"الصفعة الأولى".. هكذا أُضعفت واشنطن
شارل ابي نادر
لم تتأخر ايران في البدء بالرد انتقامًا من الوحدات العسكرية الاميركية، لقيامها باغتيال الشهيد اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، ورفيق دربه المقاوم الشهيد ابو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي ورفاقهما. وحيث اختارت توقيت الردّ برمزيته الوجدانية، في نفس توقيت عملية الاغتيال (الواحدة وعشرين دقيقة فجراً) ومباشرة قبل أن يوارى جثمان الشهيد سليماني الثرى، فقد استهدفت بعشرات الصورايخ الباليستية قاعدتي عين الأسد في الانبار وهفلان في اربيل، مركزة على جناحي تواجد الوحدات الأميركية فيها.
لا شك أن لعملية الردّ الكثير من الأبعاد العسكرية والسياسية والاستراتيجية، لما تحمله من أهمية كبيرة تستدعي التوقف عندها ودراستها، خاصة أنها سوف تفرض (عملية الرد) تغييراً مفصلياً في مسار الصراع في المنطقة، وفي العالم ربما، وخاصة بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الغربيين والاقليميين من جهة، وبين محور المقاومة بقيادة ايران من جهة أخرى.
الأهمية المعنوية
قد تكون المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، التي تتعرض فيها قواعدها العسكرية وخاصة الجوية، لعملية استهداف صاروخي واسعة ومركزة (غير عشوائية)، بعد أن يتم تهديدها من دولة معروفة (ايران) بكل جرأة وصراحة ووضوح، وتعجز (الولايات المتحدة الاميركية) عن الرد المباشر أو اللاحق، وتظهر غير قادرة على التعامل مع عملية الاطلاق، لا عسكريًا ولا سياسيًا، في الوقت الذي تعتبر فيه الدولة الاقوى عالميا في مجال القدرات العسكرية والتقنية النوعية المتطورة.
الأهمية العسكرية
رغم عدم اعتراف الأميركيين بسقوط اصابات، وهو انكار منتظر ومرتبط بقبولهم لاحقا بالصفعة المغمسة بدماء جنودهم، فإنه بمجرد وصول الصواريخ الباليستية الايرانية الى داخل القواعد الاميركية وانفجارها، يعتبر ذلك انجازًا عسكريًا مهما يجب التوقف عنده، لما يحمله ذلك من معانٍ وعبَر ومؤشرات، فكيف اذا كانت هذه الصواريخ قد أصابت الاهداف النقطية النوعية التي حددتها غرفة العمليات الصاروخية الايرانية لها؟
1 - أن تعجز منظومات الدفاع الجوي الأميركية عن اسقاط أي من الصواريخ الايرانية، فهذا يعتبر فشلًا صادمًا، لأنه بالمبدأ لا يمكن القول ان هذه القواعد خالية من منظومات الدفاع الجوي، حيث انه سلاح اجباري واساسي في هيكلية كل تنظيم جوي لدى الدول العادية المتوسطة القدرات، فكيف بالنسبة للاميركيين، والذين ينشرون وحداتهم الجوية في منطقة من العالم هي الاكثر حماوة وخطرا، على الاقل بمواجهة ايران وحلفائها المتهمين بامتلاكهم أسلحة نوعية، هي سبب التصويب الواسع اسرائيليا واميريكا عليهم.
2 - اذا اعتبرنا أن الصورايخ الايرانية التي استهدفت بنجاح القواعد الاميركية، هي بمستوى متميز من التقنية والتطور والسرعة، بحيث استطاعت من خلاله اصابة أهدافها قبل اكتمال جهوزية المنظومات الدفاعية الاميركية للتدخل، فلماذا لم نشهد تعاملا عسكريا مباشرا او لاحقا بعد الاطلاق مباشرة مع قواعد الصواريخ الايرانية، الامر الذي يجب ان يحصل، اذا اعتبرنا انه من المفترض امتلاك الاميركيين منظومة التدخل الاستباقي، والتي أصبحت تميز وسائطهم القتالية مثل أغلب الدول المتطورة (دول الناتو وروسيا والصين)، بمعنى التعامل مع الوسائط العدوة قبل اعطائها الفرصة كاملة لاطلاق قدراتها النوعية الاستراتيجية، والا ما الفائدة من التفرج على سقوط الصواريخ على القواعد والمواقع الصديقة وغياب المبادرة لتأمين الحماية الاستباقية؟
الاهمية السياسية
- بعد هذا الاستهداف الايراني الناجح لقواعد أميركية في العراق، وفشل منظومات الدفاع الجوي في حمايتها، أين هو المبرر بعد اليوم لتمويل وتغطية نشر الوحدات والقواعد الأميركية في المنطقة بهدف حماية الانظمة الموالية، والتي ترعى المصالح الاميركية المالية والسياسية والاستراتيجية، اذا كانت عاجزة عن حماية وحداتها؟ وليأتي هذا التطور في كشف وفضح العجز الاميركي بعد فضيحة العجز الأخرى سابقا في حمايتهم لمنشآت النفط السعودية في ارامكو، بما تمثله من موقع ودور وحيثية عالمية في انتاج وتصدير الطاقة.
- لا يمكن بعد اليوم لأي نظام حكم عربي خليجي أن يعتمد على القدرات الاميركية لحمايته، أو أن يثق بها، الأمر الذي سوف يخلق تباعدا مع واشنطن، لن تستطع هذه الانظمة تجاوزه، على الاقل أمام شعوبها التي أصبحت تفهم جيدًا الاستغلال الاميريكي لثروات بلادها دون اية فعالية في الأوقات الحرجة، والامر الذي سوف يؤدي أيضًا بعد اليوم - وربما بدأنا نلمسه منذ فترة - الى تطوير علاقات هذه الأنظمة مع دول كبرى اخرى غير اميركا، بهدف الحصول على حمايتها، بطريقة مباشرة من خلال نشر قواعد عسكرية لها، أو بطريقة غير مباشرة عبر تحقيق عقود شراء أسلحة وقدرات عسكرية متطورة.
الأهمية الاستراتيجية
بمعزل عما حققته عملية الرد الايراني على القواعد الاميركية، في الشق المعنوي أو السياسي أو العسكري، والتي تصب جميعها في تدعيم وتوسيع الأهمية الاستراتيجية للحدث التاريخي، فإن ما خلقته عملية الرد هذه على صعيد تثبيت معادلة الردع (الاقليمية - الدولية) بمواجهة الاميركيين والاسرائيليين معًا، سوف يشكّل نقطة مفصلية في الصراع والمواجهة، لن تكون بأقل من إجبار الاميركيين على الانسحاب من المنطقة، وما لذلك من تداعيات على الكيان الصهيوني، لناحية إشكالية وجوده وقدرته على الاستمرار والثبات في احتلاله لاراضينا العربية.
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=15025&cid=153