ramadan2024

آراء وتحليلات

خريطة
15/07/2019

خريطة "السيد" أو خريطة طريق الصلاة في القدس

شارل ابي نادر

لا شك أن ما طرحه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة على تلفزيون "المنار"، شكَّل في نظر أغلب المتابعين، من الأعداء أو من الأصدقاء، مادة نقاش وتحليل غير عادية  لناحية الاضاءة على مروحة الرسائل الواسعة التي أراد ايفادها، في الشكل، وفي المضمون، وفي التوقيت، والأهم من ذلك كله، أن سماحته قدم في هذه المقابلة، وبطريقة بسيطة وواضحة ومُعبِّرة جداً، فكرة مناورة عسكرية - استراتيجية، نستطيع أن نعتبرها عنصرًا رئيسًا في خارطة طريق ثابتة لمسار المواجهة والصراع التاريخي ضد العدو الاسرائيلي.

في الشكل، كان لمقاربة السيد الخاصة بتشريح مسرح عمليات المواجهة المرتقبة داخل كيان العدو من خلال خريطة تفصيلية، بُعد عميق لا يمكن تجاوزه، ومعناه أن قائد المقاومة هو بالأساس مقاتلٌ ميداني، يملك إلمامًا واسعًا في علم الخرائط وخطط العمليات ولائحة الأهداف وتوزيعها حسب الافضليات، شأنه شأن جميع قادة وكوادر المقاومة الميدانيين. وربما هذا الالمام الميداني والجغرافي بمسرح العمليات هو من أهم أسباب نجاحه كقائد للمقاومة، فرض ايقاعه بالكامل بشكل فاعل في ادارة وقيادة جميع معارك المواجهة ضد العدو والسيطرة عليها.

ما عدَّدَه السيد من أهداف محددة داخل كيان العدو يُعطي فكرة واضحة عن مستوى وحجم ما سوف يتعرض له العدو من دمار
 
في المضمون، ما عدَّدَه السيد من أهداف محددة داخل كيان العدو، وخاصة داخل البقعة الساحلية الاستراتيجية من فلسطين المحتلة، يُعطي فكرة واضحة عن مستوى وحجم ما سوف يتعرض له العدو من دمار، عند أية مواجهة مفتوحة تستدعي الرد والتدخل الواسع وبكافة الوسائل الممكنة. وربما كان كافيًا للعدو الاستنتاج، من مقاربة السيد التفصيلية للبقعة الهدف المذكورة، قيمة وخطورة وغنى بنك الأهداف المدروس والمبرمج لدى حزب الله، والذي سيشكل الانجاز الرئيس في مناورة المواجهة الواسعة المرتقبة.
 
في التوقيت، يتداخل توقيت مقابلة السيد على "المنار" بين ذكرى حرب تموز عام 2006 ضد العدو، وبين أجواء التوتر المشحون في المنطقة بشكل عام، لناحية احتمال تنفيذ عدوان غربي اقليمي على ايران تحت عناوين واهية ليس أقلها حماية حركة النفط والتجارة العالمية في الخليج.

- بالنسبة لذكرى حرب تموز، من الطبيعي أن تشكل تلك الحرب لدى المقاومة تجربة حية نموذجية، هي الأقرب ميدانيًا وعسكريًا، لتكون نواة أو نقطة ارتكاز أية مواجهة واسعة محتملة مع العدو، خاصة أنه في هذه الحرب (تموز 2006)، كسر حزب الله العديد من المعادلات التي كان العدو يعتبرها ثابتة وطالما ميزت معركته ومستوى وطريقة قتاله، وهي حماية عمقه الداخلي الذي ظهر هشًّا وتحت سيطرة صورايخ المقاومة، ومنها ايضا معادلة المواجهة المباشرة مع وحداته الخاصة وألوية النخبة لديه، حيث مُرّغَت أنوفهم في أكثر من مواجهة مباشرة بين بنت جبيل ومارون الراس وعيتا، أو على سفوح الغندورية وفرون، أو مع مدرعاته التي كان يعتبرها أسطورية لناحية ما تؤمنه في المعركة من صدم ومن كتلة نيران ضخمة متحركة، حيث سقطت أسطورة الميركافا في مجزرة متنقلة بين محاور الطيبة والخيام، وعلى محور وادي الحجير - الغندورية.

- بالنسبة للعدوان الغربي المحتمل على ايران وموقف حزب الله من ذلك، تتعدد الأسباب التي تدفع حزب الله لكي يكون مستعدًا للمشاركة في هذه المواجهة المصيرية لمحور المقاومة بالكامل. فالعدو الاسرائيلي كان بالأساس المحرض الرئيس على هذا التوتر، وسيكون المستفيد الأول من هذا العدوان على ايران، وطبعًا سيكون عنصرًا اساسيًا في الحرب والمواجهة والعدوان، والأهم في ذلك هو أن مناورة المواجهة لدى محور المقاومة في صد العدوان الغربي، سيكون عمادها الضغط على نقاط الضعف لدى جبهة العدوان، والتي سيكون الكيان الصهيوني بعمقه وبمنشآته وبنقاطه وبمواقعه الحيوية في أساسها، وجاءت اشارة السيد في عرضه لبقعة العدو الاستراتيجية على الخارطة، لتعطي فكرة عن كيفية ترجمة مناورة الضغط على النقطة الأضعف، أو على الكيان الصهيوني.

وتبقى فكرة المناورة التي يمكن استنتاجها من كلام السيد في المقابلة، والتي قد تكون أكثر ما أثارت عصبية العدو وجعلته مستنفرًا ومصدومًا، طبعًا في حقيقة متابعته وقراءته للمقابلة، وليس في اعلامه الخادع الذي حاول الايحاء عبره بعدم الاهتمام للموضوع، هي تلك المناورة البسيطة السهلة المرنة، والتي تقوم على الدخول أولًا الى الجليل وبوحدات خاصة برية تملك أسلحة نوعية، وتركيز مناورة القوة الصاروخية الاستراتيجية على الشريط الساحلي من الكيان، والحاضن لأغلب مواقعه ونقاطه الحيوية والاستراتيجية، وترك مناورة وأهداف وقطاع عمل الطيران المسير "الذي يُعتَدُّ به" كما قال سماحته، غير واضحة ومفتوحة على كافة الاحتمالات، وأخيرًا: الهدف الرئيس من هذه المناورة كما يبدو سيكون الوصول الى القدس والصلاة في المسجد الأقصى الشريف.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل