات الهادفة إلى زعزعة استقرارها الداخلي، وإقحامها في دوامة صراعات وصدامات مع هذا الطرف أو ذاك من أجل إضعاف قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وبالتالي فهي أصبحت لاعبًا فاعلًا ومؤثرًا، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، وإنما على الصعيد الدولي، وباتت تشكل رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه أو تجاهله أو القفز عليه.
واليوم وبعدما اجتازت إيران الثورة والدولة الكثير من التحديات الكبرى، وأفشلت المؤامرات الخطيرة، وحولت التهديدات إلى فرص، داخلياً وخارجيًا، وأصبحت قوة إقليمية يشار لها بالبنان ويحسب لها ألف حساب، وتمتلك الكثير من الحلفاء والأصدقاء والمؤيدين، فإن واشنطن ما زالت تجرب نفس الوسائل والأدوات التي عفى عليها الزمن على أمل إسقاط الثورة والدولة والنظام في إيران التي باتت صواريخها تقض مضاجع واشنطن وتل أبيب وعواصم أخرى.
وكل ذلك ليس ببعيد عن الأجندات والمخططات التي تحاك للعراق، والتي يراد من ورائها إبعاده بأي ثمن عن إيران ومحور المقاومة، فالإستراتيجية الأميركية-الصهيونية القائمة حالياً تقوم على أساس ضرب وإضعاف حلفاء إيران وأصدقائها في أي مكان، في ذات الوقت الذي تواصل ضغوطها السياسية والاقتصادية عليها، ولعل بعض ما جرى يجري في العراق من وقائع وأحداث يعكس جانباً من تلك الإستراتيجية التي أثبتت التجارب أنها عقيمة وغير مجدية ولا مثمرة، ولو كانت مجدية ومثمرة لما كانت إيران تحتفل بالذكرى السنوية السادسة والأربعين لثورتها، وهي تملك سجلًا ضخمًا من المكاسب والإنجازات، ولما كانت علاقتها مع العراق بلغت هذا النمو والتطور والازدهار.
العراقذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايرانايران
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/03/2025
رفع رايات الاستسلام أولى أم ستر البلايا؟
28/03/2025
العراق وفلسطين ويوم القدس العالمي
التغطية الإخبارية
الإمام الخامنئي حول ما أصاب فلسطين ولبنان من جروح نازفة بسبب جرائم الكيان: باتحاد الدول الإسلامية وتضامنها سيحسب الآخرون حسابًا لممارساتهم
الإمام الخامنئي: أصبح ابتزاز الدول والشعوب الضعيفة أمرًا شائعًا وصريحًا من قبل القوى الكبرى
الإمام الخامنئي: التعاون وتضافر الأفكار بين الحكومات الإسلامية يشكّلان عائقًا أمام الاعتداء والتجبّر والابتزاز من قِبل القوى المعتدية والمستبدة
الإمام الخامنئي: الجمهورية الإسلامية تمدّ يدها إلى جميع الدول الإسلامية وتعدّ نفسها شقيقة لها وفي جبهة عامة وأساسية
الإمام الخامنئي: بموازاة الأحداث المتتالية والمتسارعة على المستوى العالمي يجب على الحكومات الإسلامية أن تحدد مواقعها بسرعة ودقة وتفكر من أجلها وتخطط لها
مقالات مرتبطة

صور| صلاة عيد الفطر المبارك في مرقد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف

صور| صلاة عيد الفطر المبارك من مرقد الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)

الشيخ الخزعلي: لا يصح بقاء العراق متفرّجًا على أحداث سورية.. ولا تستغربوا افتعال شيء لإدخاله المعركة

إحياءً ليوم القدس العالمي.. مَسيرات ومهرجانات وتجمّعات حاشدة في العراق

فيديو| إحياء يوم القدس العالمي في العاصمة العراقية بغداد

الإمام الخامنئي: مسيرات ذكرى انتصار الثورة رسالة للتهديدات الغبية

"درّة لبنان الساطعة ومهندس الطوفان".. معرض فني في ذكرى انتصار الثورة الاسلامية

عن ذكرى ثورة أحيت الأمّة...

بالأرقام.. نظرة على إنجازات الثورة الإسلامية المباركة

الرئيس الإيراني: "إسرائيل" تهدّد الأمن الإقليمي مدعومة من الولايات المتحدة

فيديو| الضابط الأميركي المتقاعد سكوت ريتر: إيران ليست دولة ضعيفة واستهدافها غباء

قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني: من يعتدي علينا سندمّره

الأدميرال رستكاري: أكثر من 90 في المئة من معدّات وأنظمة القوات الإيرانية تُصنّع محليًا

بالفيديو| القوات البحرية الإيرانية تكشف أنظمةً صاروخية جديدة في مضيق هرمز
