اغتيال القائدين سليماني والمهندس: خطأ في الحسابات
عبير بسّام
لا بد ان المناورات التّي اجرتها مؤخراً الصين وروسيا وإيران في الخليج العربي، شكلت استفزازاً كبيراً لكلٍّ من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على حدٍّ سواء. فجاء الرّد الأميركي، الذّي عبر عن مدى الإستياء من خلال قصف مواقع الحشد الشّعبي في سوريا والعراق. إستياءٌ، جاء بسبب تواصل الإنتصارات التّي أحرزهاالحلفاء من إيران وحتى فلسطين، على الإرهاب. في الحقيقة لم يتوقع الأميركي ردّة الفعل التّي جاءت بحصار سفارته ومهاجمتها من قبل المتظاهرين، والمطالبة بخروج القوات الأميركية نهائياً من العراق، ومن خلال تشريع يقرّه مجلس النّواب العراقي.
اذاً لا يمكن فصل عملية قصف مواقع الحشد الشّعبي، عن عملية اغتيال الرّجلين الكبيرين الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي والذي يعتبره االأميركيون مهندس كتائب حزب الله في العراق. اذ يبدو أن الأميركيين يعتبرون خطر هذه الكتائب عليهم يوازي خطر حزب الله في لبنان، أو لربما أنّ الإسم بحدّ ذاته بات يعبر عن الخوف الأميركي من الإنتصار العراقي والمذّل للأميركي تماما كما حدث في جنوب لبنان، وبالتّالي استقلال القرار العراقي. فتداعيات الحصار الذّي فرضه المواطنون العراقيون على السّفارة الأميركية ردّاً على قصف إخوانهم وأهلهم من قوات الحشد الشعبي في الأنبار أكبر بكثير مما قراها الجميع. لقد ذكّرت ردّة الفعل الأميركيين بسنوات المقاومة التّي أخرجتهم من العراق، وحصار السّفارة في إيران. وكان التقدير الأميركي، أن الحروب التّي خاضوها منذ العام 2000 في المنطقة، من أفغانستان إلى العراق فسوريا، جاءت بصفر نتائج، وهذا تقدير صحيح.
أصاب الأميركي في تقديره قيمة الرجلين العسكرية والمعنوية على مساحة الشّرق الأوسط وحتى العالم في مواجهة الوجود الأميركي والصّهيوني على حدٍّ سواء، وأن الإنتصار على الأميركي بات على قاب قوسين أو أدنى، ولكنه ظن أنّه باغتيال الرّجلين يمكنه أن يوقف المطالبات بتشريع قانون يلزم الدّولة العراقية بإخراج الأميركي من العراق بعد أن شرعت دولة المالكي وجوده. ولكنه هنا أخطأ بالحسابات.
وأصاب الأميركيون في تقديرهم: أنّ هذين الرّجلين كانا قادرين على بناء جيش يمكنه هزيمة داعش والأميركيين في المنطقة العربية من العراق إلى لبنان، عبر خط نار لا مكان فيه لهم يلوذوون إليه سوى البحر. وأنّهم على وشك فقدان السّيطرة على الشّرق وموارده الطّبيعية من إيران وحتى لبنان، وفلسطين.
ظن الأميركي أنه بتهديد الحشد الشّعبي من موقعه في الأنبار فإنه يحمي وجوده الوقح في شرق الفرات، وأنه يؤمن ظهر قواته من ناحية العراق، ولكنه بعمليتيه الغبيتين، أقام الدنيا وأقعدها من خلفه ومن أمامه، وبات اليوم وجوده في المنطقة يعد بالأيّام والسّاعات، وستثبت الأيام القادمة ذلك! لأنّ عمليات المقاومة التّي ابتدأت ستشتدٌّ في الأيّام القادمة، وخاصة بعد أن تنفذ إيران وعدها بالرّد والذّي سيعطي زخماً عالياً لعمليات المقاومة في المنطقة. ومحاولات عزل إيران اليوم جاءت بعزل قواته، بعد أن طلبت قوات الحشد العراقيين الإبتعاد عن مراكز الأميركيين لمسافة قطرها ألف متر.
ظن الأميركي أنّه بإطلاق عمليات "داعش" في الصّحراء السّورية، أنّ بإمكانه العودة بعقارب السّاعة إلى الوراء وأنّ غيابه سيطلق العمليات الإرهابية من جديد، لكنه أخطأ من جديد، فالدّماء التّي أريقت من أجل التّخلص من هذا التّنظيم الإرهابي لم تجف بعد، وما اغتيال الشّهيدين، وغيره من الإغتيالات للمقاومين من إيران إلى سوريا ولبنان، إلا محاولة من أجل كتم الأصوات في منطقتنا، ولكنه أخطأ في الحسابات، فدم الشّهداء يكبر في ضمائر أهلهم عزماً وتصميماً.
لم يخطأ الأميركيين تقدير أهمية الرّجلين، ولكن ما أخطؤوا حسابه، وخاصة بعد التّصريح الذّي يعتبر خطوة متقدمة والذّي أدلى به أمير الموسوي، الدّبلوماسي الإيراني: أنّ اليوم، "باتت أيّة شخصية أميركية مستهدفة بالإغتيالات". فإغتيال شخصية رسمية في مطار مدني يعتبر استهتاراً بسيادة العراق وسيادة إيران. اذ ظنّ الأميركيون أن الرّد الإيراني سيكون مساوياً لإسقاط المسيرة التّي اخترقت أجواء إيران وتجنب إسقاط ناقلة الجند الأميركية التّي كانت تسير بمحاذاتها منعاً للتّصعيد. ولكنهم أخطؤوا الحساب، فجنودهم وشخصياتهم ليست خارج نطاق الردّ.
لقد أخطأ ترامب، اذ ظنّ، أن اغتيالات العراق ستخرجه من مأزقه، من خلال إرضاء النّاخب الأميركي الصّهيوني ويهود أميركا بإعلان الحرب على إيران، وخاصة بعد الدّفع بإتجاه عزله من قبل الكونغرس الأميركي. وأنّ الحرب مع إيران يعد مخرجاً جيداً لصديقه بنيامين نتنياهو من مأزقه، خاصة وأن اسرائيل على عتبة إعادة الإنتخابات. ويبدو أنّ نتنياهيو كان على علم بهذه الضّربة، ويستدل على ذلك من خلال تصريحه الحماسي باستعداد بلاده لتسديد الضّربات في كلٍّ من سوريا والعراق بعد قصف الحشد الشّعبي في الأنبار.
قصف الحشد الشعبي في الأنبار وعلى الحدود السّورية العراقية، له دلالات ورسائل قلق أميركي من تعرض قواتها لعمليات المقاومة، خاصة وأن المقاومة ضد قواتها على الجانب السّوري قد ابتدأت فعلياً. والصّدفة العجيبة هي عودة شراذم داعش للتّجمع، والبدء بعمليات ضد الجيش السّوري في بادية الشّام. الرّسائل كانت جماعية، لم تكن الرسائل الأميركية تنفرد بطرف دون آخر. ولكن التّوعد العراقي بعودة المقاومة ضد الأميركيين، وخروج المتظاهرين للتنديد بالوجود الأميركي بعد قصف الأنبار، ومحاصرة السفارة الأميركية له دلالات تخيف أميركا من عودة العمليات المقاومة ضد جنودها وعلى مراكزها الدّبلوماسية والعسكرية على حد سواء.
يتعاطى الأميركيون مع الحشد الشعبي بتعبيرات على أنه عصابات مسلحة "مليشيات"، ويرفضون الإعتراف به على أنّه جزء من قوة الجيش العراقي. وقالت الـ "بي بي سي" بأن اغتيال المهندس ومهاجمة كتائب حزب الله في العراق جاءت بسبب مهاجمة القوات الأميركية المحتلة، والتّي تخشى أن تقوم الكتائب بضرب السّفارة الأميركية بعد محاصرتها. ويأتي الإغتيال كمحاولة أميركية للقول بأنّها ما تزال قادرة على الضّرب بيد من حديد في العراق. وتعتبر أمريكا أن المهندس هو رجل إيران في العراق. وبحسب بيان البنتاغون الذي نشرته الـ بي بي سي إن سليماني "دبَّر بفعالية خطاً لمهاجمة الدبلوماسيين والمجندين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة". وأضاف البيان أن "الجنرال سليماني وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل المئات من أفراد القوات الأميركية وقوات التّحالف وجرح الآلاف منهم".
ولكن، اليوم تجري الولايات المتحدة اتصالات مع مختلف الدّول الأوروبية والباكستان طالبة الوساطة من أجل تخفيف من حدة الرّد. ولكن القرار قد اتخذ، واغتيال القائدين ليس آخر الحسابات الخاطئة، التّي أجرتها الولايات المتحدة، ويبدو من الإجراءات التي تدبرتها الولايات المتحدة بأنها تقف على قدم ونصف. وأغلب الظّن أن الطّمع والغطرسة الأميركية ستقودها نحو الهاوية. وأنّ الرّد قادم قادم!
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=14845&cid=153