تهدف هذه الوثيقة إلى تظهير الرؤية السياسية لحزب الله، حيث تنطوي على ما نراه من تصورات ومواقف وما نختزنه من آمال وطموحات وهواجس، وهي تأتي - قبل أي شيء آخر - نتاجاً لما خبرناه جيداً من أولوية الفعل وأسبقية التضحية.
ففي مرحلة سياسية إستثنائية وحافلة بالتحولات، لم يعد ممكناً مقاربة تلك التحولات من دون ملاحظة المكانة الخاصة التي باتت تشغلها مقاومتنا، أو تلك الرزمة من الإنجازات التي حققتها مسيرتنا.
وسيكون ضرورياً إدراج تلك التحولات في سياق المقارنة بين مسارين متناقضَين وما بينهما من تناسب عكسي متنامٍ:
مسار المقاومة والممانعة في طوره التصاعدي الذي يستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية، وترسُّخ أنموذج المقاومة شعبياً وسياسياً، والثبات في المواقع والمواقف السياسية رغم ضخامة الإستهداف وجسامة التحديات..، وصولاً إلى إمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها.
مسار التسلط والإستكبار الأميركي - الإسرائيلي بأبعاده المختلفة وتحالفاته وامتداداته المباشرة وغير المباشرة، والذي يشهد انكسارات أو انهزامات عسكريةً وإخفاقات سياسيةً، أظهرت فشلاً متلاحقاً للإستراتيجيات الأميركية ومشاريعها واحداً تلو الآخر، كل ذلك أفضى إلى حالة من التخبط والتراجع والعجز في القدرة على التحكم في مسار التطورات والأحداث في عالمنا العربي والإسلامي.
وما يعمّق أزمة النظام الإستكباري العالمي الإنهيارات في الأسواق المالية الأميركية والعالمية، ودخول الإقتصاد الأميركي في حالة تخبّط وعجز، والتي تعبِّر عن ذروة تفاقم المأزق البنيوي في الأنموذج الرأسمالي المتغطرس.
لذا يمكن القول: إننا في سياق تحولات تاريخية تُنذر بتراجع الولايات المتحدة الأميركية كقوة مهيمنة، وتحلُّلِ نظام القطب الواحد المهيمن، وبدايةِ تشكّل مسار الأفول التاريخي المتسارع للكيان الصهيوني.
تقف حركات المقاومة في صُلب هذه التحولات، وتَبرُز كمعطًى إستراتيجي أساسي في هذا المشهد الدُّولي، بعد أن أدت دوراً مركزياً في إنتاج أو تحفيز ما يتصل من تلك التحولات بمنطقتنا.
لقد كانت المقاومة في لبنان، ومن ضمنها مقاومتنا الإسلامية، سبّاقةً إلى مواجهة الهيمنة والإحتلال قبل ما يزيد على عقدين ونصف من الزمن، وهي تمسكت بهذا الخيار في وقت بدا وكأنه تدشينٌ للعصر الأميركي الذي جرت محاولات تصويره وكأنه نهاية للتاريخ. وفي ظل موازين القوى والظروف السائدة آنذاك إعتبر البعض خيار المقاومة وكأنه ضربُ وهمٍ، أو تهورٌ سياسي، أو جنوحٌ مناقضٌ لموجبات العقلانية والواقعية.
رغم ذلك مضت المقاومة في مسيرتها الجهادية، وهي على يقين من أحقية قضيتها وقدرتها على صنع الإنتصار، من خلال الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، والإنتماء للأمة جمعاء، والإلتزام بالمصالح الوطنية اللبنانية، والثقة بشعبها، وإعلائها القيم الإنسانية في الحق والعدالة والحرية.
رغم ذلك مضت المقاومة في مسيرتها الجهادية، وهي على يقين من أحقية قضيتها وقدرتها على صنع الإنتصار، من خلال الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، والإنتماء للأمة جمعاء، والإلتزام بالمصالح الوطنية اللبنانية، والثقة بشعبها، وإعلائها القيم الإنسانية في الحق والعدالة والحرية.
فعلى مدى مسارها الجهادي الطويل وعبر انتصاراتها الموصوفة، بدءاً من دحر الإحتلال الإسرائيلي في بيروت والجبل إلى هروبه من صيدا وصور والنبطية وعدوان تموز 1993 وعدوان نيسان 1996 والتحرير في أيار 2000 فحرب تموز 2006، أرست هذه المقاومة صدقيتها وأنموذجها قبل أن تصنع انتصاراتها، فراكمت حقبات تطوُّر مشروعِها من قوة تحرير إلى قوة توازن ومواجهة ومن ثَمّ إلى قوة ردعٍ ودفاع، مضافاً إلى دورها السياسي الداخلي كركن مؤثّر في بناء الدولة القادرة والعادلة.
بالتزامن مع ذلك، قُدِّر للمقاومة أن تطور مكانتها السياسية والإنسانية، فارتقت من كونها قيمةً وطنيةً لبنانيةً إلى كونها - أيضاً - قيمةً عربيةً وإسلاميةً متألقةً، وقد أصبحت اليوم قيمةً عالميةً وإنسانيةً يجري استلهام أنموذجها والبناء على إنجازاتها في تجارب وأدبيات كل الساعين من أجل الحرية والإستقلال في شتى أنحاء المعمورة.
إنّ حزب الله رغم إدراكه لتلك التحولات الواعدة، وما يراه من مراوحة العدو بين عجز استراتيجية الحرب لديه والعجز عن فرض التسويات بشروطه، فإنه لا يستهين بحجم التحديات والمخاطر التي لا تزال ماثلةً، ولا يُقَلِّل من وعورة مسار المواجهة وحجم التضحيات التي تستوجبها مسيرة المقاومة واسترداد الحقوق والمساهمة في استنهاض الأمة، إلاّ أنه - في قبال ذلك - قد بات أشد وضوحاً في خياراته وأمضى عزيمةً في إرادته وأكثر ثقةً بربّه ونفسه وشعبه.