طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

28/12/2018

"سوريا" الانسحاب الأمريكي أسباب للحذر

خالد رزق

ربما كانت المرحلة الآنية من الأزمة السورية تحمل اللحظات الأشد إرباكاً لأي مخطط استراتيجي يسعى لاستعادة الأوضاع في هذا البلد لما كانت عليه ما قبل العام 2011 .

والأكيد أنها تجمل اللحظات الأكثر حرجاً عند منفذ لا يملك مفاتيح الأرض ولا نوافذ السماء ولا أدوات الفعل كلها في سورية منذ بداية الحرب العدوانية التي كادت تطال كل شبر من جغرافيا البلاد.

فالحق أني ومع سعادتي بسحب ترامب قوات العدوان والاحتلال الأمريكي من الأرض السورية، لم أرَ في الأمر ما يدعو للتفاؤل ولم أر فيه هزيمة أمريكية ولا حتى تراجعاً عن عدوانية ودموية ألفناها منهم في الحال العراقية السورية منذ بدء تسعينيات القرن الماضي.

والأكيد أني لم أفسر القرار كتطبيق لعقيدة شخصية تحكم الرئيس الأمريكي، بإعادة قواته لوطنها، والعمل فقط بمقابل كمرتزقة لمن يدفع .. فهذه الصورة الرائجة سوقت لدى أعراب جزيرة العرب للابتزاز، ودفعوا، والمعلن الذي دفعوه تجاوز في أيام قليلة زار فيها ترامب الخليج البليون دولار، وحصل على الأكثر عندما هددهم قبل أشهر بالانسحاب من سوريا وخرج ابن سلمان ليعلن أن الانسحاب سيكون خطأ وقبض ترامب وبقيت قواته أقل من العام ثم ها هو يسحبها..

 والذي أقصده أن التفسير القائل بانفراد ترامب هذه المرة بقرار الانسحاب والذي يعزز فرضيته تغيير في قيادته العسكرية ثم حديثه عن تحمل آل سعود تكلفة إعادة إعمار سورية هو بالتحديد ما أردوا لنا مَن وراء ترامب في مؤسسات بلاده والصهيونية العالمية الوصول إلى استنتاجه، فلا الولايات المتحدة هي تلك الدولة التي تدار بإرادة فرد وعلى هواه، ولا شخصية ترامب نفسه تؤهله لاتخاذ قرار كهذا من دون أن يشار عليه به، والمشير وليس المستشار هو زوج ابنته الصهيوني جاريد كوشنير. ببساطة مؤسسات أمريكية صهيونية المعتقد وعراب للصفقات الخليجية الصهيونية الأمريكية السياسية والاقتصادية في سرير ابنته، ليس ممكناً أبداً أن نصدق تحولهم فجأة إلى السلمية والبناء.

وبوضوح أقول إن معطيات تجاربنا التاريخية في كل مكان من خارطة أمتنا الممتدة مما وراء الخليج وحتى المحيط ومن آسيا الوسطى حتى القرن الإفريقي، تقول إن هؤلاء أبداً لا يتخلون عن عدوانيتهم وهكذا بلا مقابل.. فالذي نعرفه يقيناً أننا على الأرض السورية لم نحارب القوات الأمريكية ولم نتصدَّ لغارات طائراتهم بأي صورة كانت، لتكون لديهم خسائر تجبرهم على الانسحاب، وإن خطوة كتلك ـ محاربة قوات الاحتلال الأمريكية - ليس ممكناً للجيش العربي السوري اتخاذها مباشرة، ليس في المرحلة الحالية ولا في وقت قريب منظور، و الأقرب وحال استتباب الأوضاع في كل أنحاء سورية هو تفعيل خيارات المقاومة الشعبية والعمل الدبلوماسي معاً وبقاء الجيش النظامي بعيداً عن أي مواجهة تكون ذريعة لحرب شاملة ومواجهة مفتوحة مع تحالف الشر الغربي الصهيوني الخليجي التركي والتي من المؤكد أن سورية ليست جاهزة لها.

وليست حتى مسألة حلول القوات التركية في مواقع قوات الاحتلال الأمريكي المنسحبة إن جرت هي كل ما يمكن أن نراه مقلقاً، وإنما ما يأتي بعدها والذي أراه هو الهدف الأقرب احتمالاً، فبعد جلاء القوات الأمريكية لا شرعية على الأرض سوى للجيش وللدولة السورية، والطبيعي أن تدفع الدولة بقوات عسكرية وأمنية لإعادة المناطق التي جلا عنها الاحتلال لسيادتها وفي ذلك من المتوقع أن تدور بين هذه القوات وعناصر جماعات وميليشيات التكفير المسلحة والانفصالية الكردية المدعومة غربياً وتركياً وسعودياً من ناحية وبينها وبين القوات التركية حال دخولها معارك أتصورها الأصعب منذ انطلاق الحرب السورية وهو ما سيستدعي تكثيف الجيش العربي السوري وحلفائه، محور المقاومة من دون الغطاء الجوي الروسي، قوته بساحة الشمال.

والذي أراه أن المخطط هو إنهاك الجيش السوري من ناحية وفرض واقع عسكري جديد في الشمال وإحداث خلل متزامن في توازن القوة على جبهة الجنوب الأوسع -سورية ولبنان معاً -،إذ هم يتصورون بل يأملون أن حزب الله أقرب حلفاء سورية سيسحب جانباً كبيراً من قوة المواجهة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان وجنوب غرب سورية للدفع بها على جبهة الشمال السوري، وهنا يكون التفسير الأصوب  هو أن من يحمل هذا التصور إنما يسعى لاستغلال الأمر لفتح جبهة جنوب الشام والجنوب اللبناني ليواجه أخطر وأشد خصومه في المنطقة حزب الله والأخير مشتتة قواته في أنحاء سوريا وشمالها وشرقها البعيدين وفي الجرود والجنوب غير ما هو معروف إمكانية حدوثه من طعنات الداخل .

الموقف السوري صعب ولا شك الدولة مطالبة باستعادة المناطق التي جلا عنها الاحتلال والجيش منشغل بجبهات متعددة، والحليف الروسي رغم تقديرنا لكل ما قدم صرنا نعرف أنه ليس هنا لمنع عدوان على سورية أياً كان طرفه صهيونياً غربياً تركياً، والمقصود بالمنع هنا ليس الدخول في حرب بالوكالة عنا، ولكن الذي نثق به أن روسيا إن أرادت فكلمتها وموقفها الصلب أكثر من كافيين وجداً لردع عدوان من أي جهة ولكنها في ذلك بلا موقف ولا كلمة فليست روسيا اليوم هي الاتحاد السوفيتي وليس هناك نيكيتا خروتشيف ولا عبد الناصر (حرب السويس 56) .

تقديرات الموقف تحتم أن تكون حساباتنا بالغة الدقة، فلا ينبغي ابداً أن نأخذ تبدل مواقف أنظمة عربية نعلم مخبرها جيداً، على أنه عودة إلى الصواب وتسليم بانتصار محور المقاومة في سوريا ولا بأنها بدلت مواقفها بغير إذن سيدها في البيت الأبيض.. والأخير ترامب الأرجح أنه سحب قواته حماية لها من خسائر حرب أشرس وأعنف يسعى لإشعالها ولا يريد أن تطالهم نيرانها.. ـ، بعد فشل جماعات المرتزقة التي يدعمها في ساحات القتال المباشر والمتلاحم التي انفتحت بكل أرجاء سوريا في تحقيق مهمة تقسيم البلاد وهدم الدولة -. وهو في هذه الحرب لا يريد أن يخرج عن نمط الحروب الأمريكية بإحراق الأرض من السماء أولاً ثم توجيه قوات أرضية ليست أمريكية لمهام التعامل الميداني.. قبل الدفع بقواته لاحتلال أرض بخسائر محدودة تقبل داخلياً.
 
سعيد بالانسحاب الأمريكي ولا أراه مخلفاً لفراغ كما يدعون.. فقط على الجيش السوري المبادرة إلى فرض سيطرته بمناطق الانسحاب وقبل دخول أي قوات غريبة. وعلى السياسة أن ترتقي لمقام ما بذله ويبذله الرجال في الميدان وأن تكون أشد صراحة ووضوحاً مع الحلفاء قبل الأعداء.

أما أشرف الرجال صناديد المقاتلين وسيد المقاومة "نصره الله"، فأدرك أنهم أكثر من يعرفون أنه لا راحة في هذه الدنيا قبل تحرير الأرض كل الأرض وتطهيرها من العدو، وأنه ليس لهم فيها غير القتال ومنه مجدهم وعزهم وأتصور أن فيه راحتهم.. فهنيئاً لهم بجهاد في ساحات شرف كاد أن ينسحب منها الجميع.

 نائب رئيس تحرير صحيفة الاخبار ـ مصر

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل